الأحد 19 تموز (يوليو) 2015

الكيل بمكيالين والسلطة الفلسطينية!

الأحد 19 تموز (يوليو) 2015 par د. فايز رشيد

قلناها مرارا: هذه السياسات لم ولا ولن تُنتج إلا المزيد من التشدد الصهيوني. بالفعل لا يُحسد رئيس السلطة ولا أعضاء (الحكومة) الفلسطينية على الوضع الذي هم فيه. فالمسمون (وزراء) فيها مجازا.. مرهونون في الملابس التي يرتدونها (بما فيها الداخلية!), بالجنود الإسرائيلين المنتشرين على الحواجز!
رئيس السلطة حتى في إقالته لـ عبد ربه من منصبه, تعامل معه كتابع خال من أي مضمون! أعفاه في غيابه! نبهه عضوان من اللجنة التنفيذية لهذا الأمر, فاتهمها بـ”العدمية”! أوقن أن عباس تطاول في إطلاق الصفة على العضوين فإما أنهما العضوان لا يدركان معنى العدمية .. وعندما صمتا ولم يردّا عليه! أو أن الأدب منعهما من الرد عليه بإحدى الصفات التي يستحقها فعلا! وهي كثيرة! لا أدبي ولا أدب النشر في العزيزة (الوطن) يتيحان لي استعمال الحقيقية منها في هذه المقالة.. وهي عديدة! ياسر عبد ربه, المُقال من منصبه كأمين سر للجنة التنفيذية ينقلب على السلطة وعلى ولي نعمته وأمره, فقد عقد مؤتمرا صحفيا في رام الله منذ يومين, قال فيه بما معناه: “إن الماضي كان أوهاما, إذ إن كل الاتفاقيات مع إسرائيل انهارت منذ زمن طويل. أن الصراع المُتوهم والمؤامرات على السلطة الفلسطينية هي من صُنع إسرائيل ومن السلطة نفسها”. كما دعا إلى: تجديد المشروع الوطني الفلسطيني. هذا هو جوهر ما قاله عبد ربه في مؤتمره المذكور. لولا بعض من حياء لنادى عبد ربه بالكفاح المسلح, ولأعطانا درسا عن تجربة جيفارا. للعلم عبد ربه هو أحد مهندسي اتفاقيات أوسلو, في مباحثات شرم الشيخ كان يتمشى (يُكسدر) مع نظرائه الإسرائيلين, بالشورتات! الأمر الذي حدا بعرفات إلى توبيخه وإرسال ملاحظة علنية لأعضاء الوفد الفلسطيني بالتقيد باللباس الرسمي. عبد ربه هو شريك في وثيقة عبد ربه ـ بيلين السيئة الصيت والسمعة. تصريحات عبد ربه جاءت بعد إقالته من منصبه.. وهكذا, فإن السلطة بدأت في أكل نفسها.
آخر تقليعات الرئيس الفلسطيني: رسالة أرسلها لرئيس مجلسه الوطني, بمنع نائب رئيس المجلس الوطني تيسير قبعة من السفر بسبب وضعه الصحي, ومنعه من حضور أية اجتماعات رسمية… لأنه انتقد في أحد اجتماعات البرلمانيين العرب, تطبيع دولة عربية مع الكيان. وبعد اعتراض الأولى, أرسل عباس رسالة يستجدي فيها الاعتذار من وزير خارجية البلد العربي المعني, ويشرح له فيها: بأن موقف قبعة هو موقف شخصي غير مسؤول. رئيس السلطة استدعى السفير الفلسطيني في تشيلي عماد جاد, لأنه قال في خطاب له في مؤتمر للتضامن مع الشعب الفلسطيني, جرى عقده في سنتياغو تحت عنوان “السلام لفلسطين” .. (بأن الصهيونية خططت للسيطرة على العالم, وأن لا وجود لمفهوم “الشعب اليهودي”).
