الثلاثاء 30 حزيران (يونيو) 2015

الإخوان المسلمون والسيسي.. هل نتيجة المعادلة صفر؟!

الثلاثاء 30 حزيران (يونيو) 2015 par صالح عوض

مرة أخرى أشعر بثقل الواجب على ضميري وأن روحي تختنق فيما أشاهد ما تجري الأمور عليه في مصر، سواء في سيناء حيث يتجندل شباب الجيش المصري الأبرياء في دمائهم وتفجّر مركباتهم وتتعرض كمائنهم لغارات، أو في المحاكم المستعجلة، حيث يصار إلى مذبحة كوادر وقيادات الاخوان المسلمين لم يمرّ في تاريخ العرب لها مثيل.. وفي الشوارع استنفار الأجهزة الأمنية، وفي السجون والمنافي، حيث يتم تعطيل طاقات مهمة من شباب مصر واقتصادها وكوادرها..

في مصر مكونان كبيران يتصادمان.. الاخوان المسلمون أقوى تنظيم وأكثر حزب يحتوي كوادر علمية وطاقات بشرية وأفراد ينتمون إليه فهو القوة السياسية الاجتماعية الأوسع انتشارا ولها امتدادات فاعلة خارج مصر، هذا كجزء من المكونات السياسية المصرية.. والجيش المصري الأكثر تنظيما واعدادا في جيوش العرب، وهو الجيش المتبقي في المشرق العربي بعد انهيار الجيش العراقي ومأزق الجيش السوري وورطته الكبرى.. تبقّى الجيش المصري في المشرق كله، وهذا يعني أنه القوة العربية المنظمة الوحيدة التي ظلت في مواجهة الكيان الصهيوني المدجج بالعسكرة وتفوقها.. وهو بهذا الاعتبار جيش مصر كلها، بل وجيش العرب كلهم..

من هنا نستطيع القول أن تدمير الاخوان المسلمين في مصر بتشتيتهم وملاحقتهم والزج بقادتهم وكوادرهم في السجون وإلحاق الأذى بأسرهم ومستقبلهم.. إن هذا بمثابة خسارة فادحة تلحق بمصر وبمستقبلها التي هي بحاجة بلا شك لجهد كل أبنائها وطاقتهم، وهو خسارة حقيقية أيضا بضرب المجتمع في شريحة واسعة منه، حيث ستمس الاجراءات التي تطال الاخوان قطاعا كبيرا من الشعب المصري يمثلون أهلهم وذويهم بالاضافة إلى المنتمين إلى تيارهم.. وفضلا عن هذا لن يكون سبيل الاقصاء من مسرح الحياة إلا استدعاء قويا لقدوم الشر وانتشار روح الثأر والعمل العنفي، وتولد مجموعات مسلحة متشددة مسكونة بالقتل والثأر.. وهذا من شأنه استنزاف البلد وإنهاء دورها الاقليمي وتكون فرصة للأعداء الإقليميين والدوليين لاختراق الجبهة الداخلية وتأليب المصريين على بعضهم..

ونستطيع التأكيد على أن الجيش المصري، وهو ليس حزبا بل ملك لكل المصريين، هو المؤسسة المصرية الأكثر تنظيما والأكثر مسؤولية، وهو كذلك قد وُلد في أتون الصراع مع الكيان الصهيوني، وتراكمت تجارب حروبه ضد الكيان الصهيوني، ومن العبث صرفه بعيدا عن وظيفته في حماية البلد وصونها ومن العبث والتصادم معه في محاولة لتغيير عقيدته العسكرية.. من العبث محاولة تقزيمه لأنه عماد الوطن وسيفه.. فلا شرعية لحاكم في مصر إن لم يكن الجيش مؤيده ولا يُحتجّ بأن يقال إن أصوات الناخبين هي الشرعية فهذا كلام فارغ لا قيمة عملية له.. إن الجيش المصري هو من يمتلك أهم ركن قوة في المجتمع المصري وله الاعتبار الأكبر والتفاهم معه أولى.. إنه جيش مصر وأبناؤه مصريون وهم من يمنح مصر الهيبة والقوة أمام صلف اسرائيل، ولا ينبغي تعريض قوته للاستنزاف ووجهته إلى الارتباك.

