الجمعة 3 تموز (يوليو) 2015

فعل المجتمع لمواجهة الجنون التكفيري

الجمعة 3 تموز (يوليو) 2015 par د. علي محمد فخرو

لنمعن النظر في موضوع «الجهاد» التكفيري البربري بكل أشكاله وتلاوينه:
أولاً، هناك دلائل، من خلال مئات المقالات التي ظهرت في كبريات الصحف الغربية ومئات المقابلات التلفزيونية على المحطات الغربية، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المخابرات الغربية والمخابرات الصهيونية لعبت أدواراً أساسية في تجييش وتنظيم وتدريب وتسليح وتمويل شتى أنواع الفصائل ودويلات ما يسمى «الخلافة الإسلامية» في طول وعرض العرب. ما عاد هذا حديثاً يتم تداوله بين جهات محدودة. لقد أصبح حديث الجميع، بينما لا تكذّبه جهات الاستخبارات المتهمة.
ثانياً، ما كان لدوائر الاستخبارات تلك، وبموافقة ضمنية من قبل حكوماتها، أن تنجح بهذا الشكل المبهر في استقطاب عشرات الألوف من الأعضاء الفاعلين ومئات الألوف، إن لم يكن الملايين، من المتعاطفين، لولا البيئة الثقافية الدينية الإسلامية المتخلفة التي بنتها ورعتها الاختلافات المذهبية العبثية والصراعات الطائفية عبر القرون. وقد استطاع بعض الأنظمة السياسية وبعض الأحزاب السياسية الإسلامية، وعدد كبير من رجال الفقه المتزمتين الجهلة وأعداد متنامية من وسائل الإعلام البصرية والسمعية ومناهج دراسية مزوِّرة للتاريخ والفقه، استطاعوا جميعاً رعاية ونشر تلك الثقافة الفقهية الملوءة بالأحاديث النبوية الموضوعة، وبفهم بعض شيوخ وعلماء الفقه الخاطئ لروح الإسلام ومقاصده الكبرى.
اليوم تسلط الأضواء على الكثير من مصادر ذلك الفقه لتحليله ونقده ومحاولة تصحيحه وتجاوزه في شكل محاولات جادّة يقوم بها باحثون وكتاب موضوعيون صادقون في غيرتهم على دينهم الحقيقي الذي تشوّه كل ما فيه من سمو وروحانية وكرامة إنسانية جماعات تريد قلبه إلى دين بدائي بربري لايمّت بأية صلة لدين الحق والقسط والرحمة والتسامح الذي أوحى إلى نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم.
إلى هنا والصورة واضحة تحليلاً وأسباباً وأيادي خفيّة تشعل نيران الفتن والصراعات.
لكن هناك جوانب لابد من طرح الأسئلة بشأنها بكل صراحة ومن دون أية مجاملة. هذه الجوانب تتعلق بالأدوار الخفيّة التي تلعبها بعض الأنظمة وبعض جهات الاستخبارات العربية. ذلك أنه من غير المعقول أن تنجح بعض دوائر الحكم والاستخبارات الأجنبية والصهيونية ذلك النجاح المبهر في إدخال كل الأرض العربية في نيران الجحيم الذي تعيشه الأمة العربية، من دون أن تحصل على مباركة أو مساعدة أو تنسيق من قبل بعض الجهات الرسمية والاستخبارية العربية. حتى إن البعض من الكتّاب والمعلّقين والإعلاميين الغربيين ذكروا أن بعض الاستخبارات الأجنبية تشتري السلاح لبعض التكفيريين من خلال جهات عربية.
كما ما عاد بخاف أن بعض الجهات الاستخباراتية العربية، في بعض الدول العربية، تعرف بالاسم الكثير من أعضاء الفصائل الإرهابية المجنونة الجاري غسل أدمغتهم وتدريبهم، وتعرف أيضاً المتعاطفين والمناصرين من السياسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ومع ذلك تكتفي، كما تدّعي، بمراقبتهم فقط.
هذا الدور العربي ماعاد بالإمكان تجاهل غموضه، إذ إن بعضه، بقصد أو من دون قصد، لايساعد على تأجيج نيران الجهاد التكفيري المتوحّش المجنون فقط، وإنّما يساعد على تدمير مجتمعات وأقطار عربية أيضاً، باسم مساعدة هذا الشعب العربي أو ذاك، أو رفع لواء الديمقراطية في هذا القطر العربي أو ذاك. إنها ألاعيب الانتهازية السياسية في بلاد العرب وهي تحرق الأخضر واليابس.
الجانب الآخر الذي آن أوان طرحه أيضاً، يتعلق بوقوف المجتمع المدني العربي كجهة سلبية متفرّجة على كل مايجري من دون أن تنتقل إلى مرحلة الفعل النضالي على المستوى القومي لمواجهة هذا المرض الذي أنهك جسد الأمة ويهدّد بتهميشها خارج العصر والتاريخ.
هذا موضوع معقّد للغاية، ولكن أن توجد إمكانية اختفاء على الأقل أربعة أقطار عربية، لتصبح كيانات طائفية أو عرقية، ومع ذلك لا توجد حتى محاولة تكوين تيار أو جبهة من القوى المدنية العربية المواجهة، على كل المستويات وبشتّى الوسائل الكثيرة الحديثة المتوفرة، لهذا السقوط السياسي والأخلاقي والأمني والاقتصادي الذي يعيشه الوطن العربي، فإن ذلك ينبئ بالفعل بقرب موت الأمة. نحن لانبالغ على الإطلاق. فالخطر هائل وشبه محقق.
إن حالة كهذه تعيشها الأمة على مختلف المستويات الرسمية والسياسية والشعبية، لن تتمكن من دحر قوى الجهاد التكفيري العنفي الأحمق.
هذه القوى لن يدحرها الا تحرّك المجتمعات العربية نحو الوعي والفعل وقبول التحدّي. عند ذاك لن تستطيع هذه الجهة العربية أو تلك الوقوف مشلولة، أو متآمرة، أو متجاهلة، بينما تمتد الحرائق كل يوم ويسرح المجرمون في أرض العرب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 42 / 2165435

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165435 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010