تحرير فلسطين ليس أوانه

التنظيمات التكفيرية المتطرفة مثل «داعش» و«النصرة» وغيرهما، صنعتها الدوائر الغربية واستفادت منها في أفغانستان. هذه لا تشكل خطراً على العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس فحسب، وإنما سيمتد هذا الخطر إلى الدول العربية وإلى عموم المنطقة. إن آخر خريطة أعلن عنها «داعش» هي أن دولته ستمتد إلى مناطق في العراق وسوريا وستشمل الكويت والأردن وفلسطين ولبنان، هذا ما يقولونه هم. بالتالي فإن خطر«داعش» هو خطر عام، ولذلك فإن الأمة العربية بكل شعوبها وقواها الوطنية مطالبة بتوحيد الجهود، على مبادئ عامة وعلى أسس من الثوابت عناوينها: الدفاع عن وحدة الأراضي العربية، ومجابهة المخططات الاستعمارية والصهيونية «الإسرائيلية» للمنطقة.
مطلوب أيضاً تنسيق في مواجهة المشروع الاستعماري الهادف إلى إرجاع العالم العربي قروناً إلى الوراء وإلى تمزيق دوله وتفتيتها ومن أبرزها: حفظ أمن الكيان الصهيوني وتحقيق أهدافه في السيطرة الكاملة على المنطقة، ف«داعش» و«النصرة» وغيرهما، إن لم يجر لجم مخططاتها وإفشالها ربما ستكون في طريقها إلى التحول كقوى يصعب السيطرة عليها مستقبلاً. هذه التنظيمات لم توجد لتحرير فلسطين بالطبع، ففلسطين آخر همها، لذا لم ولن تطلق هذه الجماعات طلقة واحدة باتجاه العدو الصهيوني.
دعوات ما يسمى «الجماعات الإسلامية» العربية الموجودة حالياً، وكذلك الجماعات المتطرفة التي تتغطى بالإسلام، إلى الجهاد في فلسطين بين الفينة والأخرى، كان ممكنًا تصديقها لو جرت وتجري ترجمتها واقعاً فعلياً على الأرض! لكننا «نسمع جعجعة ولا نرى طحنًا». يقول الله تعالى في كتابه العزيز : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم، لا تعلمونهم، الله يعلمهم...)، ويقول: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم» ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)، وعنه رُوي ما معناه: إن ليلة جهاد خير من ألف ليلة يصليها ويصومها صاحبها!. إن الأولى بالجهاد في سبيله الأقصى و فلسطين ، وليس أي بقعة أخرى.

الذي يجري.. حفر الأنفاق تحت الأقصى من أجل تهويده، وإقامة الهيكل في مكانه. الأقصى يستنجد بالمسلمين ولا من مجيب! في زمن العزة والكرامة جهّز المعتصم جيشًا لإغاثة امرأة صاحت: وامعتصماه!. في زمن الهزيمة استغاث الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. «واعرباه».. كلمة تخرق آذان المسلمين جميعا ولا يلتفت إليها أو يسمعها أحد من القادرين على تنظيم الفعل!، على صعيد آخر، فإن ما يسمى الأحزاب الإسلامية التي تسلمت السلطة في بلدانها، لم تغيّب تحرير فلسطين (كما نادت دائمًا) من النهر إلى البحر فحسب! بل حتى أهملتها.
من الواضح، أن النقلة النوعية في موقف الإسلاميين، خضعت لعملية الانتقال في تلك الدول ارتباطًا بالانتقال من موقع المعارضة إلى موقع تسلم السلطة. بالتالي نحن أمام تحول يتجاوز حدود التكتيك السياسي إلى المس بالأسس الاستراتيجية في النظرة إلى «إسرائيل».