في التوضيح نقول: قبعة ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في المجلس الوطني. ولأنه من تنظيم آخر, ولأن الوحدة الوطنية الفلسطينية في عُرف الرئيس الفلسطيني ليست أكثر من ديكور.. ليس إلا! ولأن رئيس السلطة. دكتاتور, رغم أن عمره 82 سنة, ولا يزال متسمسكا بكل مناصبه (رئيسا للجنة التنفذية, رئيسا لفتح, ورئيسا للسلطة) وأن ادعاءاته بالاستقالة ليست أكثر من هراء تضليلي خُوائي, حتى يجري قيام مظاهرات في رام الله ومطالب تدعو بـالتمسك به! وتقوم المظاهرات في شوارع الضفة الغربية وغزة ومنطقة 48 والشتات, وترتفع حدة المناشدات المطالبة جميعها ببقائه! لكل هذا تصرف عباس مع قبعة, هكذا! التمسك بالمناصب حتى القبر هو سمة لكل مسؤولي السلطة ومنظمة التحرير, فمنهم من هو مريض يتجاوز عمره 85 سنة وهو عليل تاريخيا لكن, لم يُعفه الرئيس من السفر ولا يزال على رأس عمله! المهيمنون على مؤسسات م. ت. ف. هم المسيطرون عليها بنسبة 78%.. ومناصب م. ت كلها بلا استثناء مقتصرة وحكر لهم!
كلهم.. يدخلون إلى المجلس الوطني على قوائم: التنظيم, وباسم المستقلين, والكفاءات, المنظمات الشعبية, الاتحادات, النقابات والمغتربين.. وغير ذلك من العناوين! عباس يتعامل مع التنظيمات الأخرى على مبدأ المحاصصة وقواعد عنوانها: ما يجوز لك لا يجوز لغيرك, نحن الأقوى, نحن الأفضل, الثورة لنا, المنظمة لنا, الأموال لنا, فلسطين قابلة للقسمة على اثنين, لا كفاح مسلح. هذا هو منطق عباس ومؤيدوه وبطانته! فبئس هذا المفهوم. ولو بلغ الواحد منهم مئة عام, يظل في منصبه!
أما التنظيمات الأخرى .. فلا يحق لها استبدال حتى عضو من أعضائها في المجلس, توفاه الله, بعضو آخر حيّ! بسبب أن المتوفى دخل المجلس عضوا على قائمة المستقلين .. رغم أنه رحمه الله, كان تاريخيا أحد أعلام تنظيمه, أما الثاني فلأنه سيدخل المجلس على قائمة الجبهة, اعترض عليه رئيس المجلس!؟ للعلم أحمد قريع, الذي كان رئيسا للوزراء في عهد السلطة هو عضو في المجلس الوطني على قائمة المستقلين! تصوروا!.. وأمثاله كثيرون! هذا دليل على صحة ما ذكرناه, وفي الجعبة أسماء أخرى سنكشفها وخفايا/فضائح سياسات السلطة (أكثر من كثيرة) في سلسلة مقالات قادمة.
قلناها منذ زمن طويل: أن سياسات الاستئثار, التفرد, الهيمنة, المحاصصة, التصور بأن الآخرين كلهم أبناء جوارٍ ولم تحملهم أمهاتهم في بطونهن سوى أشهر قلائل وليس تسعة! كما المعادلة الكريهة (النصف + 1)! التي حرص القادة المتنفذون في م. ت. ف. على تطبيقها, في كل مؤسسات العمل الفلسطيني منذ بدء ثورته الحديثة حتى اللحظة. لم ولن تُنتج سوى الهزائم والإخفاقات المتتالية, واتفاقيات كريهة مثل أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي, حتى أن المرحوم عرفات رماه في وجه من وقعه! كذلك.. لم تُنتج سوى التنسيق الأمني مع العدو, الذي هو في حقيقته ليس تنسيقا بالمعنى المتعارف عليه! بل هو وفقا لمقتضيات أوسلو البشعة: ليس أكثر من إملاءات صهيونية على المتلقي الفلسطيني (ليس الشريك بالطبع! فالشركاء في العادة لهم نفس الحقوق), لذا فإن االتصور الكياني للسلطة: رؤيتها كوكيل أمني للاحتلال! ليس إلا.
