السبت 14 أيلول (سبتمبر) 2019

المقاومة عقيدة ومصير...

السبت 14 أيلول (سبتمبر) 2019 par أيمن اللبدي

لا يتوفر أدنى شك أن المشروع السياسي الذي كان قائماً عربياً وبالتالي فلسطينياً، في مسألة القضية الفلسطينية واستحقاقاتها القطرية والقومية ،في التعامل مع العدو الصهيوني وصياغات حلفه المركزي، وعلى قاعدة عملية «توزيع»، والتي تغطت بالسياقات اللغوية المختلفة، من حدود التوصيف « عملية سلام »، إلى حدود عملية «تسوية »، قد ثبت للقاصي والداني اليوم أنها تسجل فشلها المدوي، وهنا تكمن مخاضات واضحة تحتمل الارتباك أحياناً، وتحتمل محاولة التخفي أحياناً أخرى، ولكنها في مركز التفاعل الحقيقي، تحتوي المحرك الحقيقي للمشهد القادم فعلاً.

من الطبيعي أن تأخذ حالات الارتباك مداها عند الأطراف المختلفة، ومن الطبيعي أيضاً أن تتخفى الحالات الصعبة والمتآكلة أكثر من غيرها، تحت أستار متعددة تحاول فيها تأخير مواجهة الحقيقة، ومن الطبيعي أيضاً أن تحتفل الأطراف المنتصرة في هذه الجولة التاريخية على طريقتها، وأن تختار السقوف العالية لبرامجها الاحتفالية تلك، وذلك طالما أنها قد استطاعت أن تنجز نتيجة يمكن البناء عليها لمراحلها الاستراتيجية المختفية، وهكذا يمكن فهم احتفالية العدو الصهيوني الخاصة، بموضوعة «يهودية الكيان » من جهة، وموضوعة «الدولة الوظيفية»، وموضوعة افتتاح «الترانسفير»، إضافة إلى حمى «تهويد المقدسات»، ما يحدث في اليرموك واحد من المحطات المطلوبة بالضبط كالذي يحدث حول الأقصى والقيامة.

الأطراف التي استشعرت إخفاق وفشل هذه العملية فعلا، وأصبح عندها الإمكانية للحديث عن هواجسها في هذا الموضوع، هي أطراف أوربية تحديداً تحاول أن تلفت الانتباه دون فاعلية، لأن دورها كان دائماً التغطية على أدوار اللاعبين الرئيسيين، وهؤلاء هم العدو الصهيوني وإدارات الولايات المتحدة المتتالية، أما الأمم المتحدة فلم تغادر دورها الدائم بالشاهد الملك في قضية فلسطين، وأحياناً بعض الاقتراب من الدور الأوروبي الشهير، وبقيت الأدوار العربية والفلسطينية تأخذ طابع الانفعال والانقياد، منذ قررت القمة العربية في الخرطوم البدء بالتعامل السلمي تحت يافطة شعار « إزالة آثار العدوان»، وما تبعه من التعاطي مع القرارات 242 و338 ليحل ذلك مكان المطالبة بالتحرير الشامل.

في قول أكثر تحديداً من هذه المسألة حول خواتيم هذا المسار، فإن بضاعة «أوسلو» وما تلاها فلسطينياً، لا تختلف عن مصير بضاعة «المبادرة العربية» حالاً، والإجابات التي بدت ظاهرة للعلن منذ إسقاط هذين المشروعين بضربة العدو القاضية، لا زالت بعض التخفي مع بعض الارتباك كخليط غير مستقر، وما أفصح عنه السيد محمود عباس مؤخراً عن أنه خيارات «فلسطينية» لمواجهة هذا الفشل، هو بحد ذاته إمعان في تسجيل السقوط بفعل القصور الذاتي في مسار الفشل، ولا يمكن اعتباره في حقيقة الأمر بأنه الوعي لما بعد الفشل، هذا إن أريد حمله على أساس الفهم الإيجابي عند تقييم القدرات السياسية لقيادة عباس نفسه، بالتقاطع مع دوره وأدائه في سياق طرح مشروع وصل إلى السقوط.

