الأحد 19 تموز (يوليو) 2015

إسناد المعتقلين الإداريين .. واجب

الأحد 19 تموز (يوليو) 2015 par علي جرادات

ترفض «إسرائيل» منذ إنشائها ككيان استعماري استيطاني عنصري إقصائي الالتزام بأبسط قواعد القوانين الدولية والإنسانية، ومنها الخاصة بالأسرى. إذ عدا اعتقالها نحو مليون فلسطيني منذ 1948، منهم (850 ألفاً) بعد 1967، طبقت «إسرائيل» أسوأ سياسات الاعتقال الإداري في التاريخ المعاصر. وتكفي الإشارة إلى أنها احتجزت آلاف المعتقلين الإداريين في فترة الانتفاضة «الأولى»، (1987-1993)، بينما رفعت مرات التجديد التلقائي لأمر الاعتقال. وهذا وذاك لم تعرفه حتى أكثر الدول استبداداً وطغياناً، ناهيك عن نقل صلاحية إصدار أمر الاعتقال الإداري مما يسمى «قائد المنطقة الوسطى» في الضفة و«قائد المنطقة الجنوبية» في قطاع غزة إلى مسؤول «مخابرات المنطقة»، (قرية أو مخيم أو حي في مدينة). وكل ذلك في إطار إجراءات عسكرية-أمنية فاشية لم تستثنِ القتل و«تكسير العظام» وتفجير البيوت وحظر التجوال وتقطيع أوصال المدن والقرى والمخيمات....الخ، أملاً في إخماد نار الانتفاضة الشعبية، إنما دون جدوى.
بل حتى بعد خفوت نار تلك الانتفاضة ارتباطاً ب«أوسلو» ونشوء «السلطة الفلسطينية»، لم ينخفض عدد المعتقلين الإداريين، بل وزاد في الفترة بين (1994-2000)، عن نظيره في الفترة بين (1991-1993)، ما يعني أن «إسرائيل» لم تسعَ في «أوسلو» إلى إخماد نار الانتفاضة، فحسب، إنما إلى إطفاء جمرها المتبقي تحت رمادها، أيضاً. أما في فترة «الانتفاضة الثانية»، (2000-2004)، وتحديداً بعد الاجتياح الشامل للضفة في إبريل/ نيسان 2002، فحدث ولا حرج، حيث زاد عدد المعتقلين الإداريين ومرات تجديد اعتقالهم عما بلغه إبان الانتفاضة «الأولى»، ذلك رغم محدودية عدد المعتقلين من قطاع غزة بعد نشوء «السلطة الفلسطينية» عام 1994.
إن كان للإشارات السريعة السابقة من أهمية، فهي تبيان أن المفاوض الفلسطيني ترك قضية الأسرى لحسن نوايا قادة الاحتلال، بينما كان من شأن الضغط لحل قضيتهم قبل التوقيع على «أوسلو» أن ينتزع، (على الأقل)، الإفراج عما بات يُعرف ب«قدامى الأسرى»، وتجميد سياسة الاعتقال الإداري، كمطلب ثابت للمعتقلين الإداريين الذين بدؤوا، (وللدقة عشرات منهم)، منذ مطلع يوليو/تموز الجاري، بمقاطعة «لجان الاعتراض العسكرية» التي يسميها البعض - خطأً - «محاكم»، علماً أنهم استخدموا هذا الشكل النضالي سابقاً لمدة عامين، (1996-1997)، حيث أطلقوا حملة مقاطعة شاملة ومثمرة لهذه «اللجان» لقناعتهم بأن جهاز المخابرات، «الشاباك»، يتحكم تماماً بقرارات «قضاتها العسكريين»، بل وبقرارات «قضاة» ما يسمى «محكمة العدل العليا»، وبالتالي بأوامر الاعتقال الإداري التي يصدرها، منذ نشوء السلطة الفلسطينية، ما يسمى «قائد الجيش» «في المنطقة»، استناداً إلى «قانون الطوارئ» البريطاني الذي يجيز الاعتقال من دون تحقيق، وبناء على «ملف سري» يُحظر كشفه، ما يحرم المعتقل من حقه في معرفة التهم الموجهة له، وبالتالي من حقه في الدفاع عن نفسه.