الدلائل أكثر من أن تعد أو تحصى: حقيقة دور الشرطة الفلسطينية على المعابر: يناولون المقررين الصهيونيين, جوازات سفر وتصاريح العابرين في الاتجاهين. دخول القوات الصهيونية أراضي السلطة لاعتقال أو اغتيال من تشاء من الفلسطينيين دون أن تحرك ساكنا. القيام باختطاف بعض معتقلي السلطة من سجونها ورغم حراستهم من شرطتها, ومن الجنود الدوليين.
قلناها مرارا: هذه السياسات لم ولا ولن تُنتج إلا المزيد من التشدد الصهيوني. بالفعل لا يُحسد رئيس السلطة ولا أعضاء (الحكومة) الفلسطينية على الوضع الذي هم فيه. فالمسمون (وزراء) فيها مجازا.. مرهونون في الملابس التي يرتدونها (بما فيها الداخلية!), بالجنود الإسرائيلين المنتشرين على الحواجز! فإذا ما أراد جندي صهيوني تأخير (موكب) أحد الوزراء وتفتيشه الجسدي في خيمة! فسيفعل ذلك! فهو من يحمل السلاح.. لذا فهو الاقوى! أكتب هذه الصورة وأتخيلها لا من موقع الشامت والعياذ بالله! ولكن من موقع الألم الذي ينتابني عندما يتخيل أحد الوزراء في الحكومة الفلسطينية, نفسه, وزيرا حقيقيا!
أما حول استدعاء السفير, فنقول: يكفي أن أورد ما قاله الحاخام “راستورن” في خطاب له في براغ عام 1869, أمام اللجنة التحضيرية لعقد المؤتمر الصهيوني, فهو بالنص قال: “إذا كان الذهب والمال هما عصب قوتنا, فإن السيطرة على وسائل الإعلام هي العصب الثاني”. منذ تلك اللحظة خططت الحركة الصهيونية للسيطرة على الراسمال والإعلام العالميين (أبحاث وكتب كثيرة تتناول هذه السيطة بالتفاصيل). وحول مفهوم “الشعب اليهودي” أورد فقط ما كتبه أحد المؤرخين اليهود مؤلف كتاب: “اختراع الشعب اليهودي”. الكاتب هو أحد أبرز مؤلّفين للبروفيسور شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب. الكاتب واجه تُهم مثل: “العداء للسامية ولإسرائيل” ومتهم بـ”النازية” وتلقى تهديدات مباشرة بالقتل, وأُرسلت إليه طرود ملغومة, وبات يخشى على نفسه من القتل, وفقاً لتصريح له لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية. ساند واجه ولا يزال حملة مسعورة على مؤلَّفيْه. كتابه الثاني بعنوان “اختراع أرض إسرائيل” وقد صدر مؤخراً بالعبرية في الكيان الصهيوني وبعد, لم تتم ترجمته إلى اللغة العربية. في فصول كتابه يتحدث المؤلف وفي استعراض تاريخي عن مفاهيم مثل “الأمة” و”الشعب” و”القومية” و”الإثنية” والتي اتخذت معاني ودلالات لا تحصى، وأحياناً متناقضة وأحياناً مكملة أو مرادفة. ويقول ساند: “إنه على مر ألفي عام لم يكن اليهود شعباً, إذ لم تربطهم سوى الثقافة الدينية، وحتى اللغة بينهم كانت مختلفة، وهي لغات الأوطان التي كانوا يعيشون بين ظهرانيها”. يتحدث ساند بالتفصيل في مؤلفه عن المؤرخين اليهود الذين وبجرّة قلم، اخترعوا وجود هذا “الشعب” عنوةً, في ظل تبلور الحركات القومية في أوروبا….فبماذا أخطأ السفير!؟
إذا كان عباس قد قدّم رسالته (التي غالبا أنها كُتبت له! وليس هو مؤلفها) لنيل الدكتوراة عن “الحركة الصهيونية” لا يعرف حقائقها .. فتلك مصيبة! وإذا كان يجهل, فالمصيبة أعظم! عظم الله أجرنا وأجركم في السلطة الفلسطينية ورئيسها.. والبقاء لله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2165388

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165388 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010