السبت 15 آب (أغسطس) 2015

“حل الدولتين” صهيونيا!

السبت 15 آب (أغسطس) 2015 par عبداللطيف مهنا

هل بات الصهاينة يرون أن الظروف قد نضجت وأضحت مهيأةً لهم الآن أكثر من أي يوم مضى للمضي قدمًا وعلنًا في تطبيق نسختهم مما يعرف بـ”حل الدولتين”؟!
لوهلة، سوف يثير طرح مثل هكذا تساؤل استغرابًا مبررًا، لأن الوقائع والسياسات التهويدية التي فرضوها وانتهجوها، ويفرضونها وينتهجونها، على مدار الساعة في عموم الضفة والقدس في مقدمتها، دلت وظل يدل حالهم المنسجم مع استراتيجيتهم منذ بدء الصراع أنهم ليسوا في وارد التخلي عنها، أي أنها ذرت منذ أمد ليس بالقريب كافة الأوهام الأوسلوية المتعلقة بهكذا حل.
بيد أننا، وهنا تكمن المفارقة، لا نطرح تساؤلنا هذا من زاوية معهود الفهم الأوسلوي البائس والعقيم والمتشبث بوهم لم يعد، وفقما سبق ذكره، وباعترافهم هم قبل غيرهم، واردًا أو ممكنًا، وإنما من زاوية المفهوم الصهيوني البحت والمتكشِّف مع الأيام لهذا الحل، والذي إن لم يك بالجديد وطرح لديهم منذ ثمانينات القرن المنصرم، فقد غدا الآن يدعى إليه ويناقش في وسائل الإعلام، ولم يعد دعاته والحاضون عليه ثلة من مجانين المتطرفين، أو غلاة الحاخامات المتعاملين مع الصراع باعتباره تحصيلا لسند عقاري رباني وعدتهم به الأساطير التوراتية، أو على منظمات من مثل “كاخ” الشهيرة، أو حفيداتها راهنا، “تمرُّد”، و”تدفيع الثمن”، و”شباب التلال”، وما قد يستحدث من مسميات، وكلها قاطبة أدوات “غير رسمية” مساعدة لفرض تلك الوقائع، وأذرع مموهة لتطبيق تلك السياسات، وإذ تعبِّر عن سلوك يومي يتلاءم مع طبيعة تجمُّع استعماري إحلالي، تقوم بأدوارها في سياقات تكتيكية في خدمة استراتيجية تهويدية متكاملة لكامل فلسطين التاريخية، سبق وأن أشرنا إليها في مقالنا السابق حول محرقة دوما، أو ما قلنا إنه ما اُتِّبع ما قبل النكبة وما بعدها، ولن يتم التوقف عنه حتى تُنجز، أي لا يمكن إيقافه إلا بدحر الاحتلال، والذي لن يُدحر إلا بهزيمة المشروع الصهيوني برمته، أي بتحرير كامل فلسطين من نهرها إلى بحرها.
“حل الدولتين” هنا، هو “دولة إسرائيل” و”دولة يهودا”، الأولى في المغتصب من فلسطين في العام 1948 والثانية في الضفة الغربية المغتصبة في العام 1967، وفق دعوات الداعين إليه، وأحدثها واحدة لكبير المعلقين في القناة التلفازية الصهيونية الثانية، امنون ابراموفيتش، الذي استلهم بدوره ذات السند العقاري الرباني وانطلق منه، فقال في مقال له في “يديعوت أحرونوت”، إنه “بمفاهيم العقارات” يمكن اعتباره “فصلًا للشقق”، أما “بمفاهيم قومية” فـ”دولتان لشعبين، دولة إسرائيل ودولة يهودا”، وكانت ذات الصحيفة قد نشرت إعلانًا عن مسابقة لوضع نشيد قومي واختيار علم للدولة الثانية تضمَّنه مقال كتبه الحاخام شالوم دوف وولفا.
