الجمعة 20 آب (أغسطس) 2010

«إسرائيل» تتحدى العالم

الجمعة 20 آب (أغسطس) 2010 par الياس سحاب

لا أستطيع أن أفهم، ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يفسر لي ويقنعني، كيف يعول الفلسطينيون والعرب على المفاوضات المباشرة مع «إسرائيل»، عندما تبدأ قبل قيامها بهذا القدر غير المحتمل من العنجهية «الإسرائيلية»، ومن التحدي «الإسرائيلي» المسبق لكل عناصر القانون الدولي؟ إذا كانت هذه هي مقدمات البداية قبل أن تبدأ المفاوضات المباشرة، فما عساها تكون النهاية، بعد أن تنتهي هذه المفاوضات؟

قبل ذلك، بدأ الخلل مع المفاوضات غير المباشرة . ففيما كانت حكومة نتنياهو تواصل باجتهاد كبير عملية تهويد ما تبقى من أرض فلسطين، المستمرة على يد الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة منذ أربعين سنة ونيف، اندفعت الحكومة «الإسرائيلية» إلى جر «السلطة الفلسطينية» بالقوة إلى مفاوضات غير مباشرة، دائماً برعاية المبعوث الشخصي للرئيس الأمريكي.

ومنذ البداية لم يكن أمام «السلطة الفلسطينية» سوى توقع الفشل المسبق لهذه المفاوضات. لكن، بما أن القدرة الفلسطينية أو العربية على ضمان النجاح في المفاوضات هي قدرة غير موجودة أصلاً، فلم يعد نجاح المفاوضات هو الهدف بل التنصل المسبق من الفشل المؤكد. وهكذا رأينا عملية تبادل لكرة المفاوضات غير المباشرة بين الجامعة العربية من جهة، و«السلطة الفلسطينية» من جهة، في لعبة ضمن خلالها كل طرف ما يمكّنه، بعد الفشل المؤكد سلفاً، من التنصل من المسؤولية.

ولما انتهت المفاوضات غير المباشرة بنتيجتها الطبيعية المتوقعة : الفشل، سارعت حكومة نتنياهو، والراعي الأمريكي، لجر العرب والفلسطينيين مرة أخرى، إلى المفاوضات المباشرة، سعياً وراء التصفية السياسية لقضية فلسطين، بعد تصفيتها عملياً بتهويد ما تبقى من الأرض (بما في ذلك القدس).

مرة أخرى، لم يفكر العرب والفلسطينيون لحظة واحدة باتخاذ موقف شجاع يرفض مفاوضات ليس فيها أي عنصر من عناصر النجاح المحتمل. وعدنا مرة أخرى إلى لعبة تبادل كرة المسؤولية، بين الجامعة العربية و«السلطة الفلسطينية».

ولما رأت «السلطة الفلسطينية» نفسها محشورة في الزاوية، بعد أن ردت إليها الجامعة العربية الكرة، وتركت لها وعليها مسؤولية قرار الذهاب إلى المفاوضات المباشرة وتوقيته، راحت تتوسل أي وسيلة لاكتساب ولو ورقة توت تستر به عورتها، قبل الذهاب القسري إلى المفاوضات المباشرة. فبادرت إلى طلب وثيقة من الرباعية الدولية تتضمن أساسيات الحل النهائي ومواعيده، وتكون مرجعاً للمفاوضات، في حالي الفشل أو النجاح.

ومع أن الرباعية الدولية مكونة من الولايات المتحدة نفسها وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بجلالة قدرها، فإن «إسرائيل» أعلنت صراحة رفض هذه الوثيقة قبل صدورها، معتبرة إياها شروطاً فلسطينية مرفوضة سلفاً. وطالبت، بدلاً عنها، بوثيقة أمريكية منفردة تتضمن الذهاب إلى المفاوضات من غير شروط مسبقة.

هذا التعنت «الإسرائيلي» ليس جديداً، فهو حصيلة الدلع الدولي المستمر للكيان منذ تأسيسها، وهو دلع محمي ومدعوم مادياً ومعنوياً بالمساندة الأمريكية المطلقة.

أما العرب، وأما الفلسطينييون، فلا يبدو منهم، حتى إشعار آخر، سوى مواصلة مسلسل الرضوخ الممل والمزري، بالذهاب قسراً إلى المفاوضات المباشرة، حتى لو كان فشلها أمراً مؤكداً، قبل انقضائها، بحكم تصرفات «إسرائيل» الفائقة الوضوح.

ولكن لماذا تتخلى «إسرائيل» عن عنجهيتها، ما دام العرب والفلسطينيون يذهبون إلى جولات المفاوضات غير المباشرة والمباشرة قسراً، بعد كل جولة من العنجهية «الإسرائيلية»، وما دام المجتمع الدولي، متمثلاً بدولة ألمانيا (إحدى أكبر دول الاتحاد الأوروبي)، لا يحتمل مرور أكثر من يوم واحد بعد تحويل عميل (الموساد) «الإسرائيلي» إليها من بولونيا، لإصدار حكم سريع بالإفراج عنه، بعد أن لطّخ سمعة ألمانيا بوحل الجواز الألماني المزور المستخدم في عملية اغتيال المبحوح؟

لكن للبشاعة في هذا الموقف درجات، فليس أبشع من العنجهية «الإسرائيلية»، سوى التخاذل الدولي المتواصل، وليس أبشع من الاثنين سوى الاستسلام العربي بلا حدود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010