الجمعة 31 تموز (يوليو) 2015

آثار متوقعة للاتفاق النووي

الجمعة 31 تموز (يوليو) 2015 par رغيد الصلح

انهمك المعنيون بأوضاع المنطقتين العربية والشرق أوسطية خلال الأيام الفائتة بمراقبة المضاعفات الإقليمية للاتفاق بين إيران والولايات المتحدة. ومن المستطاع تلمس هذه المضاعفات على الصعيدين التاليين: الأول، هو آثار الاتفاق على العلاقات الأمريكية - الإيرانية عموماً وعلى إيران خصوصاً كدولة إقليمية مهمة ومجاورة للوطن العربي، والثاني هو أثر الاتفاق على المصالح الاستراتيجية العربية.
على الصعيد الأول فإن التحسن في العلاقات الأمريكية - الإيرانية سوف تكون له انعكاسات مهمة على دور كل من الدولتين على الصعيدين الدولي والإقليمي. فالاتفاق الذي يخفف من التوترات الشرق أوسطية ويسمح بالتالي للولايات المتحدة بتوظيف المزيد من الطاقات في احتواء الصين في منطقة المحيط الهادئ، وروسيا في المنطقة الأوراسية. الشق الأول من هذه المعادلة يفيد الإيرانيين والعرب. ذلك أن التوترات الدولية والإقليمية تمنح الأطراف المعنية بعض الأعذار، ولو الواهية وغير المشروعة، للتصرفات والسياسات المغايرة للشرعية الدولية. فهذه التوترات تستخدم كأعذار ومسوغات لتدخل الدول الكبرى والقوية في شؤون الدول الصغيرة التي تعجز عن حماية استقلالها في الأوضاع الدولية الساخنة. كما أن هذه التوترات تستخدم أحياناً من قبل الحكومات للتضييق على الحريات العامة بحجة حماية هذا البلد أو ذاك من تدخل الدول الكبرى ضد استقلال الدول المتوسطة والصغيرة. من هذه الناحية فإن الاتفاق يسحب من التداول المبررات التي تستخدم ضد استقلال بلدان المنطقة، وكذلك المسوغات للنيل من حرية شعوبها.
يبقى الشق الثاني من المعادلة والمتعلق بإعطاء الولايات المتحدة فرصة أكبر للتركيز على احتواء الصين وروسيا، فهو لا يفيد المجتمع الدولي ولا يخدم سوى أغراض قوى الهيمنة الدولية. وما يحققه العرب والإيرانيون عبر التخفيف من الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في المنطقة يخسرونه عبر توسيع رقعة التدخل الأمريكي على الصعيد العالمي. ولكن تبقى فوائد الاتفاق هنا أكبر من ثغراته لأن الصين وروسيا أقدر من دول الشرق الأوسط، في الظرف الراهن وللأسف، على حماية استقلالها ومصالحها الوطنية.
على الصعيد الأول أيضاً، وخاصة فيما يتعلق بأثر الاتفاق على أوضاع إيران فإن الاتفاق الذي يفتح الباب أمام تحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في إيران خلال مدة زمنية قصيرة سوف يسمح لها بأن تعزز دورها الإقليمي، وأن تتجه إلى حصد ثمار الجهود التي بذلتها سابقاً في هذا المضمار.
ويتوقع البعض أيضاً أن ينسحب هذا التغيير على الصراع العربي «الإسرائيلي». فإيران الخارجة من العزلة الدولية والتي تستعد لاستقبال المليارات من الدولارات سوف تكون قادرة على تقديم دعم أكبر وأوسع، إذا شاءت، للفلسطينيين. فحتى الآن، قدمت إيران مساعدات مفيدة إلى الجماعات المناهضة ل«إسرائيل»: حولت سفارة «إسرائيل» في طهران إلى مقر للقيادة الفلسطينية، دعمت حماس وحزب الله، دأبت على تنظيم يوم القدس السنوي، تبنت شعار الموت ل «إسرائيل» وغير ذلك من أشكال الدعم المالي والمساندة السياسية ضد «الإسرائيليين». ولكن كل ذلك بقي في إطار محدود بمعنى أن إيران لم تؤثر تأثيراً ملموساً على موازين القوى الاستراتيجية في المنطقة. فهل يسمح الاتفاق لإيران بالاضطلاع بهذا الدور مستقبلاً؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن ننتقل إلى أثر الاتفاق على الصراع العربي - «الإسرائيلي»، وعلى أثر الاتفاق على الأطراف العربية التي بقيت، رغم كل السلبيات والعثرات، القوة الرئيسية التي قاومت المشروع الاستيطاني الصهيوني.