للتغطية على جريمة دوما والتنصل رسميًّا من تبعات رعايتها، أكثر الصهاينة من إدانتها، لكن دون أن يتم إلقاء القبض على مشتبه واحد باقترافها، واستغلوها بخبث لتضخيم مزعوم لأخطار تمرُّد “المستوطنين”، أو خطورة خروجهم عن نطاق القدرة على ضبطهم، بعد أن تجاوز عديدهم في الضفة مع القدس الشرقية الآن النصف مليونًا، وبالتالي ضرورة إيجاد حل لمشكلتهم، وكله مع توازٍ وتصاعد ممنهج لعربدتهم العدوانية، ما يعني تهيئة للقادم الذي هو إما الضم المباشر أو بـ”حل الدولتين” على طريقة ابراموفيتش، أي تمامًا كتكتيكات تصاعد الانتهاكات المبرمجة للحرم القدسي تهيئةً للخطوات المنتظرة، وهي اقتسامه ثم هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه!
لا حاجة للقول بأنه ما من فارق بين “شباب التلال” ومستعربي “الشاباك” وبينهما وجيش الاحتلال، ولا لإعادة التذكير بأن حكومة نتنياهو بقضها وقضيضها هي حكومة “مستوطنين”، لكنما لا بد من الإشارة إلى أن ما تعرف أوسلويًّا بـ”المنطقة ج”، أو التي ما زالت تحت السيطرة المباشرة للاحتلال، أو لم تُسلَّم شكليًّا للسلطة وفق اتفاقية أوسلو الكارثية، تعادل 61% من مساحة الضفة، وعدد المستعمرات المقطِّعة لأوصالها قد بلغ 176 مستعمرة يقطنها حتى العام الماضي 389285 مستعمرًا، أي ما يزيد عن أهلها العرب بما يقارب المئة ألف، وهنا نلفت إلى أنه بعد ضم شرق القدس ومحيطه إلى غربها، وتسميتها “القدس الكبرى”، وإعلانها عاصمةً أبدية للكيان الصهيوني، لم يعد يحتسب هذا الذي ضم، والبالغ ما بقي من أهله 397 ألفًا، من مساحة الضفة، وبات مطوَّقًا بأحزمة من الأحياء التهويدية من كافة الاتجاهات، ويعيش فيها، حتى العام الماضي، 200 ألف مستعمر.
ما تقدم يظهر فداحة ما أتاحته الكارثة الأوسلوية على مدى ثلاثة وعشرين عامًا من تغطية وزمن منشودين لعملية تهويد الضفة، أو إعداد للبنى الأساس لإعلان حل ابراموفيتش كخطوة مرحلية تسبق لاحقتها الاستراتيجية، أن يحين أوانها، أي “الترانسفير”، أو تطبيق أكذوبتهم الشهيرة “أرض بلا شعب لشعب بلا وطن”… يضاف إليه أنها أتاحت لمن أراد التنصل من مسؤوليته القومية من عرب الانحدار تجاه قضية قضايا الأمة في فلسطين الذريعة المنشودة لنفض يده منها، وصولًا إلى ما نشهده من تراجعها في سلَّم أولويات مريع راهننا العربي…. واللافت أنه يتزامن مع تخلي “الأنروا” المفاجئ عن التزاماتها البخسة تجاه اللاجئين الفلسطينيين، أو ما لا يمكن فهمه إلا تنصلًا أمميًّا من المسؤولية تجاههم، وبالتالي بوادر استهداف لحق العودة، الذي هو جوهر القضية الفلسطينية… وتزامن هذان، مع زيادة وتائر التنسيق الأمني الأوسلوي مع الاحتلال وتناسبه طردًا مع ازدياد منسوب الغضب الشعبي إثر جريمة دوما، وفي سياق تعاون طرفيه للحؤول دون اندلاع الانتفاضة الثالثة… هذه التي لم تعد شكلًا إعجازيًّا من أشكال المقاومة فحسب، وإنما حاجة وجود وضرورة بقاء…



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 51 / 2165351

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165351 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010