السبت 13 حزيران (يونيو) 2015

الحركة الطلابيةالفلسطينية من السرية إلى التيار

السبت 13 حزيران (يونيو) 2015 par أيمن اللبدي

سألتني مذيعة لإحدى القنوات المصرية قبل سنوات سؤالاً لطيفا حول تيار المقاومة والتحرير في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” بعيد سقوط نظام مبارك وعقد مؤتمر في القاهرة لدعم المقاومة العربية في العام 2011 وسؤالها كان بسيطاً : متى تأسس هذا التيار وما علاقته بالسلطة الفلسطينية ؟ قلت يومها هذا التيار يأخذ منحنى أوسع مما يبدو عليه في التسمية فهو تأسس في اللحظة التي دهمت فيها العصابات الصهيونية بدعم من المنتدب الكولونيالي الحياة المسالمة والمتميزة في هذا الشرق بأسره ونفّذت جرائمها بوحشية لاقتلاع شعب رائع وخلّاق من أرضه تحت تهديد السلاح والقتل، وباختصار هو تيار نشأ مع أول إرادة أطلقت رصاصتها الأولى ضد هذا الظلم الفاقع والذي لم يشهد له التاريخ مثيلا حتى الآن، وسيبقى إلى أن تنتصر هذه الإرادة على المغتصب وعلى الظلم الذي حاق بهذا الشعب فيستعيد أرضه وداره وحقوقه كاملة غير منقوصة، ينقل هذه الوصايا من جيل إلى جيل، أما السلطة الفلسطينية فعلاقتها به أنها اعتاشت على ثمار أولية تكوّنت في الطريق الطويل بفعل نضالات وتضحيات هذا الشعب ومقاتليه ممن ساروا في هذا الطريق، والمدهش أنها ما انفكت تحارب ليس فقط نضاله بل تورّطت في أن تحارب عقيدته التي سار ولا زال عليها، ولا يبدو أنها تخجل لهذا الفعل أيضا حتى الآن.
أنشودة الثورة الفلسطينية الثانية أو كما يحلو للبعض تسميتها بالمعاصرة والتي تقول “فجّرنا الثورة في الخمسة وستين، ثورة طلّاب وعمال وفلاحين” أنشودة مثالية لوصف مثلث القوى الفاعلة في المجتمع الفلسطيني أي قوى التغيير والكفاح والثورة، وإن كانت الصياغة دقيقة تماماً للثورة الثانية فهي مقلوبة تماماً للثورة الفلسطينية الأولى، بيد أن المسافة الزمنية بين الثورتين حملت تغييرات في النسيج الاجتماعي الفلسطيني كان صارخاً وحاسماً جعل إرهاصات الأمانة تهبط بكل ثقلها في حضن الحركة الطلابية الفلسطينية حتى قبل انتفاضة الطلاب في فرنسا الشهيرة في الستينات، لقد نهضت الحركة الطلابية الفلسطينية إلى دورها الأساس ودورها المضاف والذي تحمّلته نتيجة تخلف القوى الأخرى إلى حد كبير عنه وعن أدائه منذ الخمسينات لينتج عن حراكها المتصل هذا انبثاق شعلة الثورة الفلسطينية الثانية، فمعظم الرعيل الأول لحركة “فتح” وللثورة الفلسطينية الثانية جاء من هذه الحركة الطلابية الوطنية التي غذّت شريان الدم الرئيس في هذه الثورة عند الانطلاقة وما بعدها في كل معارك هذه الثورة على امتداد الطريق، ولعبت الجامعات في الشتات دور الخزان البشري لمعسكرات القتال الحقيقي والنموذجي تماما كما لعبت جامعات الوطن المحتل الخزّان المستقبل لمهمات وطنية عالية الحساسية من نمط قبر مؤامرات نزع التمثيل عن الثورة الفلسطينية أو قبول التعايش مع الاحتلال سيان.
الحركة الطلابية الفلسطينية كانت أساس تجربة السرية الطلابية فالكتيبة الطلابية ، والحركة الطلابية الفلسطينية كانت أساس الشبيبة الطلابية ومثيلاتها، وإن أنجزت التجربة الخارجية صمود وتميّز قوات الجرمق وأدائها القتالي والفكري المتميز، فإن تجربة الداخل أنجزت الانتفاضة المجيدة الاولى بين 1987-1993 وهي ذاتها التي احتضنت الانتفاضة الثانية في مزاوجة ما سمحت به الظروف بين التجربتين، وكلا الأمرين معاً هو تجليّ إرادة تيّار المقاومة العازم على التحرير مهما طال الزمن ومهما كلّف الأمر متمترساً حول المبادئ والأهداف والمنطلقات والأساليب التي أقرّتها هذه الارادة الحرة في ثورتيها الأولى والثانية وربما الثالثة مهما تغيّرت المعادلات الهامشية من حول مسيرها، فالمعادلة الوحيدة التي ترسّخت في عقيدة ووجدان مناضلي هذا التيار في فتح وفي عموم الفصائل المقاتلة التي تؤمن به وعليه تسير، هي معادلة واحدة بسيطة :خلف العدو دائما ولا اشتباك إلا معه وبكل أنواع الوسائل الكفاحية وفي مقدمتها البندقية، نعم البندقية التي استخدمها العدو لتهجير شعبنا وطرده من دياره وأراضيه، وبهذا فإن الصبغة الوحدوية كفاحيا ً ووطنياً هي الجينات الأصيلة في هذا التيار تاريخياً كما حاضراً كما مستقبلاً، ووضح الرؤيا يجعل من الصعب بل من المستحيل توقع دفع هذا التيار ومناضليه للانخراط لا في الحسابات الهامشية ولا في النشاطات الاستعراضية أو حتى الثمار الوهمية وملحقاتها، فضلاً عن توظيف أي انتباه أو جهد خارج دائرة الهدف المركزي الذي لم يتحقّق بعد في فلسطين بدحر العدو عن فلسطين وتفكيك مشروعه الشيطاني عن وجهها تماماً.