النقلة ما كانت لتتم لولا وجود استعداد نظري فكري قبلاً للمواقف الجديدة. ينسب موقع «إسلام أون لاين» - وهو موضع ثقة - إلى القيادي الإخواني في مصر د. عصام العريان أقوالاً نشرت (يوم 5-10-1428ه أو 17-10-2007م) يتناول فيها الاعتراف ب «إسرائيل» ويقول «حزب الإخوان المسلمين سيتعامل مع «إسرائيل» عبر واقعية سياسية تتفق مع الواقع القائم،الذي يرى أن «إسرائيل» دولة قائمة ولها وجود على أرض الواقع، وبالتالي سيتعامل مع الواقع السياسي في هذه الظروف». أما بالنسبة لمسألة (المعاهدة المصرية «الإسرائيلية») في عهد السادات «فينفي العريان نية الحزب أن ينقض اتفاقية كامب ديفيد من خلال القول» لن يحدث ذلك بل سيحترم الحزب كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية بما فيها كامب ديفيد». بالفعل هذا ما حرص الرئيس الأسبق مرسي على قوله خلال خطابات عديدة له، بعد تسلمه منصب الرئاسة من بينها رسالته الشهيرة إلى بيريز التي استهلها بكلمة «صديقي العزيز». معروف أيضاً أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي (ذو الاتجاه الإسلامي) ومن خلال وساطات ونقل رسائل، قام بها الفيلسوف الصهيوني الفرنسي برنارد هنري ليفي، خاض نقاشات عديدة مع الجانب «الإسرائيلي» عنوانها: تطمينات ليبية إلى «إسرائيل»، والوعود بإقامة علاقات جيدة بين البلدين.
جماعات إسلامية راديكالية أخرى (حزب التحرير) مثلاً يرى (وجوب إزالة «إسرائيل») ولكن هذه القضية مؤجلة لما بعد إقامة وهم «الخلافة »! والسؤال هو لأصحاب هذا النهج: فيما لو لم تتم إقامة الخلافة إلا بعد عقود زمنية أو أكثر، هل من الطبيعي ألا يقوم العرب (والفلسطينيون تحديداً) بمقاومة الكيان، الذي يعتدي على الفلسطينيين في كل يوم، وعلى العرب جميعًا، ويدنّس الأماكن المقدسة إسلامية ومسيحية؟ الكيان، هو الذي يرتكب المذابح ضد الفلسطينيين والعرب في كل يوم! هل من الطبيعي السكوت على جرائمه في تهويد القدس وتقويض الأقصى.. وبينما «إسرائيل» هي التي فرضت (وما تزال تفرض) الحروب والاستيطان ومصادرة الأراضي والاغتيالات والاعتقالات وكافة الجرائم التي ما أنزل الله بها من سلطان! هل ندير لها الخد الأيسر بعد أن تصفعنا على الأيمن؟.
الجماعات والمنظمات التي تتلفع بالإسلام، تدّعي الإيمان بأهمية تحرير فلسطين، لكن مهمة تحريرها، ليست آنية، بالنسبة إليها، فلا جهد يبذل من قبلها على هذا الصعيد في المرحلة الحالية، وهو الأمر الذي يُلقي مشروعية على التساؤلات الكثيرة في الأوساط الجماهيرية، حول أولوية النضال ضد الكيان من قبل هذه الجماعات!. لماذا لا تمارس هذه الجماعات النضال الفعلي ضد «إسرائيل»؟ لماذا تلتهي بمعارك جانبية بدلاً من المعركة الوجودية الأساسية مع الكيان؟ متى سيأتي دور فلسطين على جدول أعمال هذه الجماعات؟ هل تكتفي فقط بالأقوال!؟.
انعدام الرؤية الموحدة أيضاً، ترك تأثيراً كبيراً في سهولة الإيقاع بالكثير من هذه الجماعات في مجرى التأثر السياسي السلبي بإبراز التناقضات المذهبية والطائفية فيما بينها، وبين أصحاب الديانات، والمذاهب الأخرى في المنطقة العربية، لذا اتخذت هذه التناقضات نهجاً رئيسياً تناحرياً، بدلاً من المعركة الأساسية مع «إسرائيل»، التناقضات الدينية والمذهبية وصلت إلى مرحلة نخرت فيها وحدة النسيج الاجتماعي في المجتمعات العربية، الأمر الذي أدى إلى تقسيم فعلي لبعض الأقطار العربية. هذا الهدف وضعته الحركة الصهيونية والكيان وحليفتهما الأمريكية على رأس جدول الأعمال المتعلق بالمنطقة العربية من أجل تغييب وجهة الصراع الأساسية، وهي الصراع مع العدو الصهيوني. جملة القول أن فلسطين والواقع في واد، والحركات التي تدعي الإسلام من حيث النضال الفعلي المقاوم للكيان، في واد آخر!.