الأحد 19 تموز (يوليو) 2015

هل انتصر مسار «إيرانيوم» وانهزم مسار «كامب ديفيد»...؟

الأحد 19 تموز (يوليو) 2015 par راسم عبيدات

اتفاق تاريخي ونهاية حصار ظالم امتدّ لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ونصر إيراني وهزيمة «إسرائيلية» بامتياز، ومعادلات جديدة وتحالفات جديدة ستبرز في المنطقة. معادلات تقول بأنّ إيران انضمّت إلى نادي الكبار الستة لكي يصبحوا سبعة على مستوى العالم، إيران قوة إقليمية متسيّدة في المنطقة، ومقرّرة في قضاياها. وسورية قوة حاسمة في المشرق. والمقاومة بكلّ قواها تصعد وتتسع حضوراً وتأثيراً وتزداد قوة وصلابة. «إسرائيل» يتراجع دورها، فهي لم تعد صالحة لخوض الحروب العسكرية بعد فشلها في الحرب العدوانية التي شنتها بالوكالة لأول مرة في تاريخها نيابة عن كل القوى الاستعمارية وفي مقدمها أميركا على حزب الله وقوى المقاومة في تموز 2006، إذ لم تستطع أن تستولد الشرق الأوسط الكبير الذي نادت به وزير خارجية أميركا آنذاك كونداليزا رايس. السعودية المرتجفة والمرتعبة من الاتفاق ستبقى دفيئة وعنوان الإرهاب الذي سيرتد إلى نحرها ويحرقها، كذلك هي غارقة في اليمن وتستنجد بمن يمدّ لها طوق النجاة أو النزول عن الشجرة، وهي تستجدي بوتين لكي ينقذها من هذه الورطة.

منذ توقيع اتفاق «كامب ديفيد» في 17 أيلول 1978 والذي ارتدّ فيه نظام السادات على الحقبة الناصرية، وما عنى ذلك الاتفاق من خروج مصر بثقلها العسكري والسياسي والبشري من معادلة الصراع العربي- «الإسرائيلي»، وتغيّر في دور ووظيفة النظام العربي الرسمي وبنيته، ومن ثم اندلاع الثورة في إيران عام 1979، برزت تجليات الصراع واضحة بين مسارين: مسار يريد أن يفرض وجود «إسرائيل» في المنطقة العربية والإسلامية كمقرّر ومتسيّد ذي شرعية، ومسار آخر يقول بأن «إسرائيل» مولود لقيط خارج التاريخ والجغرافيا. منذ توقيع «كامب ديفيد» وقيام الثورة الإيرانية جرت حروب على كلّ الجبهات بين المسارين، ومارس أصحاب نهج ومسار «كامب ديفيد» الكثير من الحروب متعددة الأشكال ضد أصحاب نهج «إيرانيوم» من أجل تحقيق نصر ساحق عليهم، وتعميم نهج وثقافة الاستسلام والاستنعاج، ثقافة «كامب ديفيد» و99 في المئة من أوراق الحل بيد أميركا، فكانت حرب عام 82 واجتياح بيروت، وفرض حكومة لبنانية موالية لـ«إسرائيل» وتأتمر بأمرها، وكذلك تم توريط العراق من قبل أميركا ودول مشيخات النفط في حرب مع إيران امتدت لثماني سنوات، حرب أنهكت البلدين، واستنفذت الكثير من ثروات وخيرات وقدرات ومقدرات الشعب العراقي، لكي يجري بعد ذلك محاصرة العراق ومن ثم احتلاله، بحجج وذرائع واهية، ثبت زيفها وكذبها امتلاك العراق للسلاح النووي، ولتهدّد أميركا سورية بالمصير نفسه، وتفرض عليها الكثير من العقوبات الاقتصادية والتجارية والحصار، ومن ثم توجه لها الاتهامات بقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فرأس سورية، كما هو رأس إيران وحزب الله وكل قوى المقاومة العربية، بما فيها الفلسطينية، مطلوب، ورفع رئيسا الولايات المتحدة السابقان جورج بوش الابن والأب، شعار من ليس معنا فهو ضدنا، وشدّد الحصار على البلدين وجرى تطويق إيران عبر الضفتين الأفغانية والعراقية، وسورية أصبحت محاطة بحلفاء أميركا، وتمّ تصنيفهما على أنهما دول محور الشرّ مع كوريا الشمالية.