الذين حاولوا أن يقولوا أن هناك تجربة اسمها السرية الطلابية فالسرايا الجهادية قد انتهت كنهج متعاملين معها بالقطعة التاريخية كحكاية ، كما في الفيلم الوثائقي الذي عرضته الجزيرة الوثائقية القطرية ، ضلّوا السبيل ولا أحسب أنهم أدركوا جوهر الخيط الناظم لكامل السلسلة الكفاحية، فالعقد المفتوح والذي لا زال دون إقفال لم ينته ولن ينتهي قطعا بتجربة السرايا مثلاً ،من ناحية الاستراتيجيا المفتوحة ،على استمرار الطريق وتجديده بما يكفل التوافق ،مع منطق ومنطلق هذا الأمر، قد يكون صحيحاً أن تجربة السرايا مثلا توقفت مع استشهاد الاخوة القادة الثلاثة أبو حسن قاسم وحمدي باسم ومروان كيالي في قبرص، لكن تجربة التيار ذاته وهو جوهر الخط الرئيس استمرت بدليل انفجار الانتفاضة الثانية وتشكيل كتائب شهداء الأقصى بإسهام كبير من قادة شهداء آخرين من ذات الخط الناظم في الطريق وبعضهم من ذات التجربة كالشهداء العمارين ومروان زلوم وحتى ما بعد تجربة كتائب شهداء الأقصى وصولا إلى الشهيد القائد ميسرة أبو حمدية، وهناك الكثير مما انبلج حوله دليل ذات المسار حتى في زمن تغوّل جماعة الدايتونيين في الأرض المحتلة، وهناك ما قد ينتظر مستقبل الأيام ليستتبع ذات المنهج في فهم الصورة والوصول في نهاية المطاف للقول إن هذا الخط الناظم وهذه العقيدة الفكرية الثورية لا زالت قائمة وإن غيّرت من أسمائها أو محددات حكايتها الزمانية فالمكانية، أما الجوهر المشعّ فهو لا زال قائما وسيستمر بالتعبير عن نفسه بالشكل الذي يكون مفيدا للمحطة القائمة وفي هذا الامر سعة، أما محاولة قراءة محطة بعينها على أنها منفصلة أو طفرة على الطريق فأرى أنها غير صائبة على الإطلاق.
بقي القول اليوم أنه لم يكن هامشيا استهداف الحركة الطلابية الفلسطينية بالتحديد بكل أنواع التدجين والتضييع الممكنة سواء من العدو أو من سلطة أوسلو وفي مراحل متعددة حملت أكثر من لبوس كلّها هدفت إلى شلّ هذه الحركة الولّادة والتي كانت أساس المسيرة الثانية على الأقل في ثورة العام 65، والتضييع الكامل الذي فرض على اتحاد طلبة فلسطين وخاصة في الشتات بحيث غدا مثل مكتب كان مستأجرا فأفرغته شرائح تنفيذ أوسلو في المنظمة أو حتى في فتح نفسها وتركته دون أدنى اكتراث ليس لأنها غير راغبة في الاستفادة منه، بل لأنها لا تريد له أن يعمل أساسا وفي الداخل أفرغته من مضامينه بحيث غدا تابعا لمجسّم وهيكل ونشاطات السلطة بما فيها حروبها الداخلية مع هذا الفصيل أو تلك القوة، بل غدا في أحيان كثيرة أشبه بحلقات الترف في مستويات المنافسة الحزبية المحض والمهم دائما أن لا يعي قيمته ولا دوره المقتول، وبهذا فإن الحركة الطلابية الفلسطينية ولأول مرة في تاريخها تغدو ثور حراث لساقية لا علاقة لها بها بعد أن كانت دوما فرس الرهان، وإذا كان ثمة ما نجا من هذه المحدلة فهو جزء الحركة الطلابية الفلسطينية في القدس والأرض السليبة عام 48 والذي بسبب من بعض حرية الحركة الجزئية استطاع ولا زال يستطيع إدارة اشتباكات مع العدو ولو كانت اشتباكات بوتائر أخف مع العدو ، كما استطاع حتى الساعة أن يكفل حضور الكفاح الوطني الفلسطيني بصورته التاريخية قائما بدلا من تغييب المشهد تماما لصالح قوى الصورة المشوهة والباهتة احيث حلفاء هذه الصورة مؤسسات الان جي اوز وبقية معزوفة التوهان والتدجيل السلطوية، والمدهش ان ابطال عملية الخداع والتضييع التاريخي وجزء منهم جاء من رحم هذه الحركة نفسها خارجا وداخلا قبل أن ينحرف أو يسقط لم يسأل نفسه ولو مرة واحدة كيف استطاع العدو ان يستخدمه لتحطيم القدم الثالثة لقدر الحركة الوطنية بعد أن تكفّلت مخططات العدو بتفريغ الارض من فلاحيها وتفريغ المعامل من عمالها، وأصبحت الصورة رأس كبيرة تقف على قدم مجموعة واحدة تشكيلتها جيش موظفي السلطة، أي موظف صنع تحرراً وأي موظف صنع حرية أو أعاد وطناً؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 95 / 2165355

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165355 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010