الخميس 9 تموز (يوليو) 2015

اليونان قالت لا... فهل من زعيم عربي أو فلسطيني يقول لا...؟

الخميس 9 تموز (يوليو) 2015 par راسم عبيدات

القيادة اليونانية اليسارية الشابة التي وصلت للسلطة عبر انتخابات ديمقراطية، قيادة ملتحمة مع جماهيرها ومعبّرة عن طموحاتها وهمومها، ووصلت للسلطة عبر برنامجها الخاص، وليس من خلال تحالفات مع قوى أخرى تتناقض معها في البرنامج، وهذه القيادة بحضورها وقاعدتها الشعبية، وبما تمتلكه من إرادة وموقف، وعدم «ارتعاش» سياسي أو خوف على سلطة أو منصب، تحدت في سبيل مصلحة الشعب اليوناني أعتى قوى النصب والاحتيال والاستغلال والنهب الرأسمالي المتوحش صندوق وبنك النقد الدوليان والبنك المركزي الأوروبي والتي أرادت أن تفرض على شعب اليونان شروطاً تبعية وتقشف مذلة، تمنع وتعيق أي عملية تطور وتنمية ورفاهية للشعب اليوناني لمدة أربعين سنة مقبلة، حيث يبلغ حجم الديون اليونانية 340 مليار يورو، يحتاج سدادها والفوائد عليها لفترة تمتد لعام 2057 .

كهنة المشروع الأوروبي غير مصدقين بأن اليونان ستجرؤ على خطوة كبيرة من هذا النوع، خطوة سيكون لها الكثير من المفاعيل والتداعيات على أعضاء آخرين يعانون من ظلم وإجحاف المتنفذين في الاتحاد الأوروبي واقتصاد دولهم على حافة الانهيار إسبانيا والبرتغال .

ما حدث في اليونان كان يبدو فوق التصديق أو الحسابات، ولكن حدث الاستفتاء وصوت الشعب اليوناني بلا كبيرة لتحكم الدائنين من مؤسسات وعصابات النهب الدولية باقتصاد الإغريق، لم يأبه الإغريق بحملة التهديد والوعيد الأوروبية غير المسبوقة بـ»الإخراج» من اليورو، حدث تاريخي ومدوٍّ وكبير وربما زلزال كبير سيعكس نفسه على دول الاتحاد الأوروبي التي يعاني اقتصادها من سياسة تقشف، يجعلها تحذو حذو اليونان مثل البرتغال وإسبانيا التي نزل المواطنون فيها للشوارع تضامناً مع الاستفتاء اليوناني، الزلزال وهذا الحدث التاريخي على رغم أن رئيس الحكومة اليونانية تسيبراس قال بأنه لا يعني القطيعة مع الاتحاد الأوروبي، ولكن حجم التداعيات حملت قيادة الاتحاد الأوروبي لعقد قمة طارئة غداً في بروكسيل لبحث تداعيات الزلزال اليوناني، وكذلك زعيم المعارضة اليونانية اليميني ووزير المال استقالا على خلفية نتائج هذا الاستفتاء. الاستفتاء اليوناني أدخل الاتحاد الأوروبي في أزمة كبيرة، تنفيذ التهديد وإخراج اليونان من اليورو، يعني عدم تزويد المصرف المركزي اليوناني باليورو وهذا سيضطر اليونان إلى إعلان إفلاسها، وتترتب على ذلك خسارة جزء كبير من الديون اليونانية، والتي تخص أساطين الرأسمال الأوروبي المتوحش، والإذعان يعني المخاطرة بتمرد أوروبي آخر تعاني دوله من سياسة التقشف والشروط الظالمة إسبانيا والبرتغال .

سيناريوهات عدة مطروحة في المرحلة المقبلة، على رأسها إجراء مفاوضات بين اليونان والاتحاد الأوروبي، إذا فشلت هذه المفاوضات، بحسب مراقبين فلا خيار أمام تسيبراس سوى الخروج من منطقة اليورو، وربما تشكيل تحالفات جديدة مع دول كروسيا والصين. خروج سيدخل اليونانيين في ضغوط وأزمات اقتصادية لبعض الوقت، لكنه في المقابل سيصيب منطقة اليورو بتخبّط في أسعار العملة الأوروبية الموحدة والبورصة، إضافة إلى تهديد الاستثمارات الأوروبية في اليونان، واحتمال خسارة منطقة اليورو دولاً أوروبية أخرى.

