الأحد 19 تموز (يوليو) 2015

وأخيراً وُقِّعَ الاتفاق النووي......و نظرة في التاريخ العربي والإسلامي

الأحد 19 تموز (يوليو) 2015 par منير شفيق

شكل مجيء الشيخ الدكتور حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية نقطة فارقة بالنسبة إلى إدارة أوباما، لتفتح الملف النووي الذي كان مغلقاً بإحكام.

من يعرف الإدارة الأمريكية، وما تحمله من عداء الشديد للنظام الثوري الذي أسّسه الإمام الخميني رحمة الله عليه، وما بذلته أمريكا من جهود وسياسات لتقويضه، على مختلف المستويات، يُدرك أن ثمة كيداً، أو هدفاً، ملغوماً وراء فتح الملف النووي والاستعداد للتوصل إلى اتفاق لا بدّ من أن يتضمن رفعاً للعقوبات المالية والاقتصادية عن إيران، وهو ما يمثل هدفاً رئيساً لإيران من وراء القبول بفتح ملف المفاوضات حول برنامجها النووي. طبعاً ليس من دون ثمن وشروط مقابلة تُنتَزع مقابل رفع تلك العقوبات. ولكن هذه الأخيرة ستخضع لخطوط حمراء صارمة وضعها المرشد الأعلى السيد الإمام الخامنئي. مما يجعل عملية المفاوضات عسيرة وشاقة وطويلة الأمد. ومن ثم لا تسمح بألاّ تكون كفة إيران راجحة على مستوى بنود الاتفاق نفسه إذا ما عُقِد.

وهذا الذي حصل فعلاً في ما حمله الاتفاق من محتويات، وفي ما سبق ودفع من معارك قاسية في المفاوضات حول كل بند من بنوده، وصولاً إلى التدقيق في قراءة مسوّدته قبيل التوقيع عليه. وكان من الممكن أن تطول المفاوضات أكثر حتى بعد يوم 14/7/2015، الموافق 27 رمضان 1436هـ وهو اليوم الذي وُقّع فيه على الاتفاق.

وخلاصة، ولندع جانباً تصريح محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران “بأن الكل خرج رابحاً في هذا الاتفاق”، فإن إيران هي الرابح الأول على مستوى الاتفاق نفسه. لأن الملموس المباشر والسريع يتمثل في رفع العقوبات المالية والاقتصادية فيما المقابل يظل تحت السقف الذي حدّدته إيران في ما يتعلق بالتخصيب النووي للأغراض السلمية والعلمية والبحثية. وإذا كان ثمة ما يُقال بالنسبة إلى ما فرض من مراقبة وتفتيش فهو خاضع للتطبيق والمستقبل والعض على الأصابع.

ولهذا فإن أوباما وإدارته يراهنان على الهدف الكامن من وراء فتحهما للملف النووي ورغبتهما في إنجاح المفاوضات، والتوصل إلى الاتفاق، ولو بخسارة، على مستوى الاتفاق نفسه في مصلحة إيران، كما أُشيرَ إليه أعلاه. أما ذلك الهدف فهو مفاعيل هذا الاتفاق على الداخل الإيراني نفسه، ويُراد منها مواصلة عملية التآمر ضدّ النظام الذي أرساه الإمام الخميني وثبّته بدقة عالية، وقدرة ظاهرة، الإمام الخامنئي. فإدارة أوباما وأوباما يريدان من هذا الاتفاق أن يفعل في الداخل الإيراني ما فعلته زيارة نيكسون للصين، أو ما فعله الانفتاح على غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي. وهذه النقطة تناولتها، بشكل أو بآخر، تعليقات وتحليلات، بصورة مباشرة وغير مباشرة، ولو بصورة محدودة وخجولة في أكثر الأحيان. وذلك لأنه رهان غير مضمون النجاح، إن لم يكن الفشل فيه هو الغالب عليه. ولكن لا بدّ من أن ترفع اليقظة داخل إيران من الكيد الأمريكي الذي وراء توقيع الاتفاق.

هنا لا بدّ من أن يلحظ الفارق بين قوّة أمريكا وتماسكها الداخلي ورسوخ استراتيجيتها وأولوياتها في الحالات المشار إليها مع الصين والاتحاد السوفياتي من جهة وبين ضعفها وتفككها الداخلي (على الأقل بين الرئاسة والكونغرس) وارتباك استراتيجيتها وأولوياتها في الوضع الراهن من جهة أخرى.

