الخميس 19 آب (أغسطس) 2010

فشل رهان الحرب المتوقعة

الخميس 19 آب (أغسطس) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

يبدو أن رهان رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» غابي أشكنازي حول خياري الحرب المحتملة يواجه تحديات صعبة قد تفرض تغيير «قواعد اللعبة». فمنذ أسابيع قليلة مضت وضع أشكنازي لبنان محوراً للحرب المتوقعة التي قد تقود إلى الحرب المحتملة ضد إيران. وإذا كانت الحرب الخاصة بلبنان هي الحرب الأقرب فإن أشكنازي وضعها ضمن خيارين أولهما اندلاع الحرب من داخل لبنان على أرضية الاختلاف على «القرار الظني» المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، حيث مرر أشكنازي معلومات تقول إن هذا «القرار الظني» سيحمّل عناصر قيادية في «حزب الله» المسؤولية عن هذه الجريمة. أما الخيار الثاني فهو خيار الحرب «الإسرائيلية» ضد لبنان في حالة فشل الخيار الأول، أي تفجير لبنان من الداخل لدرجة تغني «إسرائيل» عن القيام بالمهمة نفسها.

الآن يبدو أن خيار الحرب في لبنان من داخله بات مؤجلاً على أقل تقدير إن لم يكن قد بات مستبعداً في ظل العديد من التطورات المهمة التي جاءت متلاحقة ومتزامنة أبرزها ثلاثة تطورات تتصدر الموقف الآن في لبنان بتداعياتها المهمة.

أول هذه التطورات يتعلق بالتجاوب المتصاعد مع القرائن التي قدمها السيد حسن نصرالله حول اتهام «إسرائيل» بمسؤولية اغتيال الحريري، خصوصاً لجهة اضطرار المحكمة على لسان المدعي العام دانيال بيلمار إلى الطلب من السلطات اللبنانية تسليم القرائن التي عرضها السيد نصرالله .

وإذا أخذنا في الاعتبار الموقف الإيجابي لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من قرائن نصرالله وما يجري من حوارات ولقاءات مكثفة بين الحكومة وحزب الله حول ما سوف يتفق عليه بشأن المحكمة، وإذا أخذنا في الاعتبار أيضاً ما تكشف من قبل القمة السعودية السورية لخيار تأجيل هذا القرار الظني تأجيلاً «مفتوحاً»، وهو ميل اعتمد على الخبرة السورية السابقة مع هذه المحكمة واعتمادها على «الشهود الزور»، وهو ميل سبق إعلان نصرالله عما لديه من معلومات وقرائن ترجح التورط «الإسرائيلي» في جريمة اغتيال الحريري، فإن المحصلة هي إرجاء قرار المحكمة إلى أجل محدود مع تعديل أو تغيير توجهاته، والتراجع عن التوجه السابق الخاص بتوجيه الأنظار نحو «حزب الله» وتحميله المسؤولية عن هذه الجريمة. كل هذا يعني تغييب خيار الحرب من داخل لبنان أو على الأقل تأجيله انتظاراً لـ «فتن» داخلية أخرى يكون من شأنها فرض هذه الحرب التي تريدها «إسرائيل» وتعمل من أجلها.

أما التطور الثاني، فهو يتعلق بالمواجهة التي حدثت منذ أسبوعين بين الجيش اللبناني وقوات الاحتلال «الإسرائيلية» بالقرب من قرية العديسة الجنوبية، هذه المواجهة كشفت عن تداعيات شديدة الأهمية من شأنها أن تقلب الرهانات «الإسرائيلية» والأمريكية رأساً على عقب، وبالذات ما يتعلق بالجيش اللبناني ودوره في أي حرب «إسرائيلية» ضد لبنان.

فالصدمة التي أحدثها تصدي الجيش اللبناني «للإسرائيليين» لم تكن أقل من الصدمة التي أحدثها خطاب السيد حسن نصرالله وما كشفه من معلومات وقرائن تؤكد مسؤولية «إسرائيل» عن جريمة اغتيال الحريري. فكل رهانات «الإسرائيليين» والأمريكيين بالنسبة للجيش اللبناني، وهي الرهانات التي حفزت الأمريكيين على القيام بمهمة تسليح هذا الجيش، كانت تقول إن الجيش اللبناني يتركز دوره في الداخل اللبناني، وإن دوره الأساسي هو مواجهة «حزب الله» وإلغاء مبررات وجود المقاومة، وإن وجوده على الحدود في المناطق التي كانت توجد فيها المقاومة قبل حرب صيف 2006 هو لمنع وصول المقاومة إلى «إسرائيل» والتعاون مع القوات الدولية «اليونيفيل» للحفاظ على هدوء الحدود الجنوبية اللبنانية مع «إسرائيل» بإبعاد المقاومة نهائياً عن هذه الحدود. أي أن دور الجيش هو حماية «إسرائيل» من المقاومة، لذلك كان رد الفعل «الإسرائيلي» على تصدي الجيش اللبناني مضاعفاً. فالصدمة الأولى كانت تتعلق بإدراك حدوث تحول في أدوار الجيش اللبناني من التصدي للمقاومة إلى التصدي لـ «إسرائيل»، والصدمة الثانية تتعلق بإدراك «إسرائيل» أن هذا التغير في أدوار الجيش اللبناني يعكس تمسكه بعقيدته العسكرية التي تعتبر «إسرائيل» عدواً وحيداً.

ويجيء التطور الثالث امتداداً للتطور السابق، حيث أعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي النائب الديمقراطي هوارد بيرمان تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية للجيش اللبناني بسبب تصديه للقوات «الإسرائيلية»، حيث أكد أن هذه المساعدات «ستبقى معلّقة إلى أن نعرف المزيد عن هذه الحادثة، وطبيعة نفوذ حزب الله في الجيش اللبناني، ونتأكد أن الجيش هو المسؤول الأول».

هذه التطورات عدَّلت كثيراً من قواعد اللعبة، ولم يعد ممكناً رهان «إسرائيل» على «القرار الظني» لمحكمة الحريري لتفجير لبنان، ولم يعد الرهان أيضاً على انقسام بين الحكومة والمقاومة، وهذا معناه أن الحرب المتوقعة باتت مؤجلة ما يدفع إلى الإسراع في شن الحرب التي كانت محتملة من «إسرائيل» على لبنان، لكن حتى هذه الحرب في حاجة إلى ظروف انقسام داخلي مؤاتية كي تؤتي ثمارها. وبسبب هذا كله يبدو أن «إسرائيل» ستكون مضطرة إلى العودة مجدداً إلى أولوية خوض الحرب الأهم ضد إيران بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر وتحديات قد تحول دون حدوثها، كما قد تعجل بها لتجنب تحديات قد تكون أشد خطراً قبل أن تفلت إيران بمشروعها النووي أو تخطف صفقة أشد خطراً مع أمريكا حول العراق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2177874

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2177874 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40