السبت 25 نيسان (أبريل) 2015

الخلافة الراشدة.. سبيل الخروج من الفتن والضياع

السبت 25 نيسان (أبريل) 2015 par صالح عوض

يبدو أن البعض أصابه الذعر فيما نحن نواصل الحديث حول الخلافة الراشدة.. وبعض المصابين بداء الإسلامفوبيا انتابته حالة هستيرية وهو يرانا ندافع ببسالة وبلا تردد عن الخلافة الراشدة.. وبالتأكيد لم يكن يخطر بالبال أبدا ان يجد مثل هذا الموضوع الترحيب من قبل النخب “المثقفة” المتعيْلمة المتعالية وإنني أعتقد أن مرد ذلك لأن الحديث عن الخلافة هنا أخذ سبيلا آخر غير الطريقة المتبع فيها تناول السير والأحداث، إنما هي المحاولة لقراءة علمية لتجربتنا الانسانية الراقية والبحث عن عناصر توحيد الأمة حول منطلقاتها الأساسية في مرتكزات أصبحت بسبب الجهل والتعصّب الذميم للأسف مثار تنازع واختلاف وتناحر.

لقد شرحنا باستفاضة أهمية الاقلاع عن موقف التردد في إبداء الاستنكار لرافضي الخلافة الراشدة وكشفنا أن ذلك مرده للتعصب والجهل والأمراض النفسية المغلفة بعصبيات ذميمة.. وبعد أن أصبح واضحا أن كل مسلم، بغض النظر عن تقليده واتباعه لأي من المذاهب الاسلامية، فإنما هو يرى في الخلافة الراشدة مرجعيته السياسية المجمع عليها على اعتبار أنها النظام السياسي الأقرب لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي تتوفر فيه الحدود الأساسية للحكم الإسلامي الراشد.. وقد أفضنا في التأكيد أن الملك العضوض مرفوض من كل المسلمين وأن رفضه محل إجماع لعلماء الأمة وجيلها القرآني الفريد..

وهنا لابد من التأكيد بجملة أن علماء أهل السنة لم يكونوا في يوم من الأيام إلا مناوئين ومتصدين للمُلك العضوض ومنهم من قضى نحبه شهيدا ومنهم من عُذب أو اعتقل، ومن هنا فإن الرد قاطع على كل من اتهمهم أنهم حزب الموالاة للطغاة البغاة.. وبيّنا تماما أن علماء الأمة من الشيعة لم يترددوا في التأكيد على الوحدة ونبذ كل قول بسب أو شتم لأحد من صحابة رسول الله لاسيما أبي بكر وعمر وعثمان وأجلاء الصحابة وانهم عززوا أمهات المؤمنين وردوا عنهن أي أذى.. وأوضحنا أن أي كلام فيه سب أو شتم أو إنقاص من قيمة الصحابة رضوان الله عليهم إنما هو جريمة لابد من معاقبة مرتكبيها، وانها تعبر عن منطق أناس جهلة أو مدفوعين من قبل قوى الاستعمار لتفسيخ الأمة..

وهكذا تجلى لنا أن علماء أهل السنة بمدارسهم وعلماء الشيعة والإباضية بمدارسهم، إنما هم علماء الإسلام يجتهدون فيختلفون ولكن في إطار المقبول في الاجتهاد.. وإن هناك قواسم كلية ومبادئ عامة هي الأصول لا يتجاوزها أحد.. وعلى ذلك فلا يحق لأحد من المسلمين أن يتسمى بأي اسم الا ذلك الذي سمانا به أبونا ابراهيم وأن التركيز على أي تسمية لنا انما هي من باب شق الصف بأسماء تثير الإحن تُلقى إلى العوام فيتعصّبون حولها وتصبح أخطر على الاسلام والمسلمين من خناجر الأعداء.

بعد أن شرحنا ذلك نتوجه مباشرة الى الحديث عن الدعوات المسلحة من أجل إقامة الحكم الإسلامي ونميط اللثام عن الملابسات التي وُلدت فيها وأين التقى الصواب فيها مع الاضطراب والفوضى الفكرية التي أنتجت لنا بيتا متوترا ومجتمعا مضطربا وأجيالا من الشباب المشوَّش..