فهل هنالك ما أشدّ دلالة من وقوف إيران، وهي في الأساس من دول العالم الثالث، في المفاوضات، نداً بند مقابل خمسة+ واحد، وذلك بالرغم من أن روسيا والصين كانتا إلى جانبها، وبالرغم من انحسار سطوة أمريكا وأوروبا عن النظام العالمي. ولكن مع ذلك فهو مشهد له دلالته ومغزاه في ما يتعلق بما آلت إليه موازين القوى بين أمس واليوم.

بل أن إيران واجهت أمريكا وأوروبا في النقطة الأقوى الباقية عندهما على مستوى موازين القوى ألا وهي المقاطعة الاقتصادية والسيطرة المالية. وهو ما ترجمه الاتفاق في بنوده المتعلقة برفع المقاطعة الاقتصادية والحصار المالي مع أولى خطوات تنفيذ الاتفاق. وهي سابقة إذا ما تكرّرت على المستوى الدولي، أي كسر سلاح المقاطعة الاقتصادية والحصار المالي، فستكون تعزيزاً هاماً لما حدث من خلل في ميزان القوى العسكري والسياسي في غير مصلحة أمريكا. طبعاً مع تحييد القدرة النووية التدميرية من جهة وغلبة العجز العسكري عن الاحتلال وتثبيت السيطرة كما النفوذ السياسي من جهة ثانية.

وبالمناسبة، ثمة جانب في هذا الاتفاق بعد أن عُقِدَ، هو انعكاسه على زيادة عزلة الموقف الصهيوني دولياً، إذ انفرد نتنياهو وحده من بين كل دول العالم، في الهجوم على الاتفاق وما خلع عليه من أوصاف وإبداء من مخاوف. وهذه نقطة إيجابية في مصلحة الاتفاق والإنجاز الإيراني من ورائه.

على أن السؤال الكبير والخلافي يتمثل في قراءة نتائجه على مستقبل العلاقات الإيرانية بكل من أمريكا وأوروبا كما على مستقبل الأوضاع في البلدان التي تلتهب فيها الصراعات وفي مقدمها سورية.

ثمة اتجاه عام ينظر إلى أن الاتفاق سيفتح الطريق لتفاهم إيراني- أمريكي – أوروبي على مختلف القضايا التي كانت موضع صراع حاد وتناقضات عاصفة. وقد يذهب هذا الاتجاه إما إلى تصوّر تشكّل محاور جديدة وإما إلى دخول الصراعات الملتهبة أو بعضها أو أكثر في طريق المساومات والحل.

إن هذا الاتجاه يخطئ في تقويم طبيعة التناقض بين أمريكا والنظام الذي أسّسه الخميني وثبّته الخامنئي، ولا سيما في ما يتعلق بالموقف من الكيان الصهيوني، أو الموقف من سياسات “الشيطان الأكبر” (الاستكبارية في العالم كله)، كما يُغفل هذا الاتجاه ما ستمارسه أمريكا من تآمر في الداخل الإيراني بعد الاتفاق.

هذا الاتجاه لا يلحظ ما دار من صراعات مع إيران داخل المفاوضات نفسها وما هي الشروط التي كان يريد المفاوض الأمريكي – الأوروبي فرضها على الاتفاق وتراجع عنها مؤقتاً من أجل الاتفاق. مما يدل على أن تطبيقه سيكون نقطة صراع مستمرة ولن يمضي سهلاً ميسّراً. ثم هو لا يلحظ أن المفاوضات انحصرت بالبرنامج النووي ولم تتطرق إلى القضايا الخلافية الكبرى، والتي ما زالت خلافية، بل وتفجيرية، أيضاً، لاحقاً بين إيران الخامنئي وأمريكا أوباما، وما بعد أوباما بالتأكيد. وهذه النقطة يجب أن تُحصر في التقدير للموقف، بعيداً من أمانيّ البعض أو تغليب الرغبات.

فما قبل الاتفاق سيستمر بعده، بل سيتفاقم ما لم يجد حلاً داخلياً – عربياً – إيرانياً- تركياً.

