الخميس 21 أيار (مايو) 2015

أزمة الديون اليونانية تعزز النظام القديم

الخميس 21 أيار (مايو) 2015 par د.احمد جميل عزم

بحسب تصريح لرئيس الوزراء اليوناني، فإنّ بلاده في “المضيق الأخير” قبل الاتفاق مع الدول الدائنة، لمنح اليونان مزيدا من الديون. وأهم الدائنين هم صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. وفي الواقع، كانت أزمة اليونان تذكّر بأزمة الديون المكسيكية مطلع الثمانينيات، والتي شكلت محطة تاريخية فارقة، أعطت صندوق النقد الدولي “فجراً” جديداً ودوراً عالمياً آخر سوى ما بدأ لأجله. لكن يتضح الآن أنّ التوقعات بأنّ أزمة اليونان ستغير قواعد النظام الاقتصادي الدولي، هي توقعات غير دقيقة.
وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس، حاول أن يكون متحدياً، ومطمئناً لشعبه، بالقول: “تأكدوا أنّه لو كنا أمام خيار دفع ديون الدول التي ستوقع معنا، أو دفع (مستحقات) متقاعد واحد، فإننا سنختار المتقاعد”. لكنه أكمل: “نأمل أن ندفع لكليهما”.
تسير المفاوضات اليونانية مع العالم من ناحية بالطريقة التقليدية. فقد تولى صندوق النقد الدولي والدائنين، منذ مطلع الثمانينيات -عندما عجزت المكسيك عن سداد ديونها، فيما أصبح تاريخياً يعرف باسم “أزمة الديون المكسيكية”- التفاوض على إعادة هيكلة للاقتصاد للدول المدينة، بدل وظيفته المحدودة التي تحددت، في “بريتون وودز” العام 1944، بدعم قصير المدى للموازنات. وإعادة الهيكلة هي الاسم الآخر لعملية تعني تقليص الحكومات ما تدفعه دعماً لمواطنيها في قطاعات مثل دعم السلع وخصوصاً المحروقات، وتقليص ميزانيات التقاعد والضمان الاجتماعي، والصحة والتعليم. وهو ما كانت ترافقه -عادة- احتجاجات، بما أهّل “الصندوق” للقب “مفجر الثورات”. والآن في اليونان، يتم التفاوض على تغيير قوانين التقاعد والضريبة وسوق العمل.
“الصندوق” ليس الدائن الأكبر. فاليونان المدينة بمبلغ 320 مليار يورو، تدين بالدرجة الأولى لأوروبا، ولألمانيا وحدها بمبلغ 56 مليار يورو. وهنا يتفاوض “الصندوق”، كما دائماً، نيابة عن الدائنين. ما يؤكد استمرار دوره وصموده. فبعد أن كان متخيلاً أنّ “مجموعة العشرين” التي تضم الدول العشرين الكبرى اقتصاديا على مستوى العالم، والتي تم تفعيلها بعد الأزمة المالية العام 2008، هي من سيتولى قيادة اقتصاد العالم، فإن صعوبة المفاوضات في المجموعة، ورفض الشركات والبنوك الأميركية تطبيق توصياتها، أديا إلى العودة لصندوق النقد الذي يستطيع فرض سياساته على المدينين، وليس على كل دول العالم. والآن أيضاً، يعتمد الأوروبيون على “الصندوق” في فرض السياسات على الدائنين داخل الاتحاد الأوروبي، وليس على آلية ذاتية صرفة.
طمأن اليونانيون العالم أن أزمتهم التي تفجرت العام 2009؛ بازدياد العجز ومنع بلدهم من الاستدانة عالميا، وإعلان احتمال إفلاسه في ربيع العام 2010، لن تؤدي للانسحاب من عملة “اليورو”. وهذه قد تكون أنباء تؤكد صمود نظام “اليورو”، مع أن ألمانيا تلمح إلى أنّ الحفاظ على اليونان ضمنه، لن يكون “بأي ثمن”. لكن الاقتصاد اليوناني لا يتحسن؛ فمنذ إعلان خطة الإنقاذ الممولة أوروبيا ومن صندوق النقد قبل نحو 5 سنوات بقيمة 240 مليار يورو، تقلص الاقتصاد اليوناني بمقدار الربع، وتزيد البطالة على 25 %. وهذا طبيعي، لأنّ أموال خطة الإنقاذ تذهب لدفع الديون الدولية، وليس لتنمية الاقتصاد، وظل التقشف أساس الخطة. ومن هنا انتخب اليونانيون حكومة يسارية هذا العام، بقيادة حزب “سيريزا” للتفاوض ضد التقشف.
كشفت السنوت الفائتة أنّ صندوق النقد يرسّخ مكانته كأداة الدائنين المفضلة في التعامل مع المدينين؛ فحتى الأوروبيون يستخدمونه مع عضو منهم. من جهة ثانية، فإن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف ما إذا كان العالم يمكن أن يطور آلية مختلفة لا تمضي بعيداً في فرض التقشف على المدينين. واللافت هنا أنّه حتى الأوروبيون يختارون التقشف ضد عضو منهم، بدلا من تطوير خطة مالية مختلفة مثلا، بتمويلهم أوإدارتهم، فمن الواضح أنّه ليس “الصندوق” فقط من يستمر في عمله، ولكن أنّ الاندماج الأوروبي لم يصل أيضاً إلى ما يخلخل مفهوم السيادة التقليدي مع عضو ضعيف فيه، حتى لو كان مستقبل عملية “اليورو” مطروحاً للنقاش أيضاً.
هناك سؤال آخر أقل احتمالاً ولكنه متداول، وهو: هل يحصل اليونانيون على مساعدة صينية وروسية؟! مثل ذلك سيكون قصة أخرى بشأن أوروبا وصندوق النقد الدولي، والنظام الاقتصادي العالمي. ولكن حتى يحدث شيء مثل ذلك، يبدو أن قواعد لعبة الديون العالمية ستبقى كما هي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165412

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165412 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010