الثلاثاء 17 آب (أغسطس) 2010

ماذا بعد التفويض بالتفاوض مع «إسرائيل»؟

الثلاثاء 17 آب (أغسطس) 2010 par د. عبد الله الأشعل

في المشهد الفلسطيني حقائق وصلت إلى طريق مسدود؛ أولها أن استنفاد الطرق السياسية، وإغفال المقاومة، في أبسط تعبير، عبثٌ من أوله إلى آخره، وثانيها أن هذا الطريق رغم أنه مشبوه إلا أن «إسرائيل» أغلقته بالكامل، فلم تترك شيئاً لحفظ ماء الوجه، وتراوح موقفها من المفاوضات، ولكنها تلح الآن على أن التفاوض المباشر طريق السلام «الإسرائيلي» بالطبع. وذهب الإلحاح «الإسرائيلي» حد أن نتنياهو وعد، ووعد الحر دين عليه، أنه سوف يعد خيراً إن حث العرب أبا مازن على هذه المفاوضات المباشرة، كما تلح واشنطن انسجاماً مع رغبة «إسرائيل». وقد فهم العرب و««السلطة الفلسطينية» أن استمرار الموقف «الإسرائيلي»، وتقدم المشروع الصهيوني في كل اتجاه قد قطع الطريق على أي أمل في تسوية شبه حقيقية، وهو استسلام لرغبات «إسرائيل» وواشنطن، واستراحة إلى اعتقاد مخادع بأن استنفاد كل طلبات «إسرائيل» يكشف زيفها أمام العالم. وقد تخلص العرب من الضغط الأمريكي، وقرروا منح تفويض على بياض لـ «رئيس السلطة»، الذي يدرك جيداً أن الكرة قد ألقيت إليه، ليقف وحيداً بالتفويض العربي إزاء الضغوط الأمريكية و«الإسرائيلية»، ولذلك بدأ يضع هو قيوداً وشروطاً للمفاوضات. فهو من ناحية مقتنع بأن مثل هذه المفاوضات انتحار سياسي وتاريخي، وهو من ناحية أخرى لا يملك ترك المهمة بأكملها؛ لأنه من الصعب البحث الآن عن كبش فداء لهذه المهمة.

والحق أن هذا الموقف الخطير الذي يعرض القضية للتصفية النهائية يتحمله العرب ورئيس السلطة معاً؛ لأن كلاً من الطرفين أسهم بما أدى إلى هذه النتيجة. ولعل المصارحة لازمة لأمرين: الأول حتى يستدرك كل طرف مسؤولياته، للقيام بها، رغم تأخره، وخيرا من فوات الأوان كلية، والأمر الثاني أن نسجل للتاريخ هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها القضية. ولكن في إطار تحديد الأدوار وأقدار المسؤوليات لا بد أن نؤكد أن كلاً من العرب و«رئيس السلطة» يفهمان جيداً ميزان القوة لصالح المشروع الصهيوني، فاتخذا معاً الطريق الأسهل والأخطر، تماماً مثلما فعلت الحكومة السودانية عندما أدركها الطوفان في الجنوب الذي يوشك على الانفصال تمهيداً لتفكيك السودان، قالت الحكومة إنه يجب على العرب والمسلمين أن يشكروها على جهدها المناهض لخطط الجبهة الشعبية لالتهام السودان كله، وطرد سكانه المسلمين والعرب بالتحالف مع «إسرائيل»، رغم أن النتيجة واحدة مادام الصمود للمؤامرة لم يكن من أولويات الحكومة في السودان، والعرب و«رئيس السلطة» في فلسطين، وهذا مصداق لمقولة الرئيس بشار بأن التصدي والمقاومة أقل تكلفة من الانسحاب أو اليأس والاستسلام.

«رئيس السلطة» انخرط في عداء مع «حماس»، فأصبحت هي لا «إسرائيل» العدو، في إطار التنافس على السلطة، ولدى شعور بأن هذا الإطار صنعته «إسرائيل» مثلما صنعت إطارا للصراع عندما سحبت مستوطنيها من غزة دون التنسيق مع السلطة.

فأصبح «رئيس السلطة» بقوات أمنه يطارد المقاومة نيابة عن «إسرائيل»، وبالتنسيق الأمني معها، انسجاماً مع منطقه بعدم جدوى مقاومة «إسرائيل» بكل قوتها، وصارت «حماس» ترد على عناصر «فتح» في غزة، فتزداد الشقة بين الإخوة اتساعاً، وتوظف «إسرائيل» هذا المسلسل لالتهام فلسطين.

من ناحية أخرى، يدرك أبو مازن أنه يتفاوض بلا أي أوراق، ويدرك أيضاً أن التفويض له قيمة واحدة، هي إضفاء الشرعية العربية على سلوكه حتى لا يتهم بأنه خرج على الإجماع العربي، ثم إن هذا الغطاء كان مطلوباً أمريكياً و«إسرائيلياً»، وقد تكفلت الدولتان بتوفيره في العواصم العربية. وأظن أن هذه هي أتعس لحظات «رئيس السلطة» حين يحارب المعركة داخل نفسه، وأن كل خطوة يخطوها بهذا التفويض/ اللغم، سوف تنفجر في وجهه، كما لا يستطيع منه فكاكاً، ولو كنت مكانه لتركت المكان للأقدر على تحمل المسؤولية، ولكني أظن أن الضغوط العربية و«الإسرائيلية» والأمريكية سوف تمنع أبا مازن أيضاً من الفرار، فالتقدم بالتفويض والفرار أمران أحلاهما مر.

القضية في أصلها أن العرب اختاروا طريق الانسحاب أمام الطوفان الصهيوني، ورفضوا تحمل مسؤولياتهم بشراء الوقت، ولكنهم يعلمون أن فصلاً جديداً من الصراع سوف يبدأ بعد توقيع اتفاق الاستسلام للمشروع الصهيوني، خاصة في فلسطين، ذلك أن هذه اللحظة هي ثمار غرس مصر قبل واحد وثلاثين عاماً حين وقعت الاستقالة من دورها في التصدي لهذا المشروع، فأصبح دورها تسهيل مروره، مقابل الحرص على البقاء على قيد الحياة. تلك معادلة طبيعية، وسوف يتفاقم الصراع بعد التسليم، ولكن الدورة سوف تبدأ من داخل النظم العربية بعد أن وصل العالم العربي إلى الحضيض، وفقد الكرامة في الداخل، والحقوق والعزة في الخارج، وسوف يظل الصراع ما بقي المشروع قائماً، وإصرار الغرب على سيطرته في تقويض سلام الشعوب العربية وتبديد حقوقها في الاستقرار والتنمية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165265

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165265 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010