الجمعة 24 نيسان (أبريل) 2015

روزفلت . . أمريكا بين الأمس واليوم

الجمعة 24 نيسان (أبريل) 2015 par محمد الصياد

هل كانت إصلاحات الرئيس الأمريكي الراحل المنتمي للحزب الديمقراطي فرانكلين روزفلت، صادقة في نزعتها الليبرالية على حساب نزعة الحزب اليمينية التقليدية التي هيمنت على توجهاته منذ ما قبل الحرب الأهلية حتى اندلاع أزمة الكساد العظيم والتي استهلكت الأعوام التنموية الضائعة من 1929 حتى 1934؟
بهذا التساؤل توقفنا في مقالنا السابق “حزب الليبرالية الجديدة في أمريكا” الذي ناقشنا فيه تحول الحزب الديمقراطي الأمريكي من الليبرالية الى مواقع الليبرالية الجديدة المنافحة لنزعات اليمين الجمهوري على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي .
إنه مما لا شك فيه أن الرئيس فرانكلين روزفلت أحدث نقلة نوعية في مسارات السياسة الاقتصادية والاجتماعية المحافظة للحزب الديمقراطي الأمريكي . في تلك اللحظة التاريخية الحرجة التي اجتازتها البلاد، فقد كانت تلك النقلة بحق، مقاربة مغايرة نوعياً للنهج التقليدي الذي سار عليه الحزب الديمقراطي منذ ولادته في عام 1792 والذي ظل بموجبه “أميناً” ل “روشتته” الاقتصادية والاجتماعية المعنية أساساً بمصالح قطاعات الأعمال ورأس المال الزراعي أولاً والصناعي والبنكي تالياً .
وهي نقلة طالت أيضاً فضاء العلاقات الدولية للولايات المتحدة، حيث يُسجل للرئيس فرانكلين روزفلت ولعهده الإصلاحي، اعتراف الولايات المتحدة في عام ،1933 لأول مرة، بنتائج الثورة الروسية لعام 1917 وأهمها قيام الاتحاد السوفييتي، وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع موسكو بعد ستة عشر عاماً من عدم الاعتراف . كما تبنى روزفلت ما أسماه بسياسة “الجيرة الطيبة” مع بلدان أمريكا اللاتينية، فقام بسحب القوات الأمريكية من هايتي، وألغى التعديل الدستوري الذي كان يسمح للولايات المتحدة بالتدخل في الشؤون الداخلية لجمهورية كوبا . كما بدأت الولايات المتحدة في عهده بدفع مقابل مالي لبنما لقاء استغلالها لقناة بنما .
وكان بإمكان قادة الحزب الديمقراطي الأمريكي الذين خلفوا فرانكلين روزفلت وطاقم مساعديه البناء على هذا النهج الجديد الذي اختطوه في إدارة دفة السياستين الداخلية والخارجية للبلاد، لولا أن ذلكم الإرث الذي تركوه خلفهم، كان بالفعل نقلة نوعية في مقاربة الحزب للإدارة الكلية أكثر منها تحولاً جذرياً في البناء الفكري والثقافي السياسي للحزب . وهكذا كان، فقد بقيت إيديولوجية الحزب تبرز على المديين المتوسط والطويل، براغماتية روزفلت قبل أن تبدأ في قضم انجازات تحولاته النوعية رويداً رويدا .
فعندما ينظر المرء للوراء قليلاً فإنه سيجد أن الرئيس روزفلت لم يكن أمامه خيار آخر في الواقع وهو الذي تسلم إدارة بلد منهار اقتصادياً في عام ،1933 أي في خضم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العظمى التي ضربت الاقتصادات الرأسمالية فلم يكن أمامه من خيار سوى الانعطاف بالسياسة الاقتصادية راديكالياً ببرنامج أسماه “العهد الجديد” بهدف تقديم إغاثة فيدرالية مباشرة الى المحتاجين والعجائز، اشتمل على إنشاء مؤسسات رعاية اجتماعية للمدنيين وتوظيف أكثر من 3 ملايين شاب ينتمون للأسر الفقيرة في رصف الطرق وزرع الأشجار، والعمل في مشروعات الصيانة والخدمة العامة، وإيوائهم في معسكرات ريفية تحت إشراف عسكري، مع تقديم الطعام إليهم يومياً وتسليمهم مصروف جيب رمزي، وإنشاء إدارة للإغاثة الفيدرالية لتقديم المساعدات المالية لمن يثبت فقرهم الشديد، أو للذين أصيبوا بخسارة في تجارتهم، وإنشاء إدارة لإدخال الكهرباء للريف وغيرها من الإجراءات التي ساعدت على كتم السخط الشعبي . ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال البرنامج الانتخابي للرئيس روزفلت في حملة إعادة انتخابه للمرة الثانية في عام ،1936 فقد كان موضوعه الأبرز، هو إعادة مستوى الاقتصاد إلى سابق عهده . وقد ذكّر روزفلت الناخبين بأن إدارته، هي التي أنقذت أنظمة الملكية الخاصة، والمشروعات الحرة، من الدمار، الذي أحدثته إدارة الرئيس الجمهوري الذي سبقه هربرت هوفر (1929-1933) . وبالفعل فقد فاز روزفلت للمرة الثانية، وحصل على 61% من الأصوات، بينما حصل منافسه الجمهوري آلف لاندون على 37% فقط .
بهذا المعنى يمكن القول إن الظروف الموضوعية في تلك الآونة خدمت الرئيس روزفلت وساعدته في إحداث تحول نوعي في الاتجاه العام للسياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، اعتُبر إنجازاً متقدماً، إن لم يكن راديكالياً بمقياس النهج اليميني المحافظ الذي سار عليه الحزب الديمقراطي حتى العام 1933 هي، في وقتها، “بيريسترويكا”، إن شئتم على الطريق الأمريكية .
ومع ذلك يتعين اعطاء الرئيس روزفلت حقه والاعتراف ببصمته الشخصية والمناقبية التي وفرت العامل الذاتي المساعد للعامل الموضوعي (ظروف تلك المرحلة)، لإنجاح تلك السياسة التقدمية . تماماً كما حدث مع البصمة الشخصية الكاريزمية والمناقبية للرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي التي وجدت تجسيداتها في سياسة الانفراج والوفاق التي دعا إليها مع الخصم اللدود الاتحاد السوفييتي السابق وفي اتفاق حظر التجارب النووية الذي أبرمه معه كمقدمة لاتفاق أشمل لخفض ترسانتي البلدين النووية، والذي كان أحد أسباب اغتياله على أيدي الدولة العميقة . الرئيس روزفلت هو الآخر أغضب مراكز قوى الدولة العميقة، لكنه نجا من محاولتها اغتياله في الخامس عشر من فبراير/ شباط عام 1933 إبان فترة رئاسته الأولى، والتي نُسبت، كالعادة الى عمل فردي طائش نفذه شخص واحد وتم إعدامه بالكرسي الكهربائي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2181687

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد الصيّاد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

75 من الزوار الآن

2181687 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40