الخميس 25 حزيران (يونيو) 2015

الحكومة الفلسطينية والسيناريوهات الثلاثة

الخميس 25 حزيران (يونيو) 2015 par هاني المصري

أصبح تشكيل الحكومة الفلسطينية «فزّورة» مثل فوازير رمضان. فقد بدأت القصة بُعيد تشكيل الحكومة عندما لم تستطع الإقلاع بسبب الخلافات داخلها، وفي ظل وجود حكومة موازية لها في قطاع غزة، ولأن أي حكومة تحت الاحتلال وفي ظل القيود المترتبة على «اتفاق أوسلو»، لن تستطيع أن تحكم. فالحكم بيد الاحتلال، وما تبقى من فتات «شؤون إدارية وخدمية» يقرر به الرئيس، وليس الحكومة التي هي مجرد واجهة لا أكثر.
وقد شهدنا فصولًا من القصة إثر الجولات «السياحية» التي قامت بها الحكومة لإثبات وجودها في قطاع غزة، والتي انتهت بمحاصرة الوزراء وتقييد حركتهم على خلفية الخلاف حول الموظفين المستنكفين بقرار والموظفين الذين عينتهم «حماس»، إلى أن تقدم نائب رئيس الحكومة، وزير الاقتصاد، بالاستقالة، بينما غاب النائب الآخر عن العديد من الاجتماعات من دون تقديم استقالته، بعد فشل مساعيه للتوفيق بين الحكومة والحكومة الموازية.
بعد ذلك، شهدنا فصولًا جديدة بإعلان الرئيس في اجتماعات المجلس الثوري أن الحكومة ستستقيل خلال أربع وعشرين ساعة، وأعلن مستشاره في اليوم التالي عن استقالة حكومة رامي الحمد الله، وأكد أن الرئيس كلّفه بتشكيل حكومة أخرى، ثم نفى الناطق المعتمد باسم الرئيس استقالة الحكومة، وأعلن أن الأمر برمته أُحيل إلى اللجنة التنفيذية للبت فيه.
في ضوء ما سبق، هناك سيناريوهات مُحتملة عدة لشكل الحكومة القادمة:
السيناريو الأول: أن تستمر الحكومة بصورتها الحاليّة، ولكن بتغيير بعض الوزراء الذين على خلاف مع الحمد الله، وإضافة وزراء جدد لإنهاء ظاهرة تسلم وزراء أكثر من حقيبة وزارية، وهذا السيناريو قابل للحدوث لأن الحكومة الحاليّة مستمرة، لم تُقل ولم تَستَقل كما تبين بعد كل ما حصل.
العقبة التي تحول دون حصول هذا السيناريو تتمثل بالحاجة إلى مواقفة «حماس»، لأن الحكومة إذا ما عُدِّلت من دون موافقتها، فإننا سنعود إلى نقطة الصفر، وستشكل «حماس» في هذه الحالة حكومتها أو هيئة وطنية لإدارة القطاع، الأمر الذي يفسح المجال لتحول الانقسام إلى انفصال، وسيعزز من احتمال إقامة «دويلة» غزة، وفرص عقد صفقة أمن وهدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار. وتبقى موافقة «حماس» ممكنة إذا أعطيت شيئًا مثل صرف رواتب موظفيها ودمجهم في الهيكل الوظيفي للسلطة.
السيناريو الثاني: تشكيل حكومة من «منظمة التحرير» بمشاركة بعض المستقلين، وهذا يعني أن دور «فتح» في الحكومة سيكبر، ويمكن أن تلعب الحكومة في هذه الحالة دورًا سياسيًا أكبر (مثلًا في المفاوضات إذا تم الاتفاق على استئنافها، لا سيما بعد إبداء الحمد الله مرونة حيال شروط استئنافها).
والعقبة أمام هذا السيناريو أن «الجبهة الشعبية» حتمًا، وربما «الجبهة الديموقراطية» و «حزب الشعب»، لن يشاركوا في هذه الحكومة لأنهم دعوا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا إن حصل سينزع عنها الغطاء السياسي وسيحدث خلافًا بين فصائل المنظمة، وسيعزل حركة «فتح» التي ستبدو في جهة مع فصائل ليس لها أي تمثيل يذكر. كما أن هذا السيناريو يعني تكريس الانقسام وتعميقه وعودته إلى نقطة الصفر وربما أقل منها.
