الثلاثاء 21 نيسان (أبريل) 2015

رحيل أديب أغضب الكيان

الثلاثاء 21 نيسان (أبريل) 2015 par د. فايز رشيد

رحل الأديب العالمي الألماني غونتر غراس “الضمير الأخلاقي لألمانيا كما يسمونه”، غراس حاز جائزة نوبل في الآداب عام ،1999 الكاتب هو أحد الكتّاب الأكثر شهرة في العالم منذ بدء النصف الثاني من القرن العشرين . يعتبرونه “مؤسس الأدب الألماني” . جمع غراس بين فنون الأدب المختلفة، فهو الروائي والكاتب المسرحي والشاعر . الكاتب أشاد بمردخاي فعنونو عندما كشف تفصيلات البرنامج النووي “الإسرائيلي” عام ،1986 غراس أحد منتقدي الكيان . اعتبر “إسرائيل” تهديداً للسلام العالمي . انتقد بيع ألمانيا غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية ل “إسرائيل” . من قبل انتقد الحرب الأمريكية على العراق عام ،2003 كما أعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني . أشاد بالموروث الحضاري لليمن عندما زارها عام 2004 لحضور اجتماعات “ملتقى الرواية العربية - الألمانية” . القشة التي قصمت ظهر البعير: قصيدته التي نشرها عام 2012 بعنوان “ما ينبغي أن يقال” . أثارت الدولة الصهيونية حينها، عاصفة هوجاء عليه . الهجوم الصهيوني على الأديب الألماني كان فقط: لأنه يرى في سياسات “إسرائيل” تهديداً للسلام .
انتقاد الأديب الألماني للدولة الصهيونية جاء في القصيدة المعنية التي نشرها على صدر صفحات القسم الثقافي لصحيفة “تسوديتشي تسايتونغ” الألمانية . ردود الفعل الصهيونية لم تنتظر يوماً واحداً، فقامت بشن حملة شعواء على غراس في اليوم الذي نشر فيه قصيدته، إذ أصدر مكتب رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو بياناً أدان فيه الأديب متسائلاً: ألا يخجل من نفسه؟ واتهمه (بالطبع بالتهمة الجاهزة دوماً) “العداء للسامية” . كذلك رددت هذه التهمة كل الأبواق الصهيونية في أوروبا والولايات المتحدة وأنحاء مختلفة من العالم . قالت عنه ما تسمى ب الرابطة “العبرية” للكتّاب في “إسرائيل”: “إن النازية مترسّخة في حمضه النووي”! .
صحيفة “هآرتس الصهيونية” التي تدّعي “اليسار” شنّت هجوماً عنيفاً على غراس من خلال القول: “إن العقل والمنطق يصبحان بلا جدوى، عندما لا يفهم رجل ذكي حاصل على جائزة نوبل . . واستطردت، بأن عضويته في منظمة(وحدة عسكرية) خططت ونفذت مذبحة شاملة بحق ملايين اليهود . . إن تاريخه يُفقده الأهلية لانتقاد أحفاد أولئك اليهود، بشأن تطوير سلاح الملاذ الأخير الذي يعد بوليصة التأمين ضد من ينهي عملاً كانت منظمته(غراس) قد بدأته”! تصوروا هذا الرد الصهيوني الحاقد!
عنجهية وصلف صهيونيان ليس لهما مثيل! مع العلم أن كافة الأوساط المحيطة بالأديب الألماني تنفي نفياً قاطعاً أن يكون قد خدم في الجيش النازي، بل إن غراس يدين الفظائع النازية . الصحيفة “الإسرائيلية” وبالتعاون مع مخابرات دولتها، لفقت له أكاذيب(تهم) عن حياته زوراً وبهتاناً، ورغم حرص الأديب لاحقاً على التخفيف من صدى تصريحه من خلال القول: “إنه كان ينتقد الحكومة الراهنة وليس”إسرائيل“ككل” .
