السبت 29 آب (أغسطس) 2015

موقع الخليج في سياسات إيران بعد النووي

السبت 29 آب (أغسطس) 2015 par د. محمد السعيد ادريس

كل ما يحدث هذه الأيام من أحداث وتطورات وتفاعلات متداخلة تخص الأزمات العربية في سوريا والعراق واليمن، ومعها أيضاً لبنان وليبيا، فإن العلاقات الإيرانية - العربية، وفي القلب منها العلاقات «الإيرانية - الخليجية» على وجه الخصوص، بدأت تشهد تحولات مهمة ضمن تداعيات التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، بحيث يمكن القول إن هذه العلاقات قبل التوقيع على هذا الاتفاق كانت شيئاً وإنها بعد التوقيع على هذا الاتفاق بدأت تأخذ أشكالاً أخرى، في ظل تعمد إيران انتهاج سياستين متوازيتين ومتزامنتين في آن واحد.

سياسة ذات طابع دعائي هدفها ترسيخ قناعة تحول إيران من «دولة منبوذة» أو «دولة مارقة» إلى دولة فاعلة ونشطة تستهدف تحسين العلاقات على قاعدة السلم والأمن الدوليين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وسياسة أخرى «عملياتية» في التعامل مع الدول العربية الخليجية المجاورة على وجه الخصوص، تحرص فيها إيران على أن تقوم بدور «الوصي» أو «الولي»، وترى أن من واجبها التدخل لنصرة من تعتبرهم «مستضعفين» أو «مظلومين» من أبناء هذه الدول، في ظل قناعة إيران بمسؤوليتها عن حماية حقوق هؤلاء في كل مكان بالعالم والدفاع عن مصالحهم والتدخل لنصرتهم.

ربما يكون إدراك هذه «الحقيقة المُرة» هو ما دفع «مركز دراسات الخليج العربي» في مملكة البحرين ليعطي الأولوية في باكورة نشاطه البحثي باعتباره «مركزاً للفكر» أو «وعاء للفكر» (Think Tank) لدراسة الظاهرة الإيرانية الجديدة في ثلاث جلسات حوارية على مدى ثلاثة أيام متتالية (19-21 / 8 / 2015).
ومن خلال مشاركتي في هذه الجلسات الحوارية أو «الورش البحثية» الثلاث استطيع أن أقول إن الورشة الثالثة كانت جامعة لمعظم استخلاصات الرؤى والأفكار التي طرحت خلال اليومين السابقين من منظور دراسة وتحليل خلفيات التحول الأمريكي في العلاقة مع إيران ودوافعه، ومن خلال دراسة وتحليل السياسات الإيرانية نحو دول الخليج، وهي السياسات التي ما زالت محكومة بأفكار «تصدير الثورة»، ولكن في ثوب جديد يرمي إلى الاستفادة من التفاهمات الإيرانية - الأمريكية ضمن الاتفاق النووي للدفع بمشروع «الدولة الشيعية الكبرى»، الذي هو أحد خيارات واشنطن لإعادة ترسيم الخرائط السياسية الذي بدأته في العراق، وتسعى الآن إلى تجديده في العراق أيضاً.
فقد توافقت آراء المشاركين في «الورش البحثية» الثلاث على أن الولايات المتحدة الأمريكية اختارت أن تعدل من سياستها نحو إيران من التعامل معها ك«دولة منبوذة» تفرض التعامل معها بأدوات الصراع إلى «حليف محتمل» أو على الأقل ك«حليف تحت الاختبار»، بكل ما يعنيه ذلك من صدام مع «الحلفاء القدامى» أو «الحلفاء التاريخيين في الشرق الأوسط»، أي «إسرائيل» والدول العربية الخليجية وتركيا، وبكل ما يفرضه هذا التحول في الموقف الأمريكي نحو إيران من مساع أمريكية لطمأنة كل هؤلاء الحلفاء من أن هذا التحول الإيجابي نحو إيران لا يعني ولا يفرض تحولاً سلبياً في علاقة الولايات المتحدة مع هؤلاء الحلفاء، وبذل جهود أمريكية لإقناع حلفائها التاريخيين بتعديل سياساتهم العدائية نحو إيران إلى نمط آخر تعاوني، أو على الأقل «نمط وفاقي» أو ما يسمى في العلاقات الدولية ب«وفاق القوى».
ربما يثور هنا سؤال مهم هو: لماذا هذا التحول الأمريكي من إيران؟

السؤال مهم، وكانت الإجابة أن هناك تفسيرين لهذا التحول في السياسة الأمريكية نحو إيران؛ أولهما أن الولايات المتحدة تسعى إلى «احتواء إيران» على نحو ما سعى الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون لاحتواء الصين.

