الجمعة 22 أيار (مايو) 2015

مصر التي‮ ‬في‮ ‬خاطري‮.. ‬الموت ليس هو الحل

الجمعة 22 أيار (مايو) 2015 par صالح عوض

ما أصعب الكتابة عن مصر في‮ ‬هذه الأوقات العصيبة‮.. ‬وما أصعبها على كاتب مثلي‮ ‬يعرف أن سوء الفهم هو المسيطر على المناخ السياسي‮ ‬والثقافي‮ ‬ويعرف أن لا أحد‮ ‬يقبل بالتسليم بروايته كاملة وأن المطلوب فقط الاصطفاف الكامل لهذا الطرف أو ذاك‮.. ‬والأخطر لكاتب مثلي‮ ‬تعيش نصف أسرته في‮ ‬غزة ونصف آخر موزع في‮ ‬بلاد الناس لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يجتمع بهم في‮ ‬مكان ما في‮ ‬عيد أو رمضان أو ذكرى ما بل والأسوأ أن تأتيه أخبار من‮ ‬يتوفاهم الله من ذويه في‮ ‬غزة وهو لا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يلقي‮ ‬عليهم نظرة وداع‮.. ‬رغم ذلك كله،‮ ‬فإن مصر تستحق مني‮ ‬التضحية والكتابة،‮ ‬فلكم منحتنا من دمها وتضحياتها الكثير دفاعا عن العروبة والإسلام وعن فلسطين‮.. ‬فوفاء لشهدائها العظام ولشعبها الطيب ولتاريخها المجيد،‮ ‬أجد نفسي‮ ‬مدفوعا إلى الكتابة لها وعنها،‮ ‬فهي‮ ‬تهمني‮ ‬وتهم كل مهموم بقضايا الأمة وفلسطين‮.‬

في‮ ‬مصر،‮ ‬لا لغة اليوم في‮ ‬معالجة ملف التنازع الداخلي‮ ‬إلا لغة الموت والقتل والإعدام‮.. ‬في‮ ‬سيناء وقاعات المحاكمات ولغة كثير من الإعلاميين والمثقفين المصريين‮.. ‬ومما لا شك فيه أن هذا لن‮ ‬يفيد إلا العدو الذي‮ ‬يتربص الدوائر بمصر بشعبها وقواها الحية وجيشها‮.. ‬فبعد أن تم الفتك بالجيش العراقي‮ ‬وإشغال الجيش السوري‮ ‬وإنهاكه وإشغال السودان بجنوبه وانشقاقاته وإغراق ليبيا في‮ ‬مستنقع الفتنة وقذف الحمم في‮ ‬اليمن وتحرشات إثيوبيا‮.. ‬تصبح مصر مطوقة من كل جهة سياسيا وأمنيا وجبهات الخطورة تحيق بها على أكثر من صعيد‮.. ‬والعدو الصهيوني‮ ‬يتابع ويؤجج الصراع حولها وفيها‮.. ‬وإن المتابع لما‮ ‬يكتبه المحللون الصهاينة والاستراتيجيون عن مصر‮ ‬يكتشف حجم التشفي‮ ‬والارتياح لما عليه الأوضاع‮.‬

إن من تأمل مخطط العدو في‮ ‬المنطقة العربية‮ ‬يكتشف بسهولة أنه لن‮ ‬يكون مقبولا وجود دولة عربية قوية متماسكة،‮ ‬فلقد تجاوز الأجانب المستعمرون مرحلة‮ “‬سايكس بيكو‮” ‬إلى مرحلة أخطر،‮ ‬إنهم لم‮ ‬يكتفوا بتقسيم وطننا العربي‮ ‬إلى أقاليم متنافرة،‮ ‬بل إنهم‮ ‬يعمدون الآن إلى تقسيم كل إقليم إلى إثنيات جديدة مذهبية وجهوية وفئوية وسياسية‮.. ‬والعاصم من هذه الفتن هو جيوش قوية متماسكة ومجتمع ملتف حول مؤسساته وتنفيس الاحتقانات الداخلية‮.‬

ليس مفيدا هنا ذكر أخطاء هذا الطرف أو ذاك في‮ ‬عناصر التنافر في‮ ‬مصر‮.. ‬المهم تأكيد حقائق من الأهمية بمكان استشعارها وحضورها لدى الجميع‮. ‬أولا أن الجيش المصري‮ ‬عماد الدولة والمجتمع وهو مطلب وطني‮ ‬وقومي‮ ‬لا بد أن‮ ‬يكون حاضرا في‮ ‬كل شؤون الحياة حاميا لمصر ومنفذا لإرادتها في‮ ‬صون الأمن القومي‮ ‬وهو أكبر الجيوش العربية وأقدرها وهو أكثرها خوضا للمعارك ضد الجيش الصهيوني‮ ‬وهو الجيش الذي‮ ‬أبلى في‮ ‬معاركه بلاء عظيما وهو أحد أهم إنجازت الدولة والمجتمع في‮ ‬مصر‮.. ‬

