الاثنين 13 تموز (يوليو) 2015

من عزل مرسي؟

الاثنين 13 تموز (يوليو) 2015 par عبدالله السناوي

بعد عامين من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي فإن أكثر الأسئلة جوهرية:
إلى أي حد تتحمل الجماعة التي ينتمي إليها مسؤولية إطاحته من قصر «الاتحادية»؟
بصيغة أخرى: من عزل مرسي؟
رواية الجماعة تتجاهل أسباب الغضب التي أفضت إلى (٣٠ يونيو) وتبرئ نفسها من كل مسؤولية، وتصف الأمر كله بأنه انقلاب أطاح بالشرعية.
الحقيقة أن الشرعية تقوضت تماماً في اللحظة التي أعلن فيها «مرسي» إعلاناً دستورياً في نوفمبر (٢٠١٢) انتهك فيه أي قيمة ديمقراطية وأي صلة بثورة «يناير» التي كان على رأس أهدافها تأسيس نظام حكم يلحق مصر بعصرها.
لم يكن هو صاحب القرار.. لكنه دفع ثمنه وجرى إضعافه لإثبات سطوة الآخرين.
في كل الأزمات توارت «صورة الرئيس» لصالح مرشد الجماعة «محمد بديع» ورجلها القوي «خيرت الشاطر».
لم يكن رئيساً لكل المصريين ولا قادراً على أخذ مسافة تقتضيها مسؤوليته.
تحكمت في تصرفاته شخصية «الرجل الاحتياطي»، فقد تقدمت الجماعة بأوراقه بعدما استبعدت اللجنة العليا للانتخابات مرشحها الأصلي «خيرت الشاطر».
الخطورة ليست في استبدال رجل بآخر وإنما في إحالة «مرشح احتياطي» إلى «رئيس احتياطي».
منذ اللحظة الأولى لصعوده الرئاسي وضعته الجماعة تحت الضغط الشديد حتى لا ينسى أنها صعدت به إلى حيث لا يخطر له على بال، وأن مصيره معلق بما تقرره بشأنه.
بدأت أولى أزماته في اليوم التالي مباشرة لإعلانه رئيسا: أين يقسم اليمين الدستورية؟
وهو يغادر وزارة الدفاع بعد زيارة شكر تقليدية طلب من المشير محمد حسين طنطاوي أن يرسل إليه على وجه العجل من يمثله للبحث في أمر عاجل لم يكشفه.
في الساعة الخامسة من هذا المساء ضمته مائدة مستديرة في قصر «الاتحادية» إلى ثلاثة قادة عسكريين بينهم اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية.
كان لديه طلب واحد «‬أريد أن تبحثوا لي عن حل يعود به مجلس الشعب حتى يمكنني أداء اليمين الدستورية أمامه».‬‬ كان الطلب مستحيلاً تماماً، فالمحكمة الدستورية العليا قضت ببطلانه.
مما سمعه في هذا الاجتماع: «إذا أردت أن تكون رئيساً محترماً لدولة محترمة فعليك احترام الإعلان الدستوري الذي انتخبت على أساسه».
فيما يشبه الإلحاح على طلبه دعا الجنرالات الثلاثة لمراجعة المشير.
«لسنا في حاجة لمراجعته، فنحن هنا لنمثله والكلام نهائي».
ورغم أنه اضطر في النهاية لأداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا وفق الإعلان الدستوري إلا أن القصة ألقت بظلالها الكثيفة على المسار السياسي كله.
فالقرار لم يكن في «الاتحادية» حيث رئاسة الدولة، وإنما في «المقطم»، حيث مكتب الإرشاد.
بمعنى آخر: أول من أطاح برئاسة «مرسي» الجماعة التي ينتسب إليها..
أضعفت مركزه، وتعاملت مع منصبه باستخفاف، وحرمته من أي قدرة على التصرف وفق صلاحياته الرئاسية. المثير أنه لم يكن قادراً ولا راغباً في أي تصرف مستقل.
