الأربعاء 24 حزيران (يونيو) 2015

عملية القدس... التصاريح... وكيّ الوعي الفلسطيني

الأربعاء 24 حزيران (يونيو) 2015 par راسم عبيدات

دائماً وأبداً، نبّهنا وحذرنا إلى أنّ ما أحدثه «أوسلو» من اختراق جدي وخطير في الوعي الفلسطيني، والاحتلال بعد أوسلو نجح في إحداث اختراق واحتلال لوعي جزء لا يستهان به من شعبنا الفلسطيني، إذ أن أوسلو والذي شكل النصر الثاني لدولة «إسرائيل» بعد النكبة بلغة ثعلب السياسة «الإسرائيلية» شمعون بيريز، نجح في تقسيم الأرض والشعب، هتك وفكك ودمر نسيجنا المجتمعي، فأوسلو جعل من السلطة الفلسطينية «بلدوزر» التطبيع على المستوى الرسمي، تحت يافطة وذريعة لغة وثقافة السلام، ثقافة جرى فيها دفن الكثير من المصطلحات، حتى غدا الحديث عن دولة الاحتلال باسم الطرف الآخر، وكذلك جرى تقزيم الجغرافيا الفلسطينية والسطو على التاريخ والتركيز على احتلال الوعي الفلسطيني من أجل كيّه وتشويهه، وكذلك السيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا الفلسطيني.

مليون مرة حذرنا من مخاطر التطبيع على المستوى الشعبي، حيث نشهد «تسونامي» تطبيعياً يركز على مدينة القدس على وجه التحديد، والمأساة هنا أن هذا التطبيع ترعاه وتحتضنه جهات رسمية فلسطينية، وسلوكها وتصرفاتها ومواقفها تشكل سنداً يتكئ عليه البعض فلسطينياً، لكي يجد الذريعة والحجة والتبرير، لما يقوم به أو يقدم عليه من أنشطة ولقاءات تطبيعية يغلفها بغلاف مصلحة الشعب الفلسطيني.

ما حصل ويحصل في الساحة الفلسطينية من اختراق خطير لجدار الوعي الفلسطيني، هو نتاج بالأساس لـ«نعم» أوسلو التدميرية، ولكن في المقابل فشلت القوى الأخرى المعارضة في بناء جدار وعي مقاوم، ولم تبذل جهود جدية وحقيقية على طريق مقاومة نهج وثقافة التطبيع، ولم تحصن فكرياً ولا ثقافياً ولا عقائدياً ولا سياسياً أبناء شعبنا وبالذات الشباب منهم ضد مخاطر ثقافة التطبيع واختراق واحتلال الوعي.

في ظل مثل هذه الحالة، وفي ظل وضع داخلي فلسطيني ضعيف ومفكك ومنقسم على ذاته، تغلب أطرافه مصالحها على المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتمارس التحريض ضد بعضها البعض أكثر من تحريضها ضد الاحتلال، وفي ظل غياب أي رؤية أو استراتيجية فلسطينية لكيفية رد على إجراءات وممارسات الاحتلال، ليس فقط في الإطار الشمولي، بل في قضية كقضية تصاريح شهر رمضان المبارك، والتي عبر عنها الاحتلال بأنها «تسهيلات» لسكان الضفة الغربية لدخول القدس والداخل الفلسطيني 48 -، تسهيلات له فيها أسبابه وأهدافه الاقتصادية والسياسية، وكذلك نقل المعركة والخلاف للبيت الفلسطيني، حيث رأينا كيف تخبطت السلطة في ما يخص تسلم وعدم تسلم التصاريح، وكذلك لم يجرِ وضع خطة منظمة من قبل محافظة ووزارة شؤون القدس ولا للغرفة التجارية ولا القوى ومؤسسات المجتمع المدني لكيفية التعاطي مع هذا الكم البشري الهائل من أهلنا وشعبنا الذي قد يكون جزء منه أول مرة يسمح له بالوصول للقدس والداخل الفلسطيني-48 -، لكي يستفاد منه ليس كقوة شرائية كبيرة تنعش الوضع الاقتصادي، من خلال التعميم والطلب من التجار أن تكون أسعارهم معقولة ومقبولة، وأن يتم إرشادهم وترتيب سياحة داخلية لهم في المدينة بكل معالمها وأماكنها دينية وتاريخية وأثرية وغيرها.

