الأربعاء 18 آب (أغسطس) 2010

تركيا أمام الاختبار الكبير

الأربعاء 18 آب (أغسطس) 2010 par سعد محيو

أكدت «فاينانشال تايمز» وثيقة الأطلاع أن البيت الأبيض، وعلى رغم نفيه العلني، وجّه بالفعل تهديداً لتركيا بوقف بيعها طائرات من دون ربّان، ما لم تُغيّر سياساتها إزاء «إسرائيل» وإيران.

التهديد، وفق ما ذكره للصحيفة مسؤول أمريكي رفيع، جاء خلال لقاء القمة الأخير بين أوباما وأردوغان. وهذه كانت خطوة غير مألوفة ومدروسة بدقة في آن.

هي خطوة غير مألوفة، لأن تركيا كانت طوال نيّف و70 عاماً إحدى الركائز الرئيسة للنظام الإقليمي الأمريكي «الشرق أوسطي». وحتى حين ارتدت بلاد الأناضول الحلّة الليبرالية الإسلامية ويممت وجهها صوب الشرق، لم يصدر عن واشنطن ماينم عن مضايقة وانزعاج. العكس كان صحيحاً.

كما أنه (التهديد) كان مدروساً بدقة، لأنه ضرب على وتر هو الأشد حساسية في الداخل التركي : العلاقة بين حكومة أردوغان ذات الميول الإسلامية والجيش التركي شديد العلمانية. ذلك أن التلويح بوقف صفقة الطائرات من دون ربّان المتطورة، قد يُثير لدى الجيش مخاوف عميقة من أن يخسر إمدادات الأسلحة الأمريكية إليه.

فهل تعمّدت واشنطن إثارة هذا الشرخ بين الحكومة والجيش؟ وإذا ماكان هذا صحيحاً، كيف ستتفاعل القوات المسلحة معها؟

الإجابة عن هذين السؤالين ستوضح طبيعة الأرض التي تقف فوقها تركيا هذه الأيام.

فإذا ما أسفرت الخطوة الأمريكية عن استئناف الصراع بين المدنيين والعسكريين، سيضع هذا حداً للتجربة العثمانية الجديدة، ويؤدي إلى شطر تركيا إلى تركيتين متصارعتين.

أما إذا بقي كل شيء هادئاً في الثكن العسكرية، فهذا سيكون دليلاً على أن السياسة الخارجية التركية الجديدة تحظى بإجماع كل فئات الأمة التركية، الأمر الذي سيدشّن بدء مرحلة تاريخية جديدة في المنطقة.

ما طبيعة هذه المرحلة؟

إنها تلك التي تتغيّر فيها معادلات نظام الشرق الأوسط بعمق : من الاعتماد بشكل كلي وحصري على «إسرائيل» بوصفها الركيزة الأولى (والوحيدة) لهذا النظام، إلى ترتيبات جديدة تأخذ في الاعتبار تطلعات القوى الإقليمية الجديدة.

حتى الآن، دلّت التجربة على أن السياسة الأمريكية لاتزال «متأسرلة» (من «إسرائيل»). وهذا تجسّد في الانجراف السريع للولايات المتحدة وراء «إسرائيل» في حملات التصعيد ضد إيران، وصولاً ربما إلى المجابهة العسكرية معها في الخريف المقبل.

وفي حال وصل هذا التصعيد إلى تركيا، فإن الرياح ستأخذ ما تبقى من وعود التغيير التي أطلقتها إدارة أوباما. وحينها قد تتبلور معادلات موضوعية جديدة تُعيد إنتاج الظروف التي أدّت إلى المجابهة الكبرى بين القومية العربية وبين أمريكا في الخمسينات والستينات، والتي كان السبب الرئيس فيها رفض هذه الأخيرة الاعتراف بالمطالب المشروعة للقوى الحديثة العربية.

لكن هنا سيكون ثمة فارق كبير : فالولايات المتحدة لم تعد تلك الدولة العظمى طاغية القوة، و«إسرائيل» لم تعد ذلك الكنز الاستراتيجي الذي لاينضب. ثم إن تركيا وإيران ليستا، كما العرب، أمماً تبحث عن دول، بل هما قوتان صاعدتان. ولذا، المجابهة معهما معاً، لن تكون بأي حال حرباً من أيام ستة.

لقد ألقت واشنطن القفاز في وجه تركيا، وإن ضمناً. بقي أن ننتظر رد فعل هذه الأخيرة. بيد أننا سنفعل ذلك وأيدينا على قلوبنا، خوفاً من أن ينجح الثنائي الأمريكي و«الإسرائيلي» في تفتيت إرادة العثمانيين الجدد من داخل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2181076

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181076 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40