بلا شك أن هناك حنينا نفسيا لما تشكل في لاوعي المسلمين من حكم إسلامي عادل لا يجوع الفقير في ظله ولا يلحق الظلم بأحد أعضائه ولا يتجبر فيه العدو على طرف الأمة وكرامتها.. وهذا الحنين هو الذي يدفع آلاف الشباب المحبين لإسلامهم ولرسولهم للتحرك بحماس وفاعلية ولكنهم يصبحون صيدا ثمينا لأشرار يتربصون بشباب الأمة يشوهون مسيرة الإسلام ويحرّفون القول عن مقاصده مستغلين أوضاعا مشينة تعيشها الأمة فيدفعون بالشباب إلى تصويب رصاصهم الى صدور أبناء الوطن والأمة ظنا منهم بأنهم يؤدون واجبا إلهيا ويتعبدون إلى الله بقتلهم الناس والتسبب في هلاك المئات والألوف..

إن العملية ليست وليدة الجهل فقط لأنها حينذاك لن تكون منظمة بدقة وتخطيط وإدارة مركّزة، إنما هو العدو الغربي ومن خلال مراكز أبحاثه ومختبراته ومن خلال أدواته في بلاد المسلمين يعمل ليل نهار على اختراع إسلام جديد بأشكال عديدة وعناوين جديدة وكلّما فشل عنوانٌ اخترع عنوانا أقرب منه عازفا على حاجة الناس ومتسللا من شروخ في واقع المسلمين وبث أفكار مشوّهة من خلال عملاء له أو من خلال مخبولين مأخوذين بثقافته ويلقي بهم في أوساط المجتمعات الإسلامية وينميهم ويعمل على ربطهم بمنظومات تنتهي بوجود حركات وجماعات ودول لتكون هي العقبة الكأداء أمام حركية الإسلام وحركة الأمة نحو نهضتها.

من الواضح حين استحضار الخلافة الراشدة أن هناك جملة قوانين تبرز مباشرة في المقام وكأنها هي أهم صفاتها وما يميزها، أول هذه القوانين: تنصيب الحاكم حق من حقوق الأمة السياسية الثابتة؛ فلا شرعية لحكم بالغصب أو بالوراثة.. وثانيها: أن الخليفة عنصر توحيد الأمة كلها، وهو إعلان عن نهوضها ووحدتها ولا يصبح الخليفة خليفة حتى يبايعه أبناء الأمة وفي مقدّمتهم أهل الحل والعقد الذين يقومون هم بامتحانه واختباره.

فأين من هذا ما نسمع عنه في مشرق العرب والمسلمين ومغاربهم من دوي لأصوات القنابل والمتفجرات والحروب الدامية حتى عاد الاسلام عنوانا لأكبر معارك المرحلة؛ فباسمه يُسفك دم الأبرياء من النساء والأطفال وتُدمّر المصالح والمدارس والحياة وتُنسف الآثار البشرية التي دعانا القرآن إلى تأملها؟ وفي ظل هذا كله ينهب الاستعمار ثرواتنا ويفسخ ديارنا ويشتت شمل أمتنا.. ويكرس في صفوفنا ثقافة مأساوية وقد جعل منا شذرا مذرا..

لقد انتشرت قوى التطرف المسلح والتنطع الجاهل كالنار في الهشيم تقطع الرؤوس وتحرق المساكن وتروّع الآمنين من المسلمين ومن غير المسلمين سواء وتهجّر الناس من قراهم ومدنهم.. وذلك كله تحت عنوان “الخلافة الإسلامية”.. ولا نجد أكثر سوءا من الذي يحصل أو تشويها لأنبل المعاني التي تقوم عليها الخلافة الراشدة..

إن الأمة كلها مدعوة لحماية دينها من التشويه والانحراف، ولذا فإن إبراز قيمة الخلافة الراشدة ليس فقط كمرجعية سياسية بل كقيمة وقوانين ومبادئ.. هو السلاح الأنجع المزدوج في مواجهة الشر الكاسح في بلاد المسلمين.. تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010