عندما يشعل المسعورون حروبهم بعناوينها المقيتة، طائفية أو قومية أو جهوية أو فصائلية، تصطف القوى والأحزاب والدول في محاور الأمر الذي يعمق الشرخ ويفسد احتمالات الخروج من الفتنة. وفي تلك الحروب يضيع الصواب وتفقد الأمة استقرارها وتختلط عليها صور أعدائها وأهدافها ويضيع اليقين ويصبح الحليم حيران.. في تلك الحالة يبرز كل نتن قبيح ويسود منطق الغوغاء المعاتيه وتصبح الصولة للرويبضات الذين لا يخافون الله ولا يحرصون على أمة ولا يعنيهم شيء إنما هي المغالاة والتنطع والتشظي.
أجل إننا أصبنا بهاته الفتنة العمياء عندما أصبح النفط نقمة علينا وسلاحا لمزيد من قتلنا والفتك بمستقبلنا.. وليس هناك في المشهد الإقليمي والدولي إلا من يزيد الفتنة اضطراما.. وهاهو اليمن أحد عناوين الصراع بين تنافرات ما كان ينبغي لها أن تكون لو اقتنعنا بأنه لا أحد يزيل أحدا وأن الأمة بكل مكوناتها القومية والاجتهادية هي المعني بالعدوان.. وكان يمكن بدل أن نقدم التنازلات الرهيبة للعدو الأمريكي من مالنا وكرامتنا أن نقدم لبعضنا تنازلات حقيقية لنصل إلى الوئام والتعاون من أجل قضايانا الحقة في النهضة وفلسطين.
ولكن لا تعد الأمة من الخير أبدا.. وهكذا انطلق دور الجزائر التاريخي لمهمة هي الأجل والأكبر والأعظم في حياة الأمة اليوم.. تنطلق الجزائر لإصلاح ذات البين وفتح الحوار بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية وإيجاد مناخ صحي يمكن التفاهم فيه على قواسم مشتركة فلا أحد بإمكانه إلغاء دور أحد وإن كان ممنوعا على أي أحد العدوان والبغي.. يأتي دور الجزائر لحل المشكلة من جذورها، وهنا نستطيع أن نقول بالفم الملآن إن الموقف الجزائري تتصدى لمؤامرة الشيطان الذي يريد أن يزج بالسعودية نحو التمزق والتفسخ ويريد أن يلحق الأذى بالأبرياء المسلمين العرب المساكين المظلومين في اليمن. ويريد أن يفجر في وجه إيران أعداء من المنطقة بعد أن استطاعت تحقيق مكتسبات استراتيجية لها في المفاوضات المعقدة والصعبة مع الغرب..
من هنا يأتي دور الجزائر بما تحمله في داخل ضميرها من روح ثورية واعية تدرك أحابيل الشيطان وما لها من رصيد في العمل السياسي فائق الأهمية إذ لم يسبق لها أبدا أن اشتغلت على تنافر مكونات المجتمعات أو تزويد أحد أطراف الصراع المحلي في أي بلد بما يؤجج الصراع، بل كانت على المستوى الإقليمي رائدة إصلاح ذات البين. وهذا موقف أصيل لها يجعلها تكتب بأحرف من نور دبلوماسية أخلاقية تتميز بها عن كل دول العالم.
دور جليل وعظيم اختصت به الجزائر.. وهي تقوم له بكل حيوية وهدوء وصبر لإطفاء حريق كارثي سيعصف بالمنطقة ويضع شروخه النهائية في خريطتها.. إنه موقف يعبر عن وجود خط آخر غير خط المسعرين للحروب.. تولانا الله برحمته.
RLS