- نظرة في التاريخ العربي والإسلامي

ثمة نظرية تستند إلى التاريخ وتنطحه. ولكنها لا تشعر كما يشعر الوعل حين ينطح صخرا. وقد وصفه الشاعر قائلا “كَنَاطِحٍ صَخرَة يَوْما ليوهنها/ فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ” فهي تقدّم نفسها كمسلمة تاريخية. ولكنها، بالتأكيد ليست كذلك.

تلك النظرية يتبناها بعض القوميين العلمانيين، تقول: “إن العرب، بما يزيد على ألف ومائتي سنة، كانوا تحت وصاية غيرهم من الأقوام التي حكمتهم. فلم يحققوا ذاتهم، ولم يصنعوا تاريخهم. بل كانوا خارج التاريخ”؟ وهنا يشار إلى عهود حَكَمَهم فيها البويهيون والسلاجقة والطولونيون والأيوبيون والمماليك والألبان والزنج والعثمانيون وغيرهم.

هذه النظرية تتأسّس على رؤية تستند إلى المفهوم الغربي الحداثي للقومية وللعلاقات بين الأقوام. ومن ثم فهي رؤية للتاريخ لعربي الإسلامي من الخارج تتسّم بالجزئية والسطحية. ولم تتعمّق في فهم العلاقة بين الأمّة العربية والإسلام كما بين الأقوام الإسلامية التي دخلت دار الإسلام من خلال الفتوحات العربية والإسلامية.

قبل الدخول في الرد التفصيلي/الموجز على هذه النظرية يمكن أن تُرمى في وجهها الحقيقة الواقعية التالية: إذا كان هذا التاريخ الممتد منذ ألف ومائتي سنة قد همّش العرب وأخرجهم من التاريخ فكيف تشكلت هذه الأمّة العربية الممتدة على رقعة من الأرض من المحيط إلى الخليج، وعلى التحديد عبر ذلك التاريخ. وكانت تلك الرقعة من الأرض من قبل، في أغلبها، تتشكل من عدّة أقوام ولغات وأعراق وثقافات وحضارات. الأمر الذي يعني أن تلك الرقعة من الأرض كانت البوتقة التي تشكلت فيها الأمّة العربية الراهنة. فهي ليست عرقية منحدرة من عدنان وقحطان فحسب وإنما هي اختلاط جماع تلك الأقوام واللغات والثقافات والحضارات عبر عملية تاريخية طويلة كان العامل الأساسي فيها حمل العرب لرسالة الإسلام وانتشار العربية. بل اسهم في تشكلها أمّة عربية من المحيط إلى الخليج عدد من العهود التي كان حكامها من غير اصول عربية. ولكنهم اعتبروا تلك الدار (المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج) وما حولها دارهم ولغة القرآن لغتهم وبنوا مجتمعين ما يمكن تسميته بالحضارة العربية الإسلامية. ولهذا تفصيل لاحق.

فالأمّة العربية ليست أمّة مشكّلة من عرق واحد. وقد جعلها الإسلام أمّة منفتحة يمكن لكل من يسكن الدار الممتدة من المحيط إلى الخليج أن يدخل فيها ويصبح جزءا منها وحتى وهو حاكمها. وقد جاء من أقوام آخرين. ومن ثم لا يمكن أن يُفهم تاريخ العرب ما لم تفهم طبيعة العلاقة التي قامت بين العرب والإسلام كما بين العرب والأقوام التي أسلمت، أو في ما بين رابطة الإسلام والعلاقات بين الأمم والشعوب الإسلامية أو المسلمة، ولا سيما مع الترك والفرس.

وهنا يمكن أن نفرق ضمن هذه الرابطة العامة في ما بين ثلاث حالات من الذي حكموا في البلاد العربية عبر تلك المرحلة التاريخية. وقد حملت كل حالة سمات خاصة ضمن السمة العامة – رابطة الإسلام.
الحالة الأولى والأهم في تشكّل الأمّة العربية الراهنة هي حالة الشعوب التي كانت تسكن المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج وإلى جانبها الحكام والأقوام من غير الأصول العربية وقد توطنوا في تلك المنطقة وقطعوا، أو انقطعت، علاقتهم بمواطنهم وشعوبهم الأصلية مثل حالة المماليك، أو الفرق العسكرية الإنكشارية كحالة محمد علي الكبير الألباني في مصر.

