السبت 20 حزيران (يونيو) 2015

الخروج من المحنة

السبت 20 حزيران (يونيو) 2015 par د. عصام نعمان

نحن في محنة، فلا مجال لإنكار أو مخاتلة. المحنة تتبدى في ظاهرات خمس:
أولاها، انهيار النظام العربي بمعظم أركانه على نحوٍ لا يُرتجى معه أمل في استعادته، كاشفاً واقعاً ثقيلاً وشاملاً كثيراً ما تجاهله أوأغفله أهل السلطة كما أهل المعارضة في عالم العرب وهو وجود تعددية راسخة وواسعة ومرهقة تنطوي عليها أمتنا، وإن أهل السلطة كما أهل المعارضة تغافلوا عنها فما أقاموا أنظمة حكم تراعي خاصيّة التنوع والتعدّد. التغافل عن هذه الخاصيّة من جهة وقيام أنظمة تسلطية نتيجةَ التدخلات الخارجية من جهة أخرى شكّلا عاملين أساسيين في استشراء حال التخلّف في بلادنا العربية وفي قيام القوى الخارجية الطامعة باحتلال بعضها وإقامة أنظمة موالية أو تابعة في بعضها الآخر.
ثانيتها، سقوط بعض الأنظمة العربية أو تصدّعها رافقه اندلاعُ حروب أهلية عمّقتها اختلالات داخلية وتدخلات خارجية في ليبيا والعراق وسوريا واليمن. أما مصر، فقد تفجّرت فيها، وما زالت، اضطرابات أمنية عقب إزاحة الإخوان المسلمين من السلطة نتيجةَ انتفاضة شعبية ومساندةٍ مباشرة لها من القوات المسلحة.
ثالثتها، صعودٌ متسارعٌ لتنظيمات التيار الإسلاموي الإرهابي الذي تمكّن من انتزاع قيادة المعارضة من القوى السياسية المعتدلة نسبياً، والدخول في تحالفات ميدانية مع قوى خارجية، والسيطرة تالياً على مناطق واسعة في ليبيا والعراق وسوريا واليمن. وكان سبق ذلك انحسارُ مركزية القضية الفلسطينية في الحياة السياسية العربية، وتعذّر استكمال المصالحة الوطنية بين التنظيمات الفلسطينية المتصارعة، وانخراط بعضها في أنشطة إرهابية في مسارح الحروب الأهلية المحتدمة.
رابعتها، المخاوف من اتساع نفوذ إيران ما أثار مخاوف الولايات المتحدة على مصالحها. وعليه، تتصدى الولايات المتحدة لتنامي نفوذ إيران وبرنامجها النووي بعقوباتٍ اقتصادية وحصار مصرفي ثم بمفاوضات معقدة ترمي إلى عقد «اتفاق نهائي» معها يتضمن قيوداً وضوابط للحؤول دون تطورها إلى قوة نووية عسكرية وذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، في حين تحاول دول إقليمية الحدّ من توسّع نفوذ إيران.
خامستها، تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مع اتساع الحروب الأهلية في معظم الأقطار العربية ما أدى إلى ازدياد اثقال التخلف والمديونية العامة والفقر والمرض والبطالة والهجرة واكتظاظ البحار بقوارب الموت الملأى بالجياع النازحين إلى أوروبا وغيرها.
يتضح، في ضوء هذه الظاهرات، أن ثمة اختلافاً في تقويم مختلف الأطراف العربية والإقليمية والدولية، السياسية والأمنية، للتحديات الرئيسية التي تواجه العرب في هذه المرحلة. ومع ذلك، ثمة توافق على أن أبرزها ثلاثة: «إسرائيل» والإرهاب وإيران. فهل إن لبعضها، من حيث الفعالية والخطورة، ما يستوجب المواجهة قبل غيره؟ وفي حال استحق موجب المواجهة داخل الساحات القطرية أو على مستوى الأمة كلها، ما هي المبادىء والمرتكزات الأساسية الواجب اعتمادها في هذا المجال؟