حروب تصاعدت من أجل فرض الهزيمة والاستسلام على محور المقاومة في المنطقة، بما يجعلها تخضع بالمطلق للهيمنة والسيطرة الأميركية والاستعمارية، وتكون «إسرائيل» عصاها الغليظة لضرب أي حالة نهوض قومي عربي محتملة في المنطقة، فكانت حرب «إسرائيل» بالوكالة في تموز 2006 على حزب الله والمقاومة وسورية كحلقة مركزية، تلك الحرب فشلت وكانت هزيمة مدوية لأميركا و«إسرائيل»، بإقرار لجنتي «فينوغراد الإسرائيلية» و«بيكر هاملتون» الأميركية.

أميركا و«إسرائيل» ومشيخات الكاز والنفط العربي والعثمانيون الجدد، ومعهم معاهد الدراسات والأبحاث الاستراتيجية الأميركية ومطابخ المخابرات الأميركية والغربية، قالوا بأنه من أجل إلحاق هزيمة شاملة بمعسكر ومحور طهران سورية حزب الله، لا بدّ من حرب كسر عظم، تعيد رسم خرائط وجغرافية المنطقة على أساس تفكيك وتركيب الجغرافيا العربية على تخوم وفواصل المذهبية والطائفية والثرواتية، فكان ما سمّي بـ«ثورات» الربيع العربي، وشعبنة الفتنة المذهبية سني- شيعي ، وكان تصدير الإرهاب وحروب الفتن المذهبية، تحصد الأرواح وتحرق البلدان وتدمر بلا هوادة الدول ومؤسساتها وتفكك جيوشها وتقتل بشرها وتشرّدهم، وتنهب خيراتها وثرواتها، وتمارس عمليات تطهير عرقي بحق الأقليات، ناهيك عن هدم وتدمير حضارات إنسانية ممتدة لآلاف السنين، حروب وإرهاب وفتن طاولت تونس ومصر وليبيا والعراق وسورية واليمن ووصلت لشواطئ فلسطين، ولكن كل ذلك لم يفلح في كسر صمود إيران وسورية واليمن وحزب الله، حلقة بقيت صامدة ومتماسكة.

بعد محادثات مكثفة ومتواصلة امتدّت في فيينا لسبعة عشر يوماً، واضح أنّ وصفات وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد بأنّ «ما لا تحله القوة يحله مزيد من القوة»، وغيره من المتطرفين من أمثال كيسنغر وروس وأنديك وهنتنغتون وفوكوياما ومادلين أولبرايت، وكوندوليزا رايس وبول وولفوفيتز، فشلت فشلاً ذريعاً، حيث جرى الاعتراف بحق إيران في امتلاك برنامج نووي للطاقة السلمية، وبرفع كلّ العقوبات الاقتصادية والمالية عنها، بما يحرّر الكثير من مليارات الدولارت المحتجزة لها في البنوك والمؤسسات الدولية، وبأنها قوة إقليمية يجب أن تراعى مصالحها في المنطقة.

نعم، توقيع التفاهم النووي يعلن انتصار مسار «إيرانيوم» والهزيمة لمسار «كامب ديفيد»، هناك الكثيرون سيخرجون من الحلبة وسيدخل لاعبون جدد لوراثة الدور والمكانة الأميركية في المنطقة روسيا والصين ومعهما إيران وسورية، سورية بعد هزيمة الإسلام السياسي في أنقرة، جماعة «الإخوان المسلمين»، حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، وخروج السياسة الخارجية التركية من تحت سيطرة الإخوان، وانتصار إيران التي ربطت سورية مصيرها بمصير قيادتها وخيارها، وغرق السعودية في الوحل اليمني، فهذا يعني أن توقيع التفاهم النووي مع إيران يعني بداية النهاية للحرب التي شنّت عليها ضمن الحرب الشاملة على معادلة «إيرانيوم»، وهي حرب تضع أوزارها اليوم.

إن شعار دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق «إن ما لا تحله القوة يحله مزيد من القوة» قد سقط إلى غير رجعة، وكذلك نرى أن ما قاله السيد حسن نصر الله بأنّ دولة الاحتلال «الإسرائيلي» أوهن من بيت العنكبوت، وبأنّ «إسرائيل» مولود لقيط خارج التاريخ وخارج الجغرافيا تثبت صحتها شيئاً فشيئاً، وبأنّ إيران اليوم «إيرانيوم» هي ليست إيران ما قبل توقيع التفاهم النووي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010