لم تمض أربعة أيام على الشهر الفضيل، حدثت عملية طعن لجندي حرس حدود من شرطة الاحتلال في باب العامود، والعملية جاءت في إطار الصراع القائم والمستمر مع الاحتلال، إذ أن حالة الاحتقان من ممارسات الاحتلال ومستوطنيه في المدينة من قمع وإذلال للمقدسيين ودعوات مستمرة واقتحامات للمسجد الأقصى حتى في الشهر الفضيل، ومنع للشبان من أمثال المنفذ للعملية في شهر رمضان من الوصول للمسجد الأقصى، تشكل عوامل ضغط وانفجار.

المهم حدثت عملية الطعن، ولكن المسألة ليست هنا وفي رد الفعل «الإسرائيلي»، والتي نعرفها جيداً، نعرف الاحتلال وسياسة عقابه الجماعي، حيث أقدم نتنياهو على إلغاء تصاريح قرية سعير في الخليل التي ينتمي إليها منفذ العملية، وكذلك إلغاء تصاريح الخروج من مطار اللد لـ500 فلسطيني وإجراءات عقابية أخرى تطاول منفذ العملية.

الخطورة ليست هنا، ولكن الخطورة في العديد من التعليقات وردود الفعل السلبية والمسيئة من قبل البعض فلسطينياً، وخصوصاً من قبل شباب غير واع لخطورة تصرفاته، أو انحدار مستوى وعيه وفهمه. فالمسألة الخطيرة هنا، أن يصبح البعض منا فلسطينياً على قناعة بأن «التسهيلات» والقضايا الاقتصادية والمعيشية أهم من القضية الوطنية، وهذا مترتب خطير جداً وهو مقايضة الوطني بالمعيشي والاقتصادي.

صحيح، هناك خلل جوهري وغياب كلي للمحافظة ووزارة القدس في هذه القضايا، أي غياب للسلطة ومعها القوى والأحزاب، ولكن الأخطر هنا ما يجرى من إعادة صياغة و«تجليس» و«كيّ» للوعي الفلسطيني، جزء منه نتاج سلوك وممارسات السلطة، والجزء الآخر هو نتيجة غياب وفشل القوى الأخرى في بناء وتحصين أبناء شعبنا بوعي مقاوم، وعي يتسلح بحقوق شعبنا وثوابتنا الوطنية، وعي يبنى على أساس انتماء وطني وليس قبلياً أو عشائرياً، وعي يقوم على مقاومة ما يقوم به الاحتلال من اختراق وتفكيك وكيّ.

إننا بحاجة إلى رؤية واستراتيجية جمعيتين في ظل ما يجري وما جرى، بناء ثقافة ووعي مقاومين، من خلال عمل جاد ودؤوب لمقاومة كل دعاة نهج التطبيع وتشويه الوعي الفلسطيني، ورفع درجة المقاومة بفضح وتعرية ومقاطعة كل القائمين على هذا النهج والخيار والحاضنين له في أي مستوى كان، وكذلك تعزيز عملية المقاطعة الاقتصادية لبضائع ومنتوجات الاحتلال والتسوق من محاله و«مولاته» التجارية، ضمن رؤية شمولية تعيد الثقة للمواطن ليس فقط بالمنتوج والبضاعة المحلية أو البديلة، ولكن المهم أن يكون لدى التاجر وعي وانتماء وقناعة بضرورة أن يتشارك مع المستهلك في عرض وبيع بضاعة منافسة وبسعر مقبول، تشكل حافزاً لاستقطاب المستهلك والمشتري.

لا يجوز أن تبقى الغرفة التجارية مجرد يافطة تتفرج على الوضع القائم، وكذلك وزارة ومحافظة شؤون القدس.

ولا يجوز أن تغرق اللجنة التنفيذية في سبات عميق، فما حدث بعد عملية الطعن في باب العامود ناقوس خطر جدي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165631

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع راسم عبيدات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165631 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010