الثلاثاء 7 نيسان (أبريل) 2015

عن ماذا أكتب؟

الثلاثاء 7 نيسان (أبريل) 2015 par هاني المصري

على مدار الأيام الماضية، رحت أسأل نفسي عن ماذا أكتب؟ هل أكتب عن المأساة التي يعاني منها الفلسطينيون في سوريا منذ سنوات، تحديدًا في «مخيم اليرموك»، أم عن مأساة جدل الثورة والمؤامرة التي تعاني منها المنطقة كلها، خصوصاً في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن ومصر؟
«اليرموك» مخيم عزيز جدًا عليّ، حيث قضيت فيه أكثر من سبع سنوات، بدأت إثر خروجي من لبنان. وفي الفترة تلك تعرّفت إلى شريكة حياتي.. ورزقت بأولادي. أتألم حين أسمع عن المعارك والموت والدمار في أماكن عشت فيها وأعرف سكّانها جيداً، علماً أنه لم يبق منهم الكثير، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من أُجبر على الرحيل.
تقف القيادة والفصائل الفلسطينية على اختلافها عاجزة اليوم، وهي لا تملك سوى المناشدة وتوسّل الأطراف والمقاتلين والمجتمع الدولي. لماذا العجز إلى هذا الحدّ؟ لماذا لم نساعد على إخراج مَن تبقى في المخيم ونضمن حياة كريمة لهم في المهجر الجديد داخل سوريا أو خارجها؟
لماذا لم تُشكّل قوة فلسطينيّة لحمايّة أهل المخيم، وتمكينهم من الدفاع عن النفس مع تحييد المخيم وبقائه بعيدًا عن الحرب والقتل وقطع الرؤوس والحصار والقصف؟ لماذا لم تبادر القيادة والقوى والشعب بحملة سياسيّة وشعبيّة وإعلاميّة تتناسب مع مستوى الخطر الذي يتهدد المخيّم، الذي وصف يومًا بـ «عاصمة الفلسطينيين في الخارج»؟
هل أكتب عن الاتفاق بالأحرف الأولى حول البرنامج النووي الإيراني، وما يمكن أن يؤدي إليه من تأثيرات وتغييرات في المنطقة، وعن أهميّة أن نرتبط بعلاقات جيدة مع إيران، برغم نقاط الخلاف والافتراق معها، التي حاربها العرب «كرمى لعيون» أميركا، وها هي أميركا تصالحها تاركة العرب في مواجهة مصيرهم وحدهم؟ وهل أكتب عن العلاقات التي ينبغي أن تربطنا بتركيا، برغم الخصومة العربيّة معها؟ فالجارتان فَتَحَ الفراغُ العربيُ شهيّةَ أطماعهما في المنطقة، وقبل أن نلومهما يجب أن نلوم أنفسنا على فعلتنا.
إنّ مصدرَ المخاطر التي تتهدد المنطقة تتمثل بالاستعمارين القديم والجديد وأداته إسرائيل، برغم الإيحاء بأنهما خارج المشهد الحالي. فهنا تكمن الجذور العميقة لكثير مما تعانيه المنطقة، بما في ذلك ظاهرة التطرّف والإرهاب الذي يتغطى بالدِّين.
هل أكتب عن آخر فصول حرب «داحس والغبراء» بين «فتح» و «حماس»، أو بين القوتين المتنازعتين على بقايا السلطة التي خلّفها الاحتلال، كما ظهرت من خلال استمرار تبادل الاتهامات وحملات الاعتقال، التي طالت هذه المرة نائباً في المجلس التشريعي عن «فتح» في قطاع غزة، في اليوم نفسه الذي تم فيه اعتقال النائبة خالدة جرّار من قبل الاحتلال؟ أم أكتب عن اتهام الرئيس الفلسطيني لـ «حماس»، بالموافقة على خطة إسرائيل القاضية بإقامة «دولة فلسطينيّة مؤقتة» في قطاع غزة، على حساب القدس واللاجئين وبقيّة الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، في الوقت نفسه الذي أكدت فيه «حماس» إجراءها اتصالات عديدة غير مباشرة بإسرائيل، بوساطة أطراف عربيّة وإقليميّة ودوليّة، طرحت فيها الأخيرة استعدادها لرفع الحصار عن غزة، والموافقة على إعادة فتح الميناء والمطار، مقابل هدنة طويلة الأمد، فضلاً عن وقف تهريب السلاح وتطويره وبناء الأنفاق؟
و «حماس» - كما زعمت - لم تعقد أي اتفاق، لكنها تسعى من خلال هذه الاتصالات إلى فك الحصار. وهي تتساءل: كيف يحق لمن اعترف بحق إسرائيل في الوجود على 78 في المئة من أرض فلسطين والتزم بوقف المقاومة، بل وصل إلى حد التنسيق الأمني مع الاحتلال، بأن يزايد على من خاض ثلاثة حروب مع إسرائيل خلال أقل من خمسة أعوام، استطاع فيها الصمود والانتصار، وكبّد القوات المحتلة خسائر ملموسة، وجعل معظم إسرائيل تحت مرمى صواريخ المقاومة؟
على أن «حماس» تنسى أن المقصود باتهامها المذكور إثبات أن لا أفضلية لأحد على الآخر على الساحة الفلسطينية، وأن أي اتفاق على هدنة طويلة في ظل الانقسام ومع استمرار القطيعة بين «حماس» ومصر، سيؤدي - وبغض النظر عن النيات - إلى تحكّم إسرائيل بحركة الفلسطيني من غزة وإليها، ويمكنها من الاستفراد بالقدس والضفة، وتكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال يصبّ كليًا في مصلحة إسرائيل.
إذ كيف يمكن أن تساعد الهدنة الطويلة الأمد على بقاء المقاومة التي قالت «حماس» إنها استولت على السلطة في غزة لحمايتها؟ وماذا يريد الرئيس محمود عباس من «حماس»، بل من غزة، بعدم توفيره متطلبات إنجاز الوحدة، بل بتوظيف الحصار والحاجة إلى إعادة الإعمار وفتح المعابر وخلاف ذلك للