الأربعاء 22 نيسان (أبريل) 2015

سبعون عاماً على مجزرة سطيف الجزائرية

الأربعاء 22 نيسان (أبريل) 2015 par فيصل جلول

بعد مضي 70 عاماً على ارتكابها مجزرة سطيف، بادرت السلطات الفرنسية إلى الاعتذار للمرة الأولى عن المجزرة، وهي الأكبر والأهم في تاريخ الجزائر . فقد وضع وزير المحاربين القدماء الفرنسي جان مارك تودشيني اكليلاً من الزهور على النصب التذكاري لشهيد المجزرة الأول سعال بوزيد في ساحة المدينة الواقعة على بعد 300 كلم شرق الجزائر العاصمة . وقال الوزير الفرنسي وهو الشخصية السياسية الرسمية الأولى التي تزور هذا المكان منذ استقلال الجزائر عام 1962 إن مبادرته “هي الترجمة العملية لخطاب رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند أمام البرلمان الجزائري عام 2012 التي أشار فيها إلى الآلام التي تحملها الشعب الجزائري في العهد الكولونيالي وإلى وجوب الاعتراف بها” . وقال تودشيني “إنه جاء إلى سطيف ضمن مسعى لمقاربة مشتركة لتاريخ تلك الفترة بمزيد من العقلانية والأعصاب الباردة” .
قد تبدو هذه المبادرة للوهلة الأولى رمزية وصغيرة ولا قيمة كبيرة لها، إذا ما جردت من السياق التاريخي للمجزرة، وإذا ما فصلت عن اتفاقيات ايفيان التي نالت الجزائر على أساسها الاستقلال، والتي نصت على ان كل ما جرى خلال الفترة الكولونيالية لا يحاكم بمفاعيل رجعية، ولا يحق للجزائر المطالبة بأية تعويضات . لكن الجزائر التي وقعت على هذه الاتفاقية في ظروف ضاغطة وبعد مضي 130 عاماً على استعمار استيطاني شبيه بالاستعمار الأمريكي لهنود امريكا الشمالية ما كانت مهيأة للوقوف عند هذه التفاصيل، بادرت من بعد، إلى طلب الاعتذار عن تلك الجرائم والاعتراف بوقوعها حتى لا يمجد الاستعمار، كما كان يريد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي . وقد استجاب عدد من المسؤولين الفرنسيين للطلب الجزائري تلميحاً أو بعبارات مدروسة تحمل أكثر من معنى، إلى أن وقعت هذه الزيارة التي تعتبر بحق غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الدولتين ما بعد الاستقلال .
إذاً، هي زيارة غير مسبوقة لحدث غير مسبوق في تاريخ الاستعمار الاستيطاني لهذا البلد منذ عام ،1830 وهو غير مسبوق لأسباب ابدأها بظروفه وبتطلعات الشعب الجزائري في حينه . فقد وقعت المجزرة في 8 مايو/أيار عام ،1945 وأثناء الاحتفال بالانتصار على النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية، وقد شارك قرابة 150 ألف جندي جزائري في هذه الحرب معظمهم من المجبرين على التطوع . كان الجزائريون في حينه يناضلون من أجل الحصول على المواطنة المتساوية مع المستعمرين الأوروبيين، وكان حزب فرحات عباس مكي المعروف باسم: “أحبة البيان والحرية” يطالب بالاندماج مع فرنسا والاعتراف بأن الجزائر فرنسية وبالتالي يطلب المساواة في المواطنة، وفي أحد مقالاته في هذا الصدد قال “بحثت عن الوطنية الجزائرية في الجبال والمدن والمقابر فلم أجدها ولو كانت موجودة لرأيتها ولمت من أجلها” علماً بأنه صار استقلالياً بعد مجزرة سطيف .
وفي المدينة نفسها تأسس حزب الحاج مصالي “نجم شمال إفريقيا” الذي صار من بعد “حزب الشعب الجزائري” ومنه ولدت جبهة التحرير الوطني الجزائرية . وبخلاف فرحات عباس كان الحاج مصالي يطالب باستقلال الجزائر منذ العشرينات وقد اعتلقته السلطات الفرنسية ونفته إلى إفريقيا الوسطى .
الواضح إذاً أن مدينة سطيف كانت تمثل موقعاً رمزياً للحركة الوطنية الجزائرية، وبالتالي فإن التيار الاستقلالي كان يريد أن يحشد فيها أكبر عدد من الوطنيين الجزائريين في يوم الاحتفال بالانتصار على الحلفاء للفت الانتباه إلى وعودهم باعطاء الشعب الجزائري حق تقرير المصير إذا ما شاركوا في الحرب، واللافت أن التظاهرة كانت مرخصة وكانت ترفع أعلام دول الحلف المنتصرة في الحرب والعلم الجزائري، وكانت شعاراتها اندماجية من نوع “أطلقوا سراح الحج مصالي” أو “نريد أن مساواتنا بأنفسكم” .
من هنا ندخل إلى السبب الثاني الرمزي أيضاً للحدث، فقد خرق أحد الشبان الاتفاق مع الشرطة الفرنسية التي رخصت للتظاهرة وحمل علماً جزائرياً، فتقدم شرطي منه وانتزع العلم الذي التقطه مجدداً شاب جزائري آخر يدعى سعال بوزيد، لكن الشرطي أرداه قتيلاً الأمر الذي أثار حفيظة المتظاهرين فبادروا بعمليات قتل عشوائية انتقامية طالت 102 جندي ومثلهم أو أكثر قليلاً من الجرحى . الأمر الذي أدى إلى ردود فعل إجرامية فرنسية اشترك فيها المستوطنون إلى جانب رجال الشرطة والجيش والميليشيات وأدت إلى قتل وسحق عشرات الآلاف من الجزائريين وتدمير مزارعهم وقراهم وبيوتهم . وقد استخدمت أبشع أساليب القتل من نوع حرق الجثث في الأفران العامة وقطع الرؤوس وحشوها بالأعضاء التناسلية للضحايا، واغتصاب النساء وحرق المحاصيل الزراعية . واستمرت اعمال القتل العشوائي كثيفة طيلة أسبوعين متواصلين، ومتفرقة حتى نهاية العام وكانت حصيلتها أكثر من 40 ألف شهيد وفق الإحصاءات الجزائرية الرسمية في حين تتعدد التقديرات الفرنسية من 1500 شهيد إلى 30 ألفاً ولا احصاء للجرحى .
واللافت في هذا الحدث أن الفرنسيين كانوا يلزمون أهالي القرى والأحياء الذين يطلبون الأمان والنجاة بأنفسهم بالتجمع في ساحة البلدة أو الحي والركوع أمام العلم الفرنسي وترديد العبارة التالية، “نحن كلاب أولاد كلاب والحاج مصالي كلب” . وعلى الرغم من استسلام الأهالي إلا أن حوادث الانتقام منهم استمرت شهوراً طويلة .
والبعد الثالث لهذا الحدث الرمزي يتمثل في كونه الممهد الأكبر لثورة الجزائر التي بدأت بعد 9 سنوات من المجزرة ،1954 والتي توجت بتحرير هذا البلد في عام 1962 . كل ذلك يفيد بأن المبادرة الفرنسية الرسمية بالاعتذار عن المجزرة تكاد تعادل اعتراف فرنسا بكل جرائمها في الجزائر، هذا الاعتراف الذي من شأنه أن يتناقض مع كل تمجيد محتمل للاستعمار في الجزائر، وتقديمه بصورة حضارية وإنسانية، وأخيراً هو اعتراف رائع بتضحيات الجزائريين لنيل استقلالهم وخطوة جدية نحو الاعتراف الفرنسي الصريح ب 130عاماً من التوحش الكولونيالي في هذا البلد العربي الفخور بشهدائه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010