الأربعاء 8 نيسان (أبريل) 2015

انخفاض القيمة الاستراتيجية للكيان

الأربعاء 8 نيسان (أبريل) 2015 par فيصل جلول

لم ينتظر المعنيون بالشؤون الاستراتيجية في الشرق الأوسط توقيع اتفاق الإطار بين طهران وواشنطن حول البرنامج النووي الإيراني حتى يعيدوا رسم الخريطة الجيوسياسية في هذه المنطقة ذلك أن موجبات توقيع الاتفاق كانت طاغية على ما عداها منذ أواخر العام الماضي وبالتالي انهمك المختصون في ترتيب افتراضات استراتيجية جديدة في ضوء هذا التفاهم الذي نادراً ما يقع في تاريخ الأمم من دون حرب .
التغيير المنتظر والأكثر أهمية يتعلق بموقع “إسرائيل” ووزنها الاستراتيجي في المنطقة . فمن المعلوم أن الدولة العبرية كادت أن تقدم على قطيعة مع الولايات المتحدة بسبب الملف الإيراني، وقد لاحظنا حجم الامتعاض والضغط عبر اللوبي اليهودي والجهود الصهيونية الحثيثة للحؤول دون توقيع هذا الاتفاق، بل التدخل السافر من طرف نتنياهو عبر الكونغرس الأمريكي لعزل أوباما وإضعافه من دون جدوى ما يعني أن “اتفاق الإطار” سيضعف بهذا القدر أو ذاك مكانة “إسرائيل” الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة .
يجدر التذكير في هذا السياق أن الدولة العبرية انتقلت بعد عدوان يونيو/حزيران عام 1967 من دولة محاصرة تحتاج الى حماية غربية دائمة إلى دولة إقليمية قادرة على لعب أدوار مفيدة للغربيين في الشرق الأوسط وإفريقيا بل إلى قاعدة حاسمة في الحرب الباردة لمجابهة النفوذ السوفييتي . وقد تدخلت عسكرياً لحماية النظام اللبناني من السقوط عام 1982 وأدى اجتياحها لبنان في العام نفسه إلى طرد منظمة التحرير الفلسطينية من هذا البلد .
وإذا كان صحيحاً أن الدولة الصهيونية قد تدخلت ضد الفلسطينيين الذين يقاتلونها للعودة إلى أرضهم فالصحيح أيضاً أن سقوط النظام اللبناني آنذاك كانت ستترتب عليه نتائج استراتيجية حاسمة في الشرق الأوسط بأسره، بيد أن مكانة الكيان بدأت بالتراجع بعد صعود تركيا وإيران وأخيراً عودة مصر للعب أدوار كبيرة خارج حدودها، وبعد الحروب “الإسرائيلية” الفاشلة في لبنان وفلسطين .
لكن التراجع بحد ذاته ليس مطلقاً فهو متدرج بالقياس إلى صعود القوى الإقليمية الأخرى وعليه يمكن القول إن التراجع في المكانة الصهيونية سيكون كبيراً جداً إذا ما تم الاتفاق النهائي بين واشنطن وطهران نهاية يونيو/حزيران المقبل وحتى لا يتم هذا الاتفاق يسعى الكيان بحسب خبراء صهاينة إلى عرقلته والحؤول دون توقيعه عبر الوسائل التالية:
* أولاً: إدخال البرنامج الصاروخي الإيراني في الاتفاق النهائي بحجة أن الصواريخ الإيرانية تهدد واشنطن ويمكن أن تصل إليها أيضاً وليس إلى “إسرائيل” وحدها .
* ثانياً: بث الخوف من أن دولاً عربية ستسعى للحصول على السلاح النووي طالما أن إيران حصلت على تغطية شرعية من المجتمع الدولي لهذه الغاية، الأمر الذي يفقد “إسرائيل” تفردها بالسلاح النووي في قلب الوطن العربي .
* ثالثاً: سعيها لأن تكون طرفاً في مراقبة البرنامج النووي الإيراني، وإن بصورة غير مباشرة للحصول على معلومات دقيقة عن هذا البرنامج وامتلاك حق التدخل الوقائي .
* رابعاً: العمل مع واشنطن على تغيير النظام الإيراني من الداخل بوسائل القوة الناعمة وبالتالي تسهيل دخول المنظمات الحقوقية الغربية إلى إيران كشرط من شروط الاتفاق النهائي، ومن الطبيعي أن تكون هذه المنظمات محمية من واشنطن والعواصم الغربية وأن يكون التعرض لها بمثابة خرق للاتفاق .
* خامساً: في حال رفع العقوبات عن إيران يراهن الغرب على الطبقة الوسطى الإيرانية التي ستستفيد من رفع العقوبات حيث سيضطر النظام الإيراني لإعادة هيكلة الاقتصاد وإعادة الاعتبار لهذه الطبقة على حساب الحرس الثوري الإيراني الذي تولى إدارة القسم الأهم من القطاعات الاقتصادية في ظل الحصار، وتريد “إسرائيل” تشجيع بعثات علمية إيرانية للدراسة في الخارج والعودة إلى إيران بثقافة حقوقية غربية تسهم في تغيير النظام من الداخل، وإن تم ذلك فإنه يغني عن حرب تشنها “إسرائيل” على إيران ويشك كثيرون في جدواها لأنها قد تنطوي على مخاطر كبرى ونتائج عكسية .
* سادساً: التفكير بصيغة تتيح عودة العقوبات على إيران في حال خرقها للاتفاق الذي سيبرم بصورة نهائية في يونيو/حزيران المقبل، وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة لحكومة نتنياهو التي ترى أن إيران عادت إلى طاولة المفاوضات بعد أن اشتدت عليها العقوبات، ما يعني أن الغرب يملك سلاحاً رادعاً يمكن استخدامه مجدداً وبالتالي حرمان طهران من هامش المناورة في أي خرق ولو محدود للاتفاق .
* سابعاً: إصلاح الأضرار التي طرأت على العلاقات الأمريكية - “الاسرائيلية” حتى تعود أداة فعالة في مواصلة الضغط على طهران كائناً ما كان مصير اتفاق الاطار بين الإيرانيين والأمريكيين .
ينطوي هذا التصور الذي يوحي به خبراء صهاينة في الشؤون الإيرانية على مغريات افتراضية كثيرة، لكنه يهمل قدرة إيران وبراعتها في المناورة الدبلوماسية، ما يعني بنظر خبراء آخرين أن الربح الذي يمكن أن يحققه الكيان في هذا الملف لا يمكن أن يتعدى نقاطاً هامشية محدودة وأن الخسارة الأهم تكمن في صيرورة إيران دولة نووية وهو الأساس في هذه القضية .
موجز القول، إن القيمة الاستراتيجية للكيان تراجعت بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، بل منذ أن تمكنت إيران من تخصيب اليورانيوم، وبالتالي بات من الصعب على الكيان أن يفعل ما يريد في هذه المنطقة من دون الأخذ بعين الاعتبار للقوتين التركية والإيرانية، وأما العرب وعلى الرغم من كونهم الأمة الأكبر والأهم في هذه المنطقة، لم يحاولوا أن يكون النووي الإيراني حافزاً لهم في أن يأخذوا الدور الذي يليق بهم في المنطقة، وفي صراع القوى الإقليمية والدولية على المنطقة العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178775

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2178775 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40