الأربعاء 3 حزيران (يونيو) 2015

جيش الدولة الوطني

الأربعاء 3 حزيران (يونيو) 2015 par عاطف الغمري

يصعب أن تمر مقولة وزير الدفاع الأمريكي، عقب سقوط مدينة الرمادي في يد تنظيم «داعش»، من دون أن تثير التأمل.
وزير الدفاع الأمريكي قال إن انسحاب الجيش العراقي من الرمادي أظهر ضعف إرادة القتال لدى الجيش.
وهنا نتساءل: وهل كان ذلك وحده، هو سبب ما جرى في الرمادي، ومن قبلها في الموصل التي تركها الجيش مخلفاً وراءه أسلحته الثقيلة؟
إن ما ذكره وزير الدفاع الأمريكي يحمل معاني ودلالات عدة، لا تتعلق بهذا الحد في حد ذاته فقط، وإنما بحالة عامة سيطرت على فكر وسياسات أنظمة جمهوريات التوريث التي لم يكن فيها الرئيس يكتفي ببقائه في الحكم إلى ما لا نهاية، بل فوق ذلك، نقل الدولة إلى حوزة وريثه، تأثراً بما ترسب في عقله من خيال مريض من طول سنوات بقائه في الحكم، من أنه يملك الدولة بما فيها ومن فيها!
وإذا كانت مقولة وزير الدفاع الأمريكي تخص العراق، فإنها تتعلق بدول عربية أخرى، أصيب فيها مفهوم جيش الدولة الوطني النظامي بضربات من قيادة النظام، لحساب ما يمكن اعتباره جيش الرئيس، إما بتغليب النزعة الطائفية في تكوين الجيش، وإما سطوة فكرة الحزب الحاكم على كل شيء، أو اللجوء أحياناً إلى مرتزقة سواء من دول أخرى، أو حتى من أبناء الدولة، ممن هم ليسوا من محترفي العسكرية الوطنية، لمجرد كونهم أصحاب ولاء لشخص الحاكم.
في العراق، تعود جذور المشكلة إلى اليوم الذي قررت فيه الولايات المتحدة عام 2003، تسريح الجيش النظامي المحترف، ثم ما ارتبط بذلك من تعديل طبيعة النظام السياسي، بإقصاء طائفة معينة، بعدما ظلت طوال 35 عاماً على رأس سلطة الحكم.
وإذا كان التحيز ضد فكرة الجيش المحترف لحق الجيش السوري بدرجة ما، عندما تمت زيادة أعداد المجندين من طائفة معينة، وجعل الجيش يتبع مباشرة الرئيس الذي كان هو نفسه القائد الأعلى، فإن ذلك قد وازنه تشكيل وحدات الجيش حسب قواعد الجيوش النظامية، بما في ذلك برامج التدريب، والتسليح، والانضباط.
فضلاً عن أن سوريا عرفت منذ عام 1952 نظام التجنيد الإجباري، لكل من يبلغ سن 18 عاماً.
وفي ليبيا عرفت الدولة تشكيل نواة الجيش الملكي الليبي، عقب استقلالها عام 1951 إلا أن القذافي، حسب طريقة تفكيره في إدارة الدولة، لم يكن مؤمناً بالجيش الوطني المحترف، خشية قيامه بانقلاب عليه.
وهذا ما سمعته من القذافي شخصياً، في جلسة بجريدة «الأهرام» في الثمانينات.
فقد جاء في زيارة لمصر، وطلب أن يلتقي عدداً من كتاب «الأهرام»، يومها ذكر أن ليبيا لا تحتاج إلى جيش
لأن الشعب هو الذي يحميها.
وبالطبع، فإن ما كان يعنيه أنه يمكن أن يستغني عن الجيش الوطني، باستقطاب جماعات من قبائل موالية له، أو استحضار أفراد من دول إفريقية يمنحهم جنسية ليبيا.
ومع ذلك، لم يستطع القذافي أن ينهي وجود الجيش الوطني، وهو الجيش الذي كان هدفاً لغارات حلف الأطلسي عام 2011، تساعده ميليشيات متطرفة.
نعود إلى العراق، فقد بدأت الحلقة الأخيرة، بما فعله نوري المالكي، وهو رئيس للوزراء، من اختيار قيادات الجيش، والوحدات العسكرية في بقية المدن، من أشخاص ليسوا محترفين للعسكرية، ولكن لأنهم ممن لهم ولاء لشخص المالكي.
وهو ما أفاضت في شرحه دراسات أمريكية، ذكرت أن هذه القيادات لم تكن لديها خبرات عسكرية، وأنها نشرت الفساد، والرشى، ما أضعف الروح القتالية في صفوف جنودهم.
والمالكي نفسه جمع في يده، إلى جانب رئاسته الحكومة، منصبي وزير الدفاع ووزير الداخلية، وأثار عداوات مع السنة، والأكراد، وسعى بقوة لدعم وضعه كرئيس للوزراء استناداً إلى قاعدته المحيطة به، وميليشيا من 100 ألف شخص، وعلاقات متزايدة مع إيران.
وإن كان لم يمنع من رفض قيادات شيعية للمالكي وسياساته، خوفاً على سلامة الوطن العراقي، مثل المرجع الشيعي علي السيستاني، والزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
وإذا كان ما حدث في الرمادي، ووصف وزير الدفاع الأمريكي له، بأنه نتيجة افتقاد الجيش العراقي إرادة القتال، قد شاركت في صنعه سياسات وسلوكات من داخل العراق نفسه، فإن بداياته الأولى كانت على يد الولايات المتحدة، التي سرحت جيشاً نظامياً محترفاً، لتحل محله ميليشيات طائفية مسلحة ومتناحرة.
وإن كان هذا لا يعفي أنظمة الحكم الديكتاتورية التي فعلت ما فعلته لطمس هوية جيش الدولة الوطني، تطبيقاً لعقيدتها، في الحكم، وهي عقيدة أمن النظام، بديلاً عن الأمن القومي للدولة، بكل ما يتضمنه من توفير مقومات قوة الدولة، بما في ذلك وجود الجيش الوطني النظامي المحترف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2177961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عاطف الغمري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2177961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40