على هذا الصعيد الثاني، توجه الرئيس باراك أوباما إلى «الإسرائيليين» لكي يؤكد لهم في مقابلة نشرتها «النيويورك تايمز» إبان التفاوض مع إيران أنه لا يقف عند تعهده والتزامه بالحفاظ على تفوق «إسرائيل» العسكري النوعي على مجموع الدول العربية فحسب، وإنما يؤكد لهم أنه إذا هوجم بلدهم فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبه ضد الدول المعتدية بما في ذلك إيران. وبعد الاتفاق مع إيران ذهب أوباما بعيداً في التأكيد على دقة التزامه بهذا الموقف. فلقد أرسل وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر لكي يبلغ «الإسرائيليين» باستعداد واشنطن لرفع قيمة المساعدات الأمريكية من ثلاثة مليارات دولار سنوياً إلى 4,5 مليار دولار، وزيادة عدد طائرات إف-35 المقرر بيعها إلى «إسرائيل» من سربين إلى ثلاثة أسراب. كذلك تشمل لائحة التنازلات التي حملها كارتر تعويض «إسرائيل» عن كل ما خسرته من ذخائر في حربها الأخيرة ضد غزة، وعرضاً بتقديم المزيد من الدعم للبحوث والصناعات العسكرية «الإسرائيلية» في مجال الدفاع الصاروخي.
هذا في المجال العسكري، أما في المجال السياسي فإن إدارة أوباما بادرت سلفاً إلى التحرك الذي تقوده مصر من أجل تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. كذلك تتضمن سلة العروض الأمريكية إلى «إسرائيل» تقديم إدارة أوباما عرضاً بالتخفيف من معارضة استمرار الاحتلال «الإسرائيلي» للجولان، وتهجير سكان قرية خربة سوسيا الفلسطينية، وبالعمل على منع محكمة الجنايات الدولية من إصدار أي حكم ضد «إسرائيل» بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين، والتجاوب مع التحرك الذي يقوم به عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي بقصد إصدار تشريعات تحرم مقاطعة الشركات «الإسرائيلية». علاوة على ذلك، فقد بات من المقرر أن تفرج السلطات الأمريكية عن الجاسوس بولارد الذي كان يسلم «الإسرائيليين» وثائق مهمة تخدم صراعهم ضد الدول العربية.
ما ذكرناه أعلاه هو مجرد عرض سريع وسردي لأبرز العروض والإغراءات التي تقدمها إدارة أوباما إلى حكومة نتنياهو لقاء تخليها عن موقفها المعارض للاتفاق الأمريكي - الإيراني. فهل تتمسك حكومة نتنياهو بموقفها المعارض للاتفاق وترفض كل هذه العروض المغرية؟ هل يعني ذلك أن الاتفاق يهدد «إسرائيل» بالفعل؟ إن نتائج الاستطلاعات التي أجريت في «إسرائيل» وبين اليهود الأمريكيين بقصد الوقوف على آراء المستفتين في الاتفاق الأمريكي - الإيراني تدل على أن 59% من المستفتين يميلون، خلافاً لرأي نتنياهو، إلى تأييده. الاستنتاج هنا هو أن هؤلاء لا يرون خطراً وجودياً يهدد «إسرائيل» في الاتفاق. وهؤلاء على حق لأن العقبة الرئيسية التي تعترض المشروع الصهيوني حتى هذا التاريخ هي الموقف العربي من هذا المشروع وليس طموحات الهيمنة والتوسع التي تحفز التدخل الإيراني في المنطقة العربية.
وحيث إن الاتفاق الأمريكي الإيراني يوفر فرصة ل «إسرائيل» لإبتزاز إدارة أوباما وانتزاع أقصى التنازلات منها فمن الأرجح أن يستمر نتنياهو في تصعيده الحملة ضد الاتفاق حتى اللحظات الأخيرة من المهلة المعطاة للكونغرس الأمريكي للبت فيه والتي لا تتجاوز بضعة أسابيع. وحيث إن هذه التنازلات لن تهدد أمن الولايات المتحدة بل أمن الدول العربية واستقرارها وسيادتها، فإن إدارة أوباما لن تمانع في نهاية المطاف في الاستجابة إلى المطالب «الإسرائيلية».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165629

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165629 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010