الثلاثاء 21 نيسان (أبريل) 2015

“الرئيسة” التي لا ترى الدماء

الثلاثاء 21 نيسان (أبريل) 2015 par نسيم الخوري

استقالت الأحد الماضي من مجلس إدارة مؤسسة زوجها بيل كلينتون وأعلنت بالخط العريض: “أنا مرشحة للرئاسة” . أعلنتها هيلاري كلينتون رسميًا على موقعها تحضيراً للانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 في ثاني محاولة لها للفوز بالرئاسة، وكأنها تفرّج عن كربها الدفين والملحاح الذي يسكنها لأن تريد أن تصبح أول امرأة تحتل المكتب البيضاوي في حال الفوز . يسكنها، بالطبع، لأنّ الجمهوريين راحوا ينكأون جراحها فوراً مشيرين إلى قضية مونيكا لوينسكي والفساد الذي لحق بزوجها فغاب ذكره . ربما النفاذ إليها من هذا الباب المحرج والمرّ الذي دمغ مسيرتها قد يضاعف من همّتها، ويجعل طريقها هذه المرة يبدو أكثر سهولة، وهي المرأة التي تكاد تعرف أو تحفظ أعداد مسامير الأبواب في البيت الأبيض كما يقال . عاشت في ذلك البيت ثماني سنوات الأمر الذي لم يحققه أي مرشح آخر . لا جديد تحت شمسها أبداً سوى التأكيد على العائلة الأمريكية . كم هو قاسٍ جرح الكرامة في العائلة التي ترسّخت بذرة القداسة في حضارة المجموعات والمجتمعات وسلالم القيم، الإعلان إذاً، معروف ومؤكد ومرتقب لأن الأمريكيين، في رأي هيلاري، هم من أكثر الشعوب النهمة بحثاً عن بطلهم اليومي وتريد أن تكون بطلتهم لكلّ يوم . الجديد هنا استحالة الفصل بين حياتها ومعضلة السلطة والمواقع . فالمرأة قطعاً حبلت بفكرة ترشّحها بعدما خدش كبرياؤها مراكماً في رأسها جبالاً من التحدّيات بعدما لازمت زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون في البيت الأبيض .
ومع أنّها لم تخبر الحياة العسكرية، راكمت على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية والشخصي تجارب قوية وخبرات واسعة عندما شغلت سابقاً منصب وزيرة الخارجية، وكانت عضوًا في مجلس الشيوخ لم يحظ بها مرشح آخر إذ التقت هيلاري كلينتون معظم الرؤساء ورؤساء الحكومات في العالم والملوك، وتعاملت مع أزمات تبدو وكأنها ما زالت في مهدها من ليبيا إلى العراق ولبنان وروسيا إلى ظهور تنظيم “داعش” والحربين في سوريا وأوكرانيا والفوضى في اليمن . صحيح أنّ أوباما الذي يدوّر أصعب الزوايا حتّى مع كوبا قبل أن يباشر بحزم حقائبه، يرى هيلاري “بأنها ستكون رئيسة ممتازة”، ويعرف بأنّ محصّلة أدائهما معاً فاشلة في نظر الجمهوريين مما يجعل إكمال مسيرة الديمقراطيين مستحيلة من دون التفكير بولاية ثالثة لأوباما .
نخرج من هذا الحيز الضيق في انتظار مستقبل يقف فيه أحفاد العرب للكشف وربما لمحاسبة الولايات المتحدة في شأن تلك “السياسات الجهادية” التي راحت تورث العرب والمسلمين تلك الحفلات المتلاحقة من التدمير والإرهاب بدءاً من مغامرات التلال والكهوف في جبال أفغانستان . ولسنا بحاجة إلى الاجتهاد لكشف علاقة الإخوان المسلمين بالغرب وخصوصاً بريطانيا أو لعلاقتهم بمعظم هذه المشتقات الإرهابية المتنوّعة، لسبب بسيط لا يحتمل الفرضيّة، وهو أنّ الشرق العربي والإسلامي كان وما زال كلّه على طاولات المشارح في الغرب وأمريكا، وسنبقى محكومين بهم إلى حدٍّ بعيد . كان التقدير الأمريكي في أفغانستان يقوم على أن الولايات المتحدة لا يليق بها أن تظهر علانية هناك، وإنما الأفضل أن تنأى بصورتها بمسافات كافية، وتترك المعارك للمسلمين يخوضونها باسم “الجهاد الإسلامي” ضد “الإلحاد المادي” . كثيرة هي الكتب والمصادر الغربية التي كشفت المستورات حول الإسلام والنفط والصراعات الكبيرة في وسط آسيا وقد يكون أفضلها كتاب الصحفي الأمريكي جون كولي عنوانه المعبّر “الحروب غير المقدسة: أفغانستان، أمريكا، والإرهاب الدولي”، الذي طبع أربع مرّات منذ ال1999 .