وفي‮ ‬مصر كذلك حركة‮ “‬الإخوان المسلمون‮” ‬وهي‮ ‬أكبر تنظيم اجتماعي‮ ‬سياسي‮ ‬في‮ ‬مصر وفي‮ ‬الوطن العربي‮ ‬بل لعلها التنظيم الأكثر انتشارا في‮ ‬العالم الإسلامي‮ ‬وقد تكون تحصلت على مرجعية العمل السياسي‮ ‬الإسلامي‮ ‬في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬بتشعباتها وتمددها في‮ ‬شتى المجالات والفئات الاجتماعية‮.. ‬بمعنى أصح أن في‮ ‬مصر أقوى الجيوش العربية وهو على قدر عال من الدقة والتنظيم والتدريب‮. ‬وفي‮ ‬مصر كذلك أكبر تنظيم سياسي‮ ‬عربي‮ ‬ومن هنا كان العدو‮ ‬يبحث باستمرار عن ثغرات لإحداث التصادم بين مكونين كبيرين حاسمين‮.. ‬جربوا ذلك في‮ ‬مرحلة عبد الناصر ولم‮ ‬يكن من نتائج التصادم إلا الخسران للجميع والنكسة والانهيار الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮.. ‬وفي‮ ‬حينها كانت دول الرجعية العربية والدول العظمى تغري‮ ‬هذا الطرف بذاك‮.. ‬والآن تبدو حالة التنافر قد وصلت إلى كسر العظم،‮ ‬ولكن ما‮ ‬يمكن استدراكه اليوم قد‮ ‬يصعب استدراكه‮ ‬غدا‮.‬

إن العدو الأساسي‮ ‬لمصر هو من‮ ‬يمنعها من نهضتها ويحرمها من دورها الإقليمي‮.. ‬إن العدو الأساسي‮ ‬لمصر هو من‮ ‬يتربص بها الدوائر لإحداث الخلل الاستراتيجي‮ ‬فيها بين مكوناتها السياسية والدينية والجهوية‮.. ‬وإن الاستراتيجيين المصريين وهم متواجدون بلا شك في‮ ‬مراكز القرار ودعمه في‮ ‬الدولة العربية‮ ‬يدركون أن هناك مؤامرة ضخمة على مصر لتهميشها وجعلها لاحقا سياسيا بسياسات هوجاء في‮ ‬المنطقة وإغراقها في‮ ‬مشكلات معقدة داخليا وخارجيا‮.‬

وهنا لابد من التأكيد على أن الإخوان المسلمين مهما بدت من ممارساتهم من أخطاء تكتيكية واستراتيجية،‮ ‬فإنهم بلا شك مصريون وهم‮ ‬يتنشرون في‮ ‬أوساط المجتمع المصري‮ ‬جميعها،‮ ‬وهم قوة حقيقية لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون الموت والإعدام قادرا على إنهائهم،‮ ‬فضلا عن كونه أسلوبا‮ ‬غير مجد وغير مفيد‮.. ‬في‮ ‬اللحظة نفسها لابد من التأكيد أن الجيش المصري‮ ‬والمؤسسة العسكرية المصرية ليست هامشا في‮ ‬الموقف القرار بل هي‮ ‬أهم عنصر في‮ ‬أهل الحل والعقد في‮ ‬مصر ولن‮ ‬يكون صندوق الانتخاب التعيس بديلا عنها‮..‬

من هنا وفورا نريد التأكيد أن المعالجة الأمنية لملف العلاقة بين المؤسسة العسكرية المصرية وحركة الإخوان المسلمين ليست هي‮ ‬النموذج الأفضل للخروج من أزمة التشابك،‮ ‬وأن التجربة المحلية والتجارب العديدة في‮ ‬الإقليم أثبتت فشل ذلك‮.. ‬كما أن هذه المعالجة ستصبح بيئة مثالية لتنامي‮ ‬قوى العنف وتسلسلاتها في‮ ‬شتى الأماكن وستكون حاضنة مثالية لتنامي‮ ‬روح الثأر والتخريب‮ ‬غير المسؤول،‮ ‬وهي‮ ‬كذلك ستكون بيئة لاختراقات العدو بأجهزته وخلاياه النائمة لتعقيد الموقف وتعفينه‮.‬

إنه لأمر محزن ألا تتحرك قوى وجهاتٌ‮ ‬إقليمية‮- ‬من دافع الحرص على مصر ودورها‮- ‬لتقريب وجهات النظر وإخراج مصر من كمين‮ ‬يراد لها لإغراقها في‮ ‬بحر الفتن‮.. ‬إنه لمحزن حقا أن‮ ‬ينقسم الناس حول مصر بعضهم‮ ‬يحرّض زيدا على عمرو والآخر‮ ‬يغري‮ ‬عمرا بزيد‮.. ‬حتى كدنا لا نستطيع التقاط كلمات فيها الخوف على مصر ومستقبلها‮..‬

أجل،‮ ‬إن دماء سُفكت وإن أرواحا أزهقت‮.. ‬وإن ألما لحق بالجميع ولكن إلى أين تتجه مصر في‮ ‬هذه الدوامة؟ إنه من المحتمل لا سمح الله أن تصبح مصر أكثر عنفا وأكثر توترا وأكثر مدعاة إلى التناحر الدامي‮.. ‬وأن الأعداء‮ ‬يرون في‮ ‬ذلك الفرصة الحقيقية لمنع مصر من القيام بدورها والانعتاق من كبوتها‮..‬

لذا،‮ ‬فإن الموت لن‮ ‬يكون هو الحل‮.. ‬الحل في‮ ‬الحياة وإصلاح ذات البين والمبادرات الإيجابية لنزع الفتيل وإطفاء النيران‮.. ‬فمن‮ ‬يبادر فيكون له الفوز برضى الله ويكون له الفوز بمصر كبيرة وقوية؟ من‮ ‬يبادر من العرب والمسلمين لرأب الصدع وجمع الصف والخروج من التعقيد بلغة الأخوة الوطنية؟ إنه التحدي‮ ‬الملقى على الجميع‮.. ‬وليس سواه حل‮.. ‬تولانا الله برحمته‮.‬



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 72 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010