كان هدف نيكسون هو تحويل الصين إلى حليف محتمل للولايات المتحدة بدلاً من أن تكون حليفاً للاتحاد السوفييتي ضمن إطار الصراع الأمريكي - السوفييتي، في ذروة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، لكن يوجد هنا سؤال مهم هو: احتواء إيران ضمن أي سياق؟ هل للحيلولة دون تحالفها مع العرب مثلاً، أم لتفكيك تحالفها مع روسيا والصين في إطار تحولات واشنطن للتركيز على مصالحها في إقليم جنوب شرق آسيا بدلاً من الشرق الأوسط، أم من أجل تأسيس نظام إقليمي يجمع إيران و«إسرائيل» بعد أن فشلت مساعي أوباما لتأسيس تحالف يضم تركيا والإخوان ودولاً خليجية مع «إسرائيل» تحت مسمى «الحلف السني» ضد إيران وما يُعرف ب«الهلال الشيعي»، وهو الحلم الذي أسقطته ثورة الشعب المصري في 30 يونيو/حزيران 2013. وربما يكون الهدف الأمريكي هو إحداث قطيعة بين الشيعة العرب وجسدهم العربي الكبير وجعل الانتماء الطائفي عندهم يتجاوز انتماءهم الوطني والقومي العربي، والهدف الأساسي هو جعل الصراع الشيعي - السني هو الصراع المسيطر على الشرق الأوسط، وحماية وجود «إسرائيل»، وتبديد حلم تجديد الحضارة العربية الإسلامية، وتفكيك الوحدة الإسلامية في ظل قناعة الأمريكيين بأن الصراع في العالم لم يعد صراع أيديولوجيات، بل أضحى «صراع حضارات» على نحو ما أكد عالم السياسة الأمريكي صموئيل هنتغنتون، وأن الصراع بين الحضارة الغربية والحضارة العربية - الإسلامية هو أهم معالم هذا الصراع الكوني.

إيران تدرك ذلك وتتعامل بجدارة ملحوظة، فهي تغازل الغرب من ناحية، لإقناعه بأن استثماره في كسب ود إيران أفضل من عدائها، بإظهار الوجه الإيراني المشرق الداعم لعلاقات التعاون وحسن الجوار حتى مع الكيان الصهيوني، ولعل في دعوة إحدى الجامعات الإيرانية الكبرى لباحثة «إسرائيلية» مرموقة لتكون عضواً في الهيئة الاستشارية لإحدى دورياتها العلمية، ما يؤكد هذا المسعى الذي بدأ يجد له آذاناً صاغية لدى الغرب الأوروبي المتهافت لعلاقات اقتصادية مميزة مع إيران، لكن أبرز المجذوبين لهذا الإغراء الإيراني هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تحدى الرافضين من الجمهوريين واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للاتفاق النووي الموقع مع إيران بقوله: «إن 35 مليوناً خرجوا لاستقبال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيرانية عقب التوقيع على الاتفاق النووي في حين يتظاهر مليون واحد تابعون للحرس الثوري للتنديد بالاتفاق.. وعليكم أن تختاروا».
كما أن إيران لا تضيع وقتاً لفرض وصايتها على الدول الخليجية على نحو ما هو حادث في العراق، ففي الوقت الذي يتحدث فيه وزير خارجيتها عن ضرورة تأسيس «مجمع حواري إقليمي» يجمع إيران مع دول «الخليج الفارسي» ليتسع فيما بعد ليضم «الدول الإسلامية في الشرق الأوسط»، أي تجديد دعوة تأسيس «نظام إقليمي إسلامي» سبق أن طرحه الرئيس السابق أحمدي نجاد، فإن إيران تدعم جماعات إرهابية داخل البحرين وداخل الكويت في محاولة لاستثمار هجمات إرهابية حدثت في الكويت من تنظيم «داعش» في محاولة لفرض الصراع الطائفي السني - الشيعي كأداة تحول وتغيير للنظم السياسية الخليجية، وكبوابة لفرض التقسيم باعتباره هو الحل لأزمات المنطقة تماماً كما هو الفهم الأمريكي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010