ما الذي اقترفه غراس حتى نال كل هذا الهجوم؟ الجواب أنه انتقد فقط السياسة “الإسرائيلية”، مع أنه وفي نفس التصريح انتقد سياسة حكومته الألمانية على نهجها في التعامل مع “إسرائيل”، من خلال القول: “إن بلاده تجازف بالتواطؤ ب”الجريمة المنتظرة“لدى تقديمها الدعم العسكري ل”إسرائيل“، بما في ذلك الغواصات النووية” . لم تقم أجهزة الإعلام الألمانية بالهجوم على غراس لانتقاده حكومة بلده، ولكن فقط لنقده للحكومة الصهيونية! شنت صحيفتا “دي فيليت” و“دير شبيغل” الألمانيتان هجوماً قاسياً عليه ورددتا تهمة “معاداته للسامية” . ماذا يعني هذا؟ هذا يعني بأن “إسرائيل” فوق جميع الدول، ويجوز للكاتب انتقاد كل شيء في بلده . لكنه لا يستطيع القيام بمجرد نقد ولو بسيط للدولة الصهيونية وإلاّ، فإن الدنيا تقوم ولا تقعد .
مفهوم، هذا الإرهاب الفكري الذي تمارسه “إسرائيل” والحركة الصهيونية والأوساط العالمية المؤيدة لها، على المؤرخين والكتّاب والمفكرين والصحفيين والأدباء وغيرهم على مستوى العالم، للجمهم عن انتقاد الكيان، ومن أجل حثهم على تأييد كل سياساته العدوانية ومجازره وقتله للفلسطينيين، واستيطانه ومصادراته للأراضي وحروبه، غير أنه من غير المفهوم اعتبار العالم وبخاصة في أوروبا والولايات المتحدة للكيان طفلاً مدللاً يجوز له ما لا يجوز لغيره . وبصراحة مطلقة فإن هذا العالم، يشجّع ولو بطريقة غير مباشرة هذا الكيان على ارتكاب العدوان والاعتداء على كل الآخرين عندما يرضخ لهذا الابتزاز الصهيوني . وكدليل على صحة ما نقول نذكر: إن الدول الأوروبية التي يطلق يقال عنها إنها منارات للفكر ولحرية الرأي أصدرت قانوناً أقل ما يقال عنه إنه إرهاب فكري واضح، هو “قانون غيسو” يتم بموجبه منع الباحثين والمؤرخين وغيرهم من البحث في “الهولوكوست” ومحاولة التمحيص فيما تردده “إسرائيل” والحركة الصهيونية من “حقائق” حول هذا الموضوع تحت طائلة السجن . بموجب هذا القانون الأسود، جرى سجن الكثيرين من الباحثين لأعوام طويلة، وجرى طردهم من المؤسسات البحثية التي يعملون فيها، وامتنعت دور النشر عن طبع مؤلفاتهم وأبحاثهم، وتمت محاربتهم في لقمة عيشهم، مثل الباحث والمؤرخ روجيه غارودي لأنه ممنوع على الصحف مجرد نقل أخبار! كل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل إرضاء الصهيونية و“إسرائيل”!
لم تكتف أوروبا بالقانون المذكور فقط، بل بدأت في تغيير قوانينها (التاريخية) من أجل عدم ملاحقة المجرمين السياسيين والعسكريين “الإسرائيليين”، الذين اقترفوا مجازر ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الفلسطينيين والعرب، والذين وُجهت إليهم تهم من منظمات إنسانية عديدة، في محاكم هذه الدول . بالطبع كل هذا من أجل إرضاء الكيان والحركة الصهيونية بدلاً من ملاحقة هؤلاء المجرمين، ولردعهم وغيرهم عن ارتكاب مثل هذه الجرائم . كل ذلك يحدث في زمننا الراهن في القرن الحادي والعشرين في زمن حقوق الإنسان وحريته، ما نقوله: كفى لهذا العالم تأييداً للجرائم . ما نقوله أيضاً: إن غونتر غراس كاتب عالمي ذو ضمير، وستظلّ أعماله ومواقفه العادلة خالدة أبد الدهر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2176539

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فايز رشيد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2176539 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40