ويقع كتاب Hard Choices أو “الخيارات الصعبة” لهيلاري كلينتون الصادر في يونيو/ حزيران 2014 ليس جواز مرور يحقّق تطلّعها إلى رئاسة البيت الأبيض بعد انتهاء ولاية أوباما، بل لمضمونه الذي أثار كرامة العديد من المحللين والمعلقين العرب، وخصوصاً المصريين منهم، إلى درجة جعلت كلينتون تعبّر عن ضيقها من هؤلاء بقولها:
Im done with crazy Egyptian conspiracy theories أو لقد “مللت من ترداد المصريين لنظرياتهم المجنونة عن المؤمرات” . حمل النص، ربّما، أكثر ممّا يحتمل في موضوع الروابط الواضحة بين الإرهاب “الداعشي” والإدارة الأمريكية خلال فترة تولّيها للسياسة الأمريكية الخارجية بين 2009 و،2014 لكنّ هذه القراءات المتناقضة كانت مفيدة وتؤشّر إلى القلق من الإرهاب الذي حلّ بالمنطقة العربيّة بعدما تزامن نشره مع انتشار إرهاب “داعش” وتوسّعها في رقعة بلاد الشام والمسلمين كما الصراع بين الدول العربية أو بينها وبين إيران . وباتت الهموم والخطب تغالي إلى درجة التنظير المستورد عن توازن التهديدات بين “داعش” المتمددة نحو البقاع والشمال وحزب الله في لبنان الذي يقاتل إلى جانب النظام في سوريا .
تناولت الوزيرة كلينتون في القسم الخامس من كتابها مواقفها من أحداث “الربيع العربي” والثورات المتعاقبة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ومواقفها من الاقتتال في سوريا الذي كان منصبّاً من قبلها على تسليح المعارضة السورية والتي كانت منكرة ومفتتة بل غير موجودة في دوائر القرار في البيت الأبيض أو مراكز التقارير لدى المخابرات المركزية الأمريكية . ولم تغفل كلينتون تناولها لأسرار السياسة الإيرانية، والصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” ومسار البحث عن الهدنة التي بقيت تلوكها الهشاشة . يمكن اختصار هذا الموقف اليائس من العرب والمسلمين في الكتاب، بإشارتها إلى أنّك إذا كنت تتطلّع أو “تدعو إلى إصلاحات في الشرق الأوسط، فهو أمر يشابه أن تضرب رأسك بالحائط” . لكنها لم تخف قطّ تهاون الدبلوماسية الأمريكية حيال مراعاتها للإخوان المسلمين والتضخم الذي كان ملحوظاً ومسموحاً به للإرهاب بما يعنيه من مقاتلين وجماعات وتدريب وتسليح جعلت التشظيات بين سكان تلك المنطقة متنوعة ومتفاقمة إلى حدود ضياع الخيارات . وجاء دخول أمريكا الحرب في العراق وليبيا وسوريا وخصوصاً دبلوماسياً في مصر بعد ثورة 30 يونيو التي أنهت حكم الإخوان ليجعل “الخيار الحقيقي لمصر والدول الأخرى أقلّ صعوبة . . لكن البدائل المتبقيّة كانت، في نظرها، نادرة تنحصر في مشاهدة المنطقة العربية والإسلامية تغرق أكثر في الرمال” .
هكذا إذاً مستقبلنا الغوص أكثر في الرمال؟ لكنها تناست الدماء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2178746

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع نسيم الخوري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178746 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40