فبعض هؤلاء الذين حكموا جاء بهم الحكام العرب ليكونوا جندا للدولة كالمماليك، ثم تمكنوا من أن يصبحوا حكام البلاد. أما الحالة الثانية فتتشكل ممن حافظوا على تماسكهم ولغتهم مثل الأمازيغ والكرد فقد اعتنقوا الإسلام، وأصبحوا جزءا من دار الإسلام العربية، شأنهم شأن العرب القحطانيين والعدنانيين، وبعضهم وصل إلى القيادة على مستوى الفقه والعلم والثقافة (الشعر والأدب) وإلى الحكم. ولم يُعتبروا قوما غرباء. ولم تقم بينهم وبين قوم العرب ما يُعرف بالنزاع العرقي أو الإثني لا من جانبهم ولا من جانب العرب. أما ما كان يقوم من نزاعات وصراعات فلا علاقة له بلغة أو عرق وإنما كانت تتعلق بالظلم والإجحاف من جانب الحاكم. بل كان الحاكم الذي يذود عن البلاد ضدّ الغزاة الأجانب محط حب الجماهير باعتباره واحدا من الأمّة. وهو ما انطبق أيضا على حكام المماليك وما دار من صراعات في ظلهم.

فعلى مستوى العرب أكان على مستوى الناس أم العلماء أم النخب فلم ينظروا إلى حكم أي من المماليك أو الأمازيغ أو الكرد أو الزنج باعتبارهم محتلين غرباء. ولم يقيموا العلاقة بهم على أسس تعود لأصول عرقية أو قومية. ولم يتعاملوا مع أي عالم أو شاعر أو أديب انطلاقا من أصوله الإثنية أو الشعوب أو الأمم التي جاء منها. فأخوة الإسلام التي حملها العرب ولسان العرب كانا الغالبين في تلك العلاقات كما في الوعي والمشاعر: فمثلا لم يسأل أحد أبا حنيفة أو سيبويه أو أبا نواس من أين جاءوا. فهم من “صُنع” الكوفة والبصرة وبغداد. فهاهنا نشأوا وتثقفوا وترعرعوا وعلموا وأبدعوا وأسهموا في الثقافة والحضارة العربية أو في عالم الفقه.

والحاكم المملوكي، وعلى مدى مئات السنين انتسب إلى الأرض العربية وللدولة العربية الإسلامية التي حكمها. وكان يذود الأعداء عنها باعتبارها بلده وشعبها شعبه وهو جزء من أمتّها. بل هو مملوك دولتها التي يحكمها. ومن ثم لا يمكن إلاّ أن يُعتبر جزءا عضويا أصيلا من أمّة العرب ومن التاريخ العربي الإسلامي. ولعل من الخفة اعتباره أجنبيا حكم العرب. هذا ويدخل المسيحيون العرب في هذه الحالة سواء من كانوا من أصول عربية أم غير عربية فقد حافظوا على دينهم وطقوسهم. وكانوا جزءا من أمّة العرب ومن الحضارة العربية الإسلامية التي أسهموا في ثقافتها ومختلف جوانب النهضة فيها.

وبكلمات أخرى في أي إطار أو مكان توضع معركة حطين التي قادها صلاح الدين الأيوبي. فهي وصلاح الدين وعهد الدولة الأيوبية جزء من تاريخ العرب ومن تاريخ الإسلام، ولا إشكال إذا اعتبره الكرد أيضا جزءا من تاريخهم. فصلاح الدين من إقليمي سورية ومصر العربيين ومعاركه ضدّ الفرنجة معارك العرب. فبأي منطق يؤرّخ قومي عربي لتاريخ العرب ويُخرج منه صلاح الدين باعتباره كردي الأصل، أو يُخرج العرب من ذلك التاريخ وهم كانوا لحمته وسداه.

وأن الأمر لكذلك بالنسبة إلى يوسف بن تشفين في المغرب مثلا فهو أمازيغي وعربي سواء بسواء ومثله الكثيرون من قادة وعلماء وأدباء. ولم يتحدث أحد عن تفريق إثني بين أمازيغ وعرب من قبل.

ثم ما القول في الملك قطز والظاهر بيبرس ومعركة عين جالوت على سبيل المثال، أيضا. فالأرض التي وقفا عليها ودافعا عنها وانتسبا إليها وذابا في شعبها بقرارهم وخيارهم وطبيعة وجودهم هي مصر العربية. فكيف يجوز لأحد أن يتحدث عن ذلك التاريخ إلاّ باعتباره تاريخا عربيا وتاريخا إسلاميا. ومن ثم لا يمكن أن ينسبه إلى تاريخ الشعوب التي انحدروا منها. وقد انقطعت كل صلة بينهم وبينها، أو بينهم وبين شعوبهم الأصلية منذ مئات السنين.