هذا علاوة على أن التجديد التلقائي لأوامر الاعتقال الإداري غيب مئات المناضلين الفلسطينيين لمدة 5 سنوات دفعة واحدة، (7 سنوات في حالة المناضل علي الجمال)، بينما أمضى عشرات المناضلين، على دفعات، نحو عقد ونصف العقد، بل وهناك حالات تجاوزت هذه المدة. هذا ناهيك عن سحب الحقوق الخاصة التي يعطيها حتى القانون «الإسرائيلي» للمعتقلين الإداريين الذين يتعرضون والأسرى عموماً لعمليات قمع وقهر واستباحة وتنكيل مبرمجة، أدت، فيما أدت، إلى استشهاد (206) أسرى منذ العام 1967، بينما رفعت حكومات المستوطنين بقيادة نتنياهو درجات التنكيل إلى درجة إعادة اعتقال عدد من محرري صفقة «شاليط»، وسن قانون يقضي بحبس «راشقي الحجارة» من الأطفال لمدة عشر سنوات، وسن قانون آخر يقيد العفو السياسي، (أي صفقات تبادل الأسرى)، بموافقة ثلثي أعضاء «الكنيست»، وصولاً إلى البدء بنقاش مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى الذين ينفذون عمليات عسكرية. هذا غيض من فيض عنصرية «إسرائيل» التي تعاظمت حتى بلغت الفاشية في التعامل مع الأسرى وعموم أبناء الشعب الفلسطيني.
وتجدر الإشارة إلى أن التجديد التلقائي للاعتقال الإداري لم يكن مسموحاً حتى في عهد نظام الأبرتهايد البائد في جنوب إفريقيا، بوصفه أسوأ نظام عرفه التاريخ المعاصر لجهة استعباد البشر وحرمانهم من أبسط حقوقهم، ومنها حق كل متهم في محكمة مفتوحة، ولو في إطار قانون تسنه سلطة مستبدة أو سلطة احتلال أجنبي، ما يعني أن «إسرائيل» التي تمارس التعسف، (انتهاك قانون قائم)، في حالة الأسرى «المحكومين»، والطغيان، (غياب القانون)، في حالة المعتقلين الإداريين، والتنكيل المُبرمج متعدد الأشكال بحق كل من يدخل سجونها، قد تجاوزت في عنصريتها وطغيانها نظام الأبرتهايد هذا.
ولا عجب في أن تنجو «إسرائيل» حتى الآن من مصير العنصريين البيض، لدرجة تُستثنى من المساءلة حتى في موضوع الاعتقال الإداري الذي وصفه الصهيوني يوسي بيلين في العام 1997 ب(لطخة عار في جبين الديمقراطية «الإسرائيلية»)، طالما أن حليفتها الثابتة الولايات المتحدة، تدعمها وترعاها وتحميها رغم ما ترتكبه من جرائم حرب ومجازر وعمليات تطهير عرقي، لم تستولد، ولن تستولد، غير إرادة المقاومة متعددة الأشكال لدى أبناء الشعب الفلسطيني، وفي طليعتهم الأسرى الثابتون في الخنادق الأمامية للمواجهة المديدة والمستمرة مع عنصرية صهيونية سياسية أيديولوجية تتاخم الفاشية، لكنها لم تقوَ، ولن تقوى، على إلغاء حقائق الحياة، وما هزيمة قادة «إسرائيل» مرتين على يد الأسير المُحرر المناضل القائد خضر عدنان، إلا دليل على جدوى خيار المقاومة وقدرته على تعرية عنصرية «إسرائيل» وإدخالها أكثر فأكثر في زمن افتضاح أمر، وفضيحة، كذبة «واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة»، بما يُقرِّب زمن الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وما حل به من نكبة ومذابح واستباحة، ومن تنكيل يتعرض له أسرى حرية فلسطين على مدار اليوم والساعة.
قصارى القول: إن مقاطعة المعتقلين الإداريين ل«لجان الاعتراض العسكرية» التي تُزين اعتقالهم التعسفي وتُلبسه غطاءً قانونياً صورياً خادعاً ومخادعاً، خطوة في الاتجاه الصحيح، ما يوجب تبنيها وإسنادها وطنياً وقومياً وإنسانياً على جميع المستويات السياسية والدبلوماسية والحقوقية والإعلامية، بوصفها شكلاً من أشكال المقاومة المفروضة والشاملة التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد احتلال استيطاني عنصري إقصائي لن يرحل بمظاهره السياسية والعسكرية والأمنية والاستيطانية والاقتصادية إلا بتحويله إلى مشروع خاسر بالمعنى الشامل للكلمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2160491

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2160491 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010