أرى أن الأمة في حال مخاض، وهو مخاض عميق ومديد. غير أن ما يعتمل فيه من تفاعلات وتحوّلات يتطلّب توافق القوى الوطنية الحية على المهام المرحلية التي يقتضي النهوض بها وتحديد الآليات اللازمة لإنجازها على النحو الآتي:
أولى المهام الوطنية مواجهةُ الحرب الناعمة الشاملة (ذات الفصول الساخنة أحياناً) التي يشنّها المحور الصهيوني الامريكي ضد الأمة على مدى قارتها المديدة بقصد تحويل وضع التجزئة إلى حال من التفكّك والتفتّت المفضية إلى إحاطة «إسرائيل» نفسها بمجموعة من دويلات على أسس قبلية وطائفية واثنية، عاجزة تالياً عن بناء قوة عربية رادعة. آليةُ المواجهة تكون في تعزيز المقاومة ضد الصهيونية والعنصرية والقوى الخارجية العدوانية.
ثانية المهام الوطنية تكون بمواجهةُ حملة «إسرائيل» لتحويل الشقاق السني - الشيعي التقليدي صراعاً عرقياً . آليةُ المواجهة تكون بالتركيز على قضية فلسطين بما هي البوصلة المركزية لتحديد هوية الأعداء، وتوظيف الجهود اللازمة لمقاومتهم ودحرهم.
ثالثة المهام الوطنية مواجهةُ صعود الحركات الإسلاموية الإرهابية. آليةُ المواجهة تكون بمسارين متزامنين: الأول، إقامة تحالفٍ عربي عريض لردّ هجمات التنظيمات الإرهابية التكفيرية والمتعاونة مع القوى الخارجية الطامعة وإجلائها عن المناطق التي احتلتها، ولا سيما في محافظات العراق الغربية ومحافظات سوريا الشرقية، وذلك منعاً لقيام كيان - اسفين هناك يفصل سوريا جيوسياسياً عن العراق، والثاني تنظيمُ حوار جدّي بين القوى الوطنية الحية، أفراداً وجماعات، للتوافق على نهج لمقاومة التدخلات الخارجية كما على برامج الإصلاح الديمقراطي وحكم القانون والعدالة والتنمية.
رابعة المهام الوطنية توجيه سياسات الدول الغنية الى المشاركة في خطةٍ عربيةٍ متكاملة للتنمية الشاملة. آليةُ التوجيه تكون بالعمل السياسي والثقافي والنقابي الهادف إلى اعتماد الخطة المشار إليها، والإسهام الوازن في مشروعات التنمية العربية لتعزيز نهوض الأمة، اقتصادياً وتكنولوجياً وحضارياً، بغية ضمان مكانٍ لها ومكانة في العالم المعاصر.
خامسة المهام الوطنية مواجهةُ ضغوط الولايات المتحدة و«إسرائيل» وتركيا وحلفائها الرامية إلى التأثير في عملية إعادة تموضع مصر الاستراتيجي بقصد الحؤول دون استعادة دورها العربي والإقليمي. آليةُ المواجهة تكون في تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية العربية باتجاه إقامة اتحاد كونفدرالي وسوق مشتركة تدريجياً بين الدول الراغبة والقادرة، وإعادة تفعيل جامعة الدول العربية بغية بناء نظام إقليمي جديد يشكّل لاحقاً نواةً لاتحاد عربي شبيه بالاتحاد الأوروبي.
كل هذه المهام والآليات المقترحة تستوجب إعادة نظر شاملة بثقافتنا الماضوية السائدة، ثقافة الطاعة والامتثال، كما بالمقاربات والتكتيكات التي تضطلع بها حالياً القوى الوطنية في مختلف الأقطار العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178444

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178444 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40