الأربعاء 8 نيسان (أبريل) 2015

نظرية . . كلهم عرب

الأربعاء 8 نيسان (أبريل) 2015 par عاطف الغمري

ليست تلك هي المرة الوحيدة، التي أسمع فيها من مسؤول أمريكي سابق، كان يشغل من قبل منصباً رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية، هذه العبارة التي تصف الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة، وللغرب عامة تجاه الدول العربية، وهي العبارة القائلة إنهم “كلهم عرب” . قالها لي في وقت الدردشة التي سبقت حواراً أجريته معه في واشنطن عام 2000 .
نفس المعنى سمعته أثناء حضوري مناقشات جرت في ندوات أقامتها مراكز متخصصة في دول أوروبية، وإن اختلفت مفردات الكلمتين ونستطيع أن نفهم ببساطة شديدة، أنه رغم ما يربط دول الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بكل دولة عربية على حدة، يتناول العلاقة الثنائية، وشؤون العلاقة التبادلية بين دولتين، لكن ذلك يبقى شيئاً يخص إدارة السياسة الخارجية في صورتها التقليدية . أما في إطار الاستراتيجية العالمية grand strategy لدولة عظمى كالولايات المتحدة، فكثيراً ما يحدث تداخل في خطوط مصالحها، عبر مناطق جغرافية متعددة . بمعنى أن ما يخص مصالحها في الشرق الأوسط، قد يتداخل مع ما يؤثر في هذه المصالح في بقاع أخرى من آسيا، أو إفريقيا، أو أوروبا مثلاً . ولأن العالم العربي عامة، في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية، يضم ما يصنف عندهم بالمصالح الاستراتيجية الحيوية، لهذا فإن هناك بعداً آخر للسياسة الخارجية تجاه المنطقة، يتجاوز حدود العلاقة الثنائية، بحيث يضع الدول العربية داخل حدود التوصيف الذي ذكره لي المسؤول الأمريكي، بأنهم - في هذه الحالة - كلهم عرب .
هذه الرؤية تفسر ما شهدته المنطقة من سياسات تتوالى على مر السنين، جمعت العرب كلهم في سلة واحدة، ولم تفرق بين دولة وأخرى . فبعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفييتي، رأينا تتابع حلقات لسياسة خارجية، تقيم داخل العالم العربي، ومن حوله، ما عرف بحزام الأزمات . الذي بدت حلقاته وكأنها منفصلة ولا علاقة لإحداها بالأخرى .
وهي في الحقيقة متصلة، ومكملة لتأثيرات بعضها بعضاً، بدءاً من الصومال الذي تحول إلى نموذج صار للدولة الفاشلة، أو لحالة اللادولة، التي تحكمها الفوضى، وتزايد الوجود المدمر لتنظيم القاعدة، والمنظمات الإرهابية المرتبطة به .
ثم تكشفت التداخلات الخارجية في السودان لإحداث انقسام داخلي، انتهى إلى تقسيمه إلى دولتين، شمال وجنوب . ولا ننسى دعوات صريحة تعالت في الولايات المتحدة عام ،2001 خاصة من جانب أقطاب المحافظين الجدد، للتوسع في تسليح الطرف المؤيد لانفصال جنوب السودان، ودعمه حتى تقسم الدولة الواحدة .
ثم جاءت أحداث انتشار الفوضى في العراق منذ عام ،2003 والتي اعترفت بها تقارير وكالات المخابرات الأمريكية . مصحوبة بدعوات تنادي بتقسيم العراق، وتفتيت وحدته الوطنية . ومن الذين نادوا بذلك جوبايدن نائب الرئيس أوباما، وقت عضويته بالكونغرس . وكان المحلل العسكري “الإسرائيلي” زئيف تشيف قد كتب في صحيفة هآرتس “الإسرائيلية” أن أفضل ما نستطيع عمله في العراق لمصلحة “إسرائيل”، هو تفكيكه إلى ثلاثة كيانات سنية، وشيعية، وكردية . ومن المعروف أن هدف التفكيك هو جزء من مخطط صهيوني قديم .
ولقد تطور مفهوم حزام الأزمات من خلال الترتيبات التي وضعت لاختطاف ما يسمى “الربيع العربي”، والتي أسهمت في انتشار المنظمات الإرهابية، في بلادنا العربية - في ليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن، ومصر، ضمن خطط التمكين للإخوان من الوصول إلى الحكم في مختلف الدول العربية، تنفيذاً لمشروع تغيير المنطقة العربية بالكامل من داخلها، والذي بدأ الإعداد له قبل عشر سنوات من أحداث “الربيع العربي” واستبدال أنظمة الحكم القائمة، بحكام آخرين من جماعات متفق معها سلفاً، على أن تقوم بدور الوكيل عن الولايات المتحدة .
لم تكن هناك تفرقة في المنظور الاستراتيجي العالمي بين دولة عربية وأخرى . ومن المعروف أن استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية التي أعلنت عنها عام ،2002 تضمنت مفهوم العدو المحتمل . وهي صياغة تعني أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في وضع يضطرها للتعامل مع دولة تحسب تقليدياً كصديق، على أنها عدو محتمل، فتغير سياستها تجاهها، وتتصرف معها كعدو . وفي شرحه لهذا المفهوم أعلن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وقتها أننا قد نضطر للقيام بعمليات خاصة، باستخدام وحدات خاصة، داخل دول من دون علم حكومات هذه الدول .
إن الوثائق التي نشرت في الولايات المتحدة، ونوقشت في منتديات، ومراكز بحوث سياسية، خلال السنوات الأربع الماضية، كشفت عن أن الولايات المتحدة، حددت لنفسها في فترة أحداث الربيع العربي، هدف تغيير أنظمة الحكم في العالم العربي، ومن بينها أنظمة تعتبر صديقاً تقليدياً للولايات المتحدة، لتأتي بأنظمة عميلة، وفقاً لما تمليه الحسابات السياسية وقتها، والتي يمكن في بعض الحالات، أن تعدل مسارها تكتيكياً إذا اقتضت الضرورات العملية ذلك .
هذه هي الصورة العامة، للمسار التطبيقي للجانب القائل إنهم “كلهم عرب”، في الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة . وهو تعبير يستند إلى قواعد وحسابات استراتيجية .
والآن وبعد أن دخل بعد جديد على أوجه التحديات للأمن القومي للعرب جميعهم وهو الانتشار الوبائي لمنظمات الإرهاب، وأخطرها حالياً تنظيم “داعش”، الذي أفصح صراحة عن أنه يستهدف الجميع من دون تفرقة فإن المقابل الموضوعي، لاستهداف الدول العربية جميعها من دون تمييز، يحتاج إلى مشروع استراتيجي عربي موحد، يواجه هذه المخاطر، سواء كانت مخاطر جزئية ممثلة في “داعش” والكيانات الإرهابية الأخرى، أو جاءت ضمن الإطار الأوسع لهذه المخاطر، الذي يتمثل في الرؤية الاستراتيجية الخارجية لبلادنا وشعوبنا بأنهم كلهم عرب، لا فرق لديهم بين دولة وأخرى في حسابات المصالح الاستراتيجية لهم في بلادنا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عاطف الغمري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010