هذه قيادة تريد مصلحة شعبها ومستعدة للتضحية ودفع الثمن في سبيل حماية تلك المصالح، فهي جاءت منتخبة من الشعب، وفق برنامج نالت ثقة الشعب عليه، ولم ترتعش سياسياً أو تجبن على رغم جبروت التكتل المضاد، في حين قياداتنا العربية والفلسطينية تعاني من عقدة «الارتعاش» السياسي المستديمة في قضايا عربية وفلسطينية كبرى ومصيرية، هذا الارتعاش سببه الأول والمباشر، أن تلك القيادات همها الأول والأخير مصالحها وسلطتها، وليس مصلحة الشعب والجماهير، لكونها غير منتخبة ديمقراطياً من تلك الجماهير، وكذلك لكون هذه الجماهير أدمنت الذل والهوان، وحولت نفسها لعبيد ومرتزقة عند تلك الأنظمة، ولذلك أضحت عاجزة عن أن تقول «لا» لقياداتها عندما تفرط بأمنها وسيادتها الوطنية والقومية وحقوقها، أو تعمق من أزماتها الاقتصادية وتنهب خيرات وثروات بلدانها لمصلحة أسرها وعائلاتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يسمى بمبادرة السلام العربية المقرة في قمة بيروت عام 2002، يجرى ترحيلها من قمة عربية إلى أخرى مع الهبوط بسقفها لكي توافق عليها «إسرائيل»، من دون قدرة على ترجمتها إلى فعل حقيقي على أرض الواقع، أو إلزام «إسرائيل» بقبولها، بسبب عدم امتلاك الإرادة والقرار، والتعامل بدونية مع الآخرين، وسيادة لغة وثقافة الهزيمة، وما ينطبق على المبادرة العربية للسلام، ينطبق علينا نحن كفلسطينيين، فنحن اتخذت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية قرارات استراتيجية في قضايا تتعلق بقضيتنا ومشروعنا الوطني، فكان قرار التنفيذية برفض العودة للمفاوضات إلا ضمن شروط وأسس منها الوقف الكامل للاستيطان وإطلاق سراح الأسرى، وانسحاب «إسرائيلي» من كل الأراضي العربية المحتلة عام/1967 تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومرجعية دولية للمفاوضات، ولكن سرعان ما جرى التخلي عن تلك الشروط والعودة للمفاوضات من دون أن يتحقق أي منها، وكذلك حال قرار المجلس المركزي في شباط الماضي بوقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، والذي نرى أنه بدلاً من أن يتوقف يتعزز ويتطور… إلخ من القضايا الجوهرية والمصيرية.

دول حوصرت عشرات السنين ورفضت أن تنصاع للإرادة والإملاءات الأميركية والأوروبية وفي النهاية انتصرت بصمودها وإرادتها ووحدتها وصلابة موقفها الشعبي، كوبا الجزيرة الصغيرة 57 سنة لم تذعن للحصار الأميركي وانتصرت في النهاية، إيران 37 سنة من الحصار، تحولت خلالها إلى قوة إقليمية كبيرة مقررة في المنطقة، وها هي تحقق انتصاراً كبيراً في فرض شروطها بالنسبة لبرنامجها النووي.

الأمثلة كثيرة ولكن غياب الإرادة والقرار والموقف، وتغييب الجماهير أو غيابها، و»ارتعاش» القيادات السياسية المستديم لن يفضي إلى تحرير أو نيل حقوق، بل للمزيد من التراجع والانهيار، نحن بحاجة إلى قيادات أمثال ألكسيس تسيبراس، والقيادة الإيرانية والفنزويلية والكوبية وغيرها من قيادات أميركا اللاتينية التي صنعت انتصارات لشعوبها، لا قيادات تستدخل الهزائم وتنظر لها على انها انتصارات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2178694

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178694 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40