الخميس 21 أيار (مايو) 2015

مراهنات خاسرة

الخميس 21 أيار (مايو) 2015 par عوني صادق

عندما يكون العجز هو سيد الموقف، تتحول السياسة إلى لعبة قمار خاسرة، وهذا ما حدث للسياسة الدولية مع بنيامين نتنياهو، وأقول قاصداً «السياسة الدولية»، وليس السياسة العربية أو السياسة الفلسطينية فقط، وإن ظل الفلسطينيون هم الخاسرين الحقيقيين. بدأت المراهنات عندما أقدم نتنياهو على تبكير انتخابات الكنيست العشرين، حيث راهن الجميع على خسارته في الانتخابات، وعملوا جهدهم من أجل ذلك، بدءاً من «المعارضة «الإسرائيلية»» وانتهاء بالبيت الأبيض والإدارة الأمريكية، لكن النتيجة كانت فوزاً مدوياً لشخص نتنياهو أكثر مما هي لحزبه.
وانتقلت المراهنات إلى مرحلة جديدة مع تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة. وبدا أن العملية تتعثر وأن نتنياهو قد لا يستطيع تقديم أسماء حكومته في الموعد المحدد، خصوصاً عندما أعلن الحليف السابق، أفيغدور ليبرمان، أنه لن ينضم إلى الحكومة. وتصور البعض أن التكليف سينتقل إلى إسحق هيرتزوغ، زعيم ما يسمى «المعسكر الصهيوني» المعارض. لكن قبل ساعتين من انتهاء المهلة، كان نتنياهو يقدم أسماء وزرائه لرئيس الدولة، بعد أن أعطي نفتالي بينيت، زعيم «البيت اليهودي» كل ما طلب.
الآن أصبحنا في المرحلة الثالثة من المراهنات، بالمراهنة من جديد على سقوط حكومة نتنياهو، الذين راهنوا على فشل نتنياهو في الانتخابات، هم أنفسهم يراهنون اليوم على فشل حكومته وسقوطها.
لقد جاء في افتتاحية صحيفة (هآرتس- 15/5/2015) قولها: إن على «الإسرائيليين» أن يتوقعوا ألا تستمر هذه الحكومة وقتاً طويلاً، ومع ذلك، توجهت للحكومة نفسها بالقول: إن انهاء الاحتلال يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة، حيث لا تستطيع «إسرائيل» هدر المزيد من الوقت (كأنما «إسرائيل» هي التي تهدر الوقت)، كيف ذلك وهي التي سبق أن وصفتها بأنها «أسوأ وأخطر حكومة في تاريخ «إسرائيل»»، وهي أيضاً التي تقول اليوم إنها لن تستمر طويلاً؟”.
كثيرون خارج «إسرائيل»، أيضاً، رأوا ما رأته «هآرتس»، من حيث إن حكومة نتنياهو «تحمل في ثناياها أسباب فشلها»، بسبب تشكيلتها الفاسدة وطريقة تشكيلها التي قامت على الرشى، وأقليتها في الكنيست. وإلى جانب المعارضة الداخلية، هناك المراهنة على «الرفض الدولي» والعزلة الدولية التي تعيشها «إسرائيل» أصلاً، وعلاقاتها المأزومة مع أمريكا وأوروبا، حتى إن بعض المحللين رأى أنها ستواجه «أزمة غير مسبوقة» على الساحة الدولية.
لكن المراقب يستطيع أن يلحظ المبالغة في تلك التقديرات. فبالنسبة إلى الموقف الأمريكي، لم يتأخر الرئيس باراك أوباما في تهنئة نتنياهو بتشكيل حكومته، معرباً عن استعداده للتعاون، في وقت استبق الناطق باسم الخارجية الأمريكية الإعراب عن «خيبة أمل الولايات المتحدة تجاه موافقة الحكومة المستقيلة في آخر اجتماعاتها على بناء 900 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية، وفي وقت كان أوباما يعلن أن «حل الدولتين بدأ يتلاشى»، وأن احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» «تبدو بعيدة الآن»، بسبب تركيبة الحكومة الجديدة.
وبالنسبة إلى الموقف الأوروبي، رأى بعض المحللين أن تشكيلة الحكومة الجديدة ستجعل «من الصعب على أصدقاء «إسرائيل» في أوروبا دعمها، لأنهم يعتبرون النشاط الاستيطاني لا يمكن الدفاع عنه»، لكن واحداً منهم، على الأقل، رأى أن «الأمريكيين سيتذمرون في السر، لكنهم سيعملون مع الحكومة في العلن». وبالطبع لن تختلف مواقف الأوروبيين عنهم، وما البيانات التي تصدر محتجة أو معربة عن «خيبة الأمل» هنا وهناك إلا«ضريبة كلامية» لن تعرقل برنامج نتنياهو وبينيت الاستيطاني. وكانت المواقف الأمريكية والأوروبية، بل ومواقف الأمم المتحدة وأمينها العام أيضاً، ليست أكثر من «ضرائب كلامية» صبت في نهاية الأمر في طاحونة نتنياهو لكسب الوقت واستيطانه.
وفي ضوء هذه المواقف الأمريكية والأوروبية والأممية، التي أصبحت معروفة، واستمرار العجز العربي واستسلامه للألاعيب الدولية، لا تبقى ثقة بالنوع الثالث المتبقي من المراهنات، وهو المراهنة على «المنظمات الدولية». هذا النوع جربناه وفشلنا في الاستفادة منه، بل وعندما وجدنا من ينصفنا في بعض هذه المؤسسات أضعنا ما كنا نستطيع الحصول عليه بأيدينا (القرار الاستشاري من محكمة لاهاي حول الجدار 2009، تقرير غولدستون حول جرائم العدوان على غزة 2012). لكننا نسأل الآن، هل من طريق سالكة في محاولات «تدويل الصراع»؟
في كلمة متلفزة له في مناسبة ذكرى النكبة، قال الرئيس محمود عباس: «إذا واصلت «إسرائيل» نهجها، سنواصل في المقابل توجهنا لتدويل الصراع بكل ما يعنيه من أبعاد». وبطبيعة الحال، فإنه ليس هناك إشارة واحدة على أن نتنياهو سوف يغير نهجه، بل المتوقع أن يوغل أكثر فيه. وآخر الأخبار أن الولايات المتحدة هي التي ضغطت على فرنسا لتصرف نظرها عن تقديم مشروعها في مجلس الأمن، بحجة أنه «لا يمكن السير بملفين ثقيلين في وقت واحد»، والملفان المقصودان هما الملف النووي الإيراني والملف الفلسطيني - «الإسرائيلي». ودائماً ستجد واشنطن الحجة لوقف أي خطوة يمكن أن تتخذ ضد الحكومة «الإسرائيلية». فماذا تعني «تهديدات» عباس؟
إن المشكلة ليست في سياسات نتنياهو، ولا هي في السياستين الأمريكية والأوروبية، بل هي في السياستين العربية والفلسطينية، وفي السياسة الفلسطينية خصوصاً. فنتنياهو لديه البدائل لمواصلة نهجه، لكن السلطة الفلسطينية هي الفاقدة للبدائل، إذ ليس لديها إلا المفاوضات، ولأن نتنياهو، والأمريكيين والأوروبيين، يعرفون هذه الحقيقة، فليس ما يجبر أياً منهم على تغيير مواقفه أو سياساته، ولن ينفع حديث مكرر عن «تدويل الصراع».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165988

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني صادق   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165988 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010