عندما تسقط المشاريع السياسية، سيكون هناك دوما نتيجة لا يمكن الفرار منها تبدأ بالاعتراف بهذا الفشل والإقراربحصوله، وكلما كان ذلك أسرع، كلما كانت عملية المعالجة أنجع وأقل كلفة، ولأن الإقرار بهذا الفشل هو أول الطريق المؤدي لمواجهة الحقيقة، وهو أول الشروط السليمة للخروج من استعادة الفشل وإعادة تدويره، من الطبيعي أن تقف القوى السياسية والمجتمعية مواقف متعددة من هذه الخطوة، بعض أسباب هذه المواقف يمكن تفسيرها دوماً على أساس مواقع هذه القوى ومصالحها التي كانت عليها، عندما كانت جزءا من مسار هذا المشروع، فالقوى والأشخاص الذين شغّلوا بعض أجزاء هذا المشروع أو معظمه لصالح مجموعة من المكتسبات الشخصية البحت، وربما تلكم التي قد تصل في بعض الأوقات لتصبح مجموعة من المصالح المتقاطعة والمشتركة حتى مع العدو نفسه، لن يكون من السهل عليهم بحسب فهم ما هم عليه في هذا الصورة، أن يعترفوا أو حتى أن يستعدوا نفسياً لهذه النتيجة الفاشلة، ناهيك أن بعض من سقط منهم في المحظور الوطني بصورة أو أخرى، سيكون مستعداً ليصبح جندياً تاماً في خدمة مباشرة للعدو نفسه. على الأقل هذا ما تقوله تجارب الشعوب وما أمثلة «حركيي» الجزائر، و«سلطة حداد وسعد» إلا أمثلة قريبة.

إذن ثمة ثلاث صور متوقعة إزاء فشل المشاريع السياسية هذه، صورة كما سبق تأخذ مداها إلى «فردسة» الجحيم والتعامي عن الحقيقة، لدرجة الاختفاء داخل نتيجة الفشل نفسه بما تقتضيه هذه المعادلة من السقوط الخياني نفسه، وصورة تأخذ مداها إلى الارتباك ومحاولة وضع تكتيكات أو خيارات ولو كانت عبثية وغير مجدية، لكنها لا تستمر أكثر من فترة زمنية محددة قبل أن تصل إلى القناعة بضرورة مواجهة النتيجة التي حصدتها، وصورة تقدمية وربما أحيانا مهنية مميزة، تأخذ استشرافها إلى المستقبل حيث المصالح العليا، وتبدأ بالحراك من نقطة مواجهة الفشل والإقرار به، وبالتالي سؤال اليوم الذي يلي هذا الإقرار مباشرة، كيف نقيّم الماضي ونضع خطة المستقبل.

إذا كانت هذه الصور السابقة هي صور القوى التي دخلت معادلة المشاريع، أي المشاريع الفرعية التي لا علاقة لها بالمشروع الأصيل، فإن هنالك دوماً صورة واحدة لضمير الجماهير ومصالحها، هذه الصورة هي صورة الطلائعية والضميرية التي لا تنفك عن جماهيرها لحظة واحدة، والتي تكون في موقع التنبه الدائم واليقظة التامة طيلة المدة، وهي بالقطع تكون في موقع نضالها الذي لم ينقطع يوماً عن مطابقة مقتضيات فكرها هذا وطبيعتها هذه، وفي هذا مجال لتنزيه هذه الصورة عن الوضع النبوئي من جهة، ومن جهة أخرى دلائل واقعية على رجحانية وصوابية مواقفها المبدئية والتي لم تتزحزح عنها، وإن كانت قد أعطت مجالاً بطريقة أو أخرى لنشاط هؤلاء الراغبين في التجربة والذين أخذوا مدتهم الكافية.

هكذا تصبح عملية الإنقاذ الضرورة ليست مسألة استجابة للراهن فقط، بل تصبح ترجمة لعقيدة الصيانة والحماية والحفاظ على الذات من جهة، ومسألة طلائعية للبحث عن تأمين المصير من جهة أخرى، وهي مهمة القوى والتيارات الطلائعية، مثلما هي مهمة القوى والتيارات الوطنية المهنية ، والتي حافظت على حبلها السري «الوطني السُّري» سليماً من السقوط أو التشويه، وعندما لا يكون ممكنا الاعاء بأن أول خطوات الإنقاذ الوطني والقومي، هو مجرّد البحث عن طرق ووسائل لفتح تغرات تبقي تديم السير في الطرق المقفلة، بل الخروج بالكامل من الطريق القائم إلى طريق آخر تماماً، فإن المصارحة الحقيقية والتقييم العلمي هما أول درجات سلم النجاة، وإن عملاً من هذا النوع يقتضي ميكانيزم خاص أساسه العودة للمنابع، فالمنابع الصافية في المنهج والمنطلقات، حيث تكون دوماً الصورة الحقيقية دون إضافات أو تشوهات شابتها خلال المسارات المتعددة التي استهلكها الزمن، هي مكمن البحث عن البدائل الحقيقية والخيارات ذات الصدقية الأساسية، وفي الحالة الفلسطينية فإن الإنقاذ الحقيقي لهذه القضية تعني العودة إلى برنامج واحد وحيد هو « التحرير الشامل»، وفي المستوى العربي فإن المطلوب عنوانه واحد وحيد هو احتضان وإسناد كفاح «أهل مكة » هذا لا غير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 209 / 2165418

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165418 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010