السيناريو الثالث: تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية، وإذا كانت برئاسة الرئيس يكون الوضع أفضل. ومثل هذه الحكومة ستكون قادرة أكثر من غيرها بكثير، وعلى التعامل مع التحديات والتهديدات الخارجية والداخلية، وعلى توظيف الفرص وتقليل الخسائر والأضرار، إضافة إلى قطعها طريق إقامة «دويلة» غزة والدولة «المؤقتة» بالضفة. ولكن ما يحول دون تشكيل مثل هذه الحكومة عقبة الالتزام بشروط «اللجنة الرباعية» الدولية، وإصرار الرئيس مثلما أخبر لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، بأنها «لن تتضمن إلا أطرافًا تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف وتوافق على مبادئ الرباعية، وبالتالي فهي لن تضم حركة حماس»، وأن الحكومة يجب أن تكون حكومته، بمعنى أن برنامجها برنامجه.
ومع ذلك قال فابيوس إن الرئيس أبو مازن أبلغه بأنه سيحاول تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي فإن مسألة العلاقات مع هذه الحكومة يمكن أن تُطرح، أي إذا وافقت الفصائل على شروط «الرباعية» فستكون الحكومة حكومة وحدة وطنية، وإلا، فلا.
حجة الرئيس تبدو للوهلة الأولى قوية، وهي أن تشكيل حكومة لا تلتزم بالتزامات «أوسلو» سيعرضها للمقاطعة الدولية والأميركية، وربما الأوروبية، وإلى العقوبات والعدوان الإسرائيلي، ولكنها حجة تنهار أمام حالة التشظي والانهيار التدريجي التي تواجهها السلطة إذا ما استمرت ضمن دائرة الالتزامات الراهنة، وآخر دليل على انتزاع صلاحيات السلطة، يتمثل بالطريقة التي تعامل بها الاحتلال مع التسهيلات والتصاريح التي بدت فيها السلطة مجرد وكيل ثانوي لا يعرف ولا يقدر على معارضة ما يقرَّر له.
لدى أبو مازن حجة وجيهة جدًا يمكن أن يستخدمها للدفاع عن تشكيل حكومة وحدة وطنية إن أراد، وهي أن إسرائيل عقدت مع «حماس» صفقة تبادل الأسرى واتفاقات التهدئة، وتجري منذ فترة مفاوضات بين «حماس» وإسرائيل ـ وإن بشكل غير مباشر عن طريق طرف ثالث ـ للاتفاق على هدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار، ما يعني أن «حماس» تفاوض إسرائيل، وعلينا ألا نخضع لمطالبها بعدم مشاركة «حماس» في الحكومة كون المصلحة الوطنية تقتضي ذلك. ولاحتواء ردود الأفعال، يمكن أن يتضمن برنامج حكومة الوحدة، إضافة إلى الحفاظ على الحقوق الوطنية، الاستناد إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
يمكن أن تكون حكومة الوحدة الوطنية حكومة الدولة الفلسطينية التي اعترف بها العالم، ويمكن أن تساعد على إنهاء الانقسام إذا جاءت كخطوة في سياق تطبيق شامل لـ «اتفاق القاهرة»، إذ سيكون هناك طرف واحد يتحدث باسم الفلسطينيين، وهو ما سيقويهم على المستويات والأصعدة كافة، وفي حالتي المجابهة أو المفاوضات.
إن تشكيل حكومة وحدة وطنية صعب لأنه يهدد جماعات مصالح الانقسام التي نمت وترعرعت وازدادت نفوذًا وثروة. كما أنه يمس بنمط العلاقات التي تربط الأطراف الفلسطينية مع الأطراف والمحاور والجماعات العربية والإقليمية والدولية، وسيهدد نظام السيطرة الفردية على مختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني في ظل تغييب جميع المؤسسات في السلطة والمنظمة، فضلًا عن فقدانها الشرعية لانتهاء الفترة القانونية للمؤسسات المنتخبة وعدم اعتماد المقاومة والوفاق الوطني كأساس للشراكة وتجديد المؤسسات الأخرى في المنظمة، إلى حين التمكن من إجراء الانتخابات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2176657

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176657 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40