وهذا ما ينطبق أيضا على العلماء والشعراء والأدباء وغيرهم ممن ترجع أصولهم لغير العرب. ولكنهم توطنوا في الأرض العربية وأسهموا في تراثها وثقافتها وحضارتها الإسلامية بلسانها العربي وكانوا من نتاجها، حين ولدوا فيها أو وفدوا إلى عواصمها، في الفقه والأدب والشعر. فالعربية كانت لهم اللسان وأرضها كانت الموطن لهم فقد ترعرعوا وأبدعوا بين ظهراني العرب، أو في الأدق ترعرعوا وأبدعوا في البوتقة التي كوّنت الأمّة العربية بصورتها الراهنة.

ولأن الأمر كذلك دخل كل ما تقدّم في تلك البوتقة (البلاد) التي هم من أركانها كما عدنان وقحطان من أركانها. فمصر مثلا أصبحت عربية إسلامية في ظل الطولونيين الذين انحدروا من أصول تركية. فالعرب منذ أن حملوا رسالة الإسلام وبنوا أوّل دولة إسلامية. وقد اتسّعت وانضمت لها أعراق وأقوام كثيرة كانوا أمّة جاذبة مستوعبة لا تفرّق بين عربي وعجمي من سكانها ورعاياها كما اقتضى الإسلام. ولم تجعل الحكم حكرا للعرب فلا ترضى إلاّ بالحاكم العربي. ولم تكن نابذة لأحد من المنتسبين لدارها أكانوا في الأصل من أقوام أخرى أم تبعوا دينا آخر غير الإسلام.

ولهذا تشكّلت الأمّة العربية من المحيط إلى الخليج من الشعوب والأعراق والأديان والأفراد انصهروا في بوتقتها منفعلين وفاعلين. وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من تاريخها وحضارتها ومكوّناتها. فمن يتكلم على المماليك ويخرج بنظريات، مستندا إلى أصولهم، ليسأل: ماذا بقي من ألبانية محمد علي وأسرته أو من الأصول التركية للطولونيين أو الصقالبة الذين استقرّوا في هذه المنطقة.

أما الكرد والأمازيغ ممن حافظوا على وجودهم كشعوب فكانوا جزءا من دار الإسلام العربية. ولم يقم أي تناقض بينهم وبين العرب سواء أكان الحاكم منهم أم كان من أصل عربي أو تركي أو سواه. وما دعوات اليوم للانفصال أو التشكل في دول قومية إنما هي ابنة الحداثة والتغرّب. ولم تُعرَف طوال تاريخ امتدّ إلى أكثر من ألف وأربعماية عام.

ومن هنا لا يمكن أن يُقرأ تاريخ شعوب هذه المنطقة إلاّ من خلال فهم طبيعة العلاقة التي أقامها الإسلام داخل ما يُعرَف الآن بالبلاد العربية. وكذلك الحال بالنسبة إلى العلاقة التاريخية التي قامت بين العرب من جهة وبين الأمتين الفارسية والتركية في كل من تركيا وإيران وهي الحالة الثالثة. فهذا التاريخ يجب أن يُقرَأ أيضا ضمن الإطار الإسلامي في عهدي الدولة العثمانية والدولة الصفوية. كما في العهود السابقة بالنسبة إلى العلاقات في عهد الدولة العباسية وكل من شعوب إيران وبلاد آسيا الوسطى.

ولهذا كله تفصيل آخر غير المتعلق بالمنطقة من المحيط إلى الخليج والتي أصبحت تعرف بالبلاد العربية، موضوع هذه المقالة. ولكن يجب أن يلحظ أن في المنطقة العربية – التركية – الإيرانية ثلاثة أمم كبرى: الأمّة العربية والأمّة الإيرانية والأمّة التركية ضمن معادلة الأمّة الإسلامية التي يشكل الإسلام رابطها الأساسي فضلا عما عرفته العلاقات في ما بينها من روابط توحيدية وصراعات جيو-سياسية عبر التاريخ الممتد أربعة عشر قرنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2166058

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166058 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010