الجمعة 31 تموز (يوليو) 2015

وَلَد محاصر

الجمعة 31 تموز (يوليو) 2015 par د.احمد جميل عزم

ظَنَّ أبو علاء، وهو الذي عمل لدى عودته إلى فلسطين بعد “أوسلو” مديراً عاماً لوزارة الداخلية الفلسطينية، أنّه بجعل أبنائه يخوضون غمار الاعتماد على ذاتهم، يكون قد حصّنهم. عانت العائلة وضعاً مالياً صعباً قليلاً في البداية، فعثر الأبناء على أعمال صغيرة، بما فيها بائع متجول. وبينما الأب مطارد أثناء “انتفاضة الأقصى”، ويتعرض لمحاولة اغتيال بالطائرة، كان الأبناء بتشجيع أمهم يحترفون تنظيف أدراج بنايات رام الله.
تطور في العقود الأخيرة ما يعرف باسم “الدراسات النسوية” (Feminism)، للتعبير عن مناهج كتابة وبحث تعنى بدراسة الظواهر من زاوية ووجهة نظر المرأة.
أرادت المرأة تحديد كيف تتأثر وترى الصراع؛ يذهب الرجل للحرب ولا تبقى هي في البيت، بل تتحمل وزر العائلة وتقوم بدوري الرجل والمرأة، وتتعرض هي والأطفال لأخطار ومصاعب جمّة. ولو أُخذ رأيهم في الصراع وصناعة القرار، فلربما تغيرت اتجاهات الأحداث. ولذلك، نشأت مناهج الـ“فمنزم” في العلاقات الدولية وغير هذا.
ينتبه الرجل أحياناً للأمر. وعلى سبيل المثال، هناك قصة (أحتاج لتوثق أكبر لها) تقول إنّ الفلسطيني عوض النابلسي، وكان من ثوار الثلاثينيات، كتب قصيدة قبيل إعدامه على يد البريطانيين، يتحسر فيها لعدم تركه شيئا لأولاده، وحتى مصاغ زوجته الذهبي باعه ليشتري بندقية. فكتب أبياتاً تقول:
"تظن دمعي خوف، دمعي عأوطاني
عكمشة زغاليل بالبيت جوعاني
مين رح يطعمها من بعدي،
وإخواني اثنين قبلي عالمشنقة راحوا
وأم أولادي تقضي نهارها
ويلها عليَّ وويلها عصغارها
يا ريت خليت في إيدها سوارها".
تتولى المرأة في “الفمنزم” الحديث عن نفسها بصوتها. وهذا يبدو غير ممكن بالنسبة للطفل.
قبل أيام، صدر كتاب جديد عنوانه “المراهقة، سيف، شابٌ تعثر ثم نهض”، كَتَبَهُ الصديق والمناضل، وأحد قادة الكفاح المسلح والعمل السري والمقاومة الشعبية في فلسطين منذ مطلع السبعينيات، محمد يوسف (أبو علاء منصور).
يروي الكتاب بمنهجية فريدة، قصة ابنه سيف الذي واجه مرحلة مراهقة حادة قبل نحو عشر سنوات، تضمنت فشله في الدراسة ورسوبه، والهرب المتكرر من المنزل، بما في ذلك الهرب للأردن. وتقوم منهجية الكتاب على رواية أبي علاء القصة كما شاهدها. ثم يوثقها بصوت سيف الذي تجاوز عثرته وهو الآن مُحامٍ وشاب واعد، كما أشقاؤه؛ ثم بصوت أصدقاء الأب الذين عايشوا المشكلة، ومنهم أطباء نفسيون، ثم بصوت ورؤية أصدقاء سيف.
يتميز الكتاب بمنهجيته، ومنحه للطفل (المراهق) صوته. إلا أنّ أبا علاء اهتم بالبعد التربوي في العلاقة مع ابنه، وهو ما اهتم به عبدالفتاح القلقيلي (أبو نائل)، أحد مقاتلي الثورة المخضرمين والمثقفين، والذي كتب مقدمة للكتاب، يقارنه بكتاب “إميل” لمؤلفه جان جاك روسو عن التربية. ولكني أتوقف أيضاً عند مجتمع ونفسيّة الطفل في ظل الصراع.
اشترى سيف أقلام رصاص ليبيعها لزملائه ليساعد والديه ماليا. عاش وإخوته تجارب عديدة. أخوه علاء، مثلا، درس في مدرسة قرية دير دبوان البعيدة عن رام الله. وعندما اشتدت المواجهات والقصف الإسرائيلي في الانتفاضة، ورفض محاولات مارة وعائلات في الشوارع والقرى بين القرية والمدينة لاستضافته، ووصل البيت سيرا على الأقدام محاذيا مستوطنات. واصطحب أبو علاء، سيف معه مرة أثناء مطاردته، مع مروان البرغوثي، ونام في الملاجئ السرية، وحضر اجتماعاً سرياً بين قيادة الانتفاضة وياسر عرفات في بيت سري، وهناك قبّله أبو عمار وتحدث معه.
رغم كل هذا، وبعد أن كان متفوقاً في الدراسة، بدأت رحلة الفشل والرسوب، والتفكير بترك التعليم. وتتحول العلاقة مع الأب لمجموعة خلافات. ما لا يبدو أنّ المجتمع أدركه تماماً هو أثر مجموعة تجارب عاشها الطفل/ المراهق، منها استشهاد صديقه المقرب، ومشيه في جنازته، وهو مكشوف الوجه. لم يعرفوا كيف كان سيف يهرب من المدرسة لمناجاة صديقه في قبره ساعات طوال.
ربما قسا الأب على نفسه والعائلة وهو ينشد نجاحهم العلمي والمهني، والقسوة ليس لأنه أراد التغلب على الظروف السياسية والوطنية وتحقيق نجاح حياتي، فهذا جزء من النضال، ولكن ربما لأنّه لم يتم إدراك البعد النفسي والعاطفي للصراع على الطفل. ومن هنا تأتي أهمية الكتاب؛ بإعطاء الطفل مساحة لإسماع صوته، وفهم حالته النفسية في ظل الصراع.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 105 / 2180692

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2180692 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40