انطلاقا من هذين المعطيين الواضحين نطل على الواقع.. فلقد تم عزل الرئيس المصري محمد مرسي بعد توتر داخلي شل البلد وأوصل الأمور إلى احتقان شديد، وقد أصبح واضحا أن هناك تناقضات في استراتيجية الأمن القومي للبلد بين الرئيس وجيشه، وهنا ليس مفيدا توزيع المسؤوليات والتهم وتبيان أحجامها.. المهم انتهى المشهد بأن جمع قادة المؤسسات الأمنية والعسكرية معظم الأحزاب المصرية والأزهر والكنيسة ومعهم المؤسسة الاعلامية ليعلنوا جميعا بيان عزل الرئيس محمد مرسي وتعليق الدستور ووضع خريطة للطريق.. ومنذ تلك اللحظة يصمم الاخوان على رفضهم لهذه الاجراءات ويصرون على عودة الرئيس محمد مرسي للحكم وحركوا التجمعات والمظاهرات والاحتجاجات في الجامعات والمساجد والشوارع.. وسارت الأمور في مصر لانتخابات توج بموجبها عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر.

قبل أيام قليلة ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابا في إفطار جماعي أمام مشهد كبير من نخب المجتمع المصري، وألمح إلى أنه مع أن يسهم الجميع في بناء البلد، وأن المفروض فقط إرغام الناس وقهرهم من خلال أية جهة كانت.. الخطاب في مجمله يوجه رسالة واضحة بفتح باب التصالح الداخلي.

بلا شك يملك الرئيس السيسي أقوى الأوراق الآن في مصر ويملك أن يتخذ إجراءات لتنفيس الاحتقان والإفراج عن عشرات الألاف من الاخوان المسلمين وإيقاف حملة التحريض الاعلامي عليهم وإيقاف مذبحة القضاء التي أساءت لمصر وقضائها وفتح باب للمصالحة.. وبلا شك يمتلك الإخوان الإعلان عن توقفهم عن المطالبة بعودة الرئيس مرسي لأن هذا لم يعد مطلبا شرعيا، بعد أن فرض الجيش أمره وانفض معظم الناس عن الاخوان.. وبلا شك يملك الاخوان أن يفتحوا باب الحوار مع المؤسسة العسكرية والتفاهم معها من جديد على قواسم مشتركة وعلى ثوابت الأمن القومي المصري.. وأن يتم التوجه إلى انتخابات برلمانية توحّد المجتمع في عملية بناء مؤسسات متكاملة متجانسة.. ولكن هذا لم يتم ولا أتوقع أن يتم مباشرة.

من هنا يتضح لنا أن الأمور تسير إلى احتمال سيء وأن تكون نتيجة المعادلة صفرية، ذلك إن لم يتم تدارك الأمور والخروج من المأزق بحكمة وروح متصالحة تجمع البلد بكل مكوناته ودمل الجراح ورتق الخرق.. فمن يبادر للقيام بهذا الواجب الكبير والمهمة المقدسة؟

إن مصر هي البلد العربي الأكبر والأكثر استراتيجية في موقعه الجيوسياسي، وإن تضعضع تجانسها ألقى بثقله على دورها الذي أصبح غير واضح الملامح والفعل.. ومصر تقف في وجه المشروع الصهيوني سدا منيعا ونذكر من جديد بجيشها.. فمن ينهض من العرب مسؤولين وغير رسميين للقيام بوساطة حريصة غيورة لفك الاشتباك وإخراج مصر من الدوامة..؟ ليس من قيمة لأولئك الذين يهيجون مشاعر الإقصاء والمواجهات العنفية.. القيمة الحقيقية فيمن يخرج مصر من احتمالات لن تكون إلا في صالح العدو الصهيوني والادارات الاستعمارية..

أجل نحن في انتظار مبادرة سريعة جادة حكيمة تقنع بمنطقها الجميع في مصر بضرورة الخروج من المأزق وبضرورة تقديم تنازلات من أجل وحدة الصف الوطني في مصر.. مبادرة باعثها الحرص على مستقبل الأمة والخوف على مصر.. إننا بلا شك بحاجة إلى مصالحة وتوافق فمن يتحمل المسؤولية؟ السؤال هنا للرسميين وغير الرسميين. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 77 / 2165549

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165549 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010