قبل إطاحته بأسبوع واحد كان البلد على أعصابه ينتظر ما قد يقوله في قصر المؤتمرات بمدينة نصر أمام حشد من أنصاره يدعونه إلى الحسم مع خصومه السياسيين والتحريض على أي قيمة ديمقراطية صعدت بهم إلى السلطة.
تصورت الجماعة أن ما لديها من قوة في التنظيم ووفرة في الموارد المالية كاف للحسم والزج بأي معارضة مدنية في السجون في اليوم التالي لفشل (٣٠ يونيو)، وأعدت بالفعل قوائم الاعتقالات.
أفرط مرسي في التهديد والوعيد والتحرش بقضاة وإعلاميين وسياسيين، وشطب ب(أستيكة) غليظة على ما توافق عليه مع وزير الدفاع الفريق أول السيسي لخفض الاحتقانات السياسية.
فيما بعد كشف السيسي عن لقاء ضمه إلى «الشاطر» قبل الخطاب الأخير بيومين لوح فيه باستخدام القوة والاحتراب الأهلي. لم يكن رجل الجماعة القوي مستعدا لأي تسوية ممكنة،وهكذا تراجع «مرسي» في خطابه الأخير.
كانت هناك ثلاثة مطالب للمعارضة المدنية.. أولها: تغيير النائب العام المستشار طلعت عبد الله بآخر يعينه المجلس الأعلى للقضاء.. وثانيها: إقالة حكومة هشام قنديل واختيار شخصية توافقية لهذا المنصب.. وثالثها: إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
التاريخ لا يكتب بأثر رجعي ولا بالنوايا الحسنة، غير أن أي درجة من الاستجابة للمطالب الثلاثة كانت سوف تضع الأزمة التي توشك أن تنفجر على مسار آخر.
في تجربة السلطة توارت «الجماعة المظلومة» وبرزت الجماعة التي تظلم الآخرين.
لم تخلص لأي وعود قطعتها على نفسها، ولم تبق على أي تحالف مع أي قوى وثقت فيها.
نجحت بصورة هائلة في اكتساب العداوات وبدأت كل الأنهار تتدفق إلى محيط غضب واحد وجد عنوانه في (٣٠ يونيو).
لم تدرك أن مشكلتها الرئيسية مع مجتمعها، خسرت بصورة شبه كاملة الطبقة الوسطى المتدينة وجماعات المثقفين والفئات الأكثر فقراً الذين طالعوا لأول مرة ما هو خاف في حقيقتها..بدت عاجزة تماماً أن ترى كراهيتها في الشارع مجسدة في عشرات الملايين، ولا أن تقر بشرعية الغضب عليها.
عندما تغالط الحقائق التي أمامك فالأثمان باهظة.. هذه القاعدة تنطبق على الجماعة بصورة مذهلة.
كان لديها اعتقاد راسخ بأن الجيش لن يتدخل في صراعات السلطة أياً كانت أحجام تظاهرات (٣٠ يونيو) أو احتمالات الانجراف إلى احتراب أهلي، استناداً إلى تعهدات قطعتها السفيرة الأمريكية «آن باترسون» ل«الشاطر».
في معاندة الحقائق إنكار أن تكون (٣٠ يونيو) ثورة شعبية ترتبت على إخفاقها الذريع في إدارة الدولة، وإنكار آخر أن إطاحتها كانت حتمية. حتى لا ننسى فإن أغلبية كاسحة من الرأي العام طالبت بتدخل الجيش قبل أن يحدث، وهناك من اتهم قياداته بالتخاذل عن التقدم لإنقاذ البلد من مصير مأساوي.
المعني في ذلك كله أن الجماعة قبل غيرها عزلت رجلها في «الاتحادية» في ٣ يوليو تموز.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2177747

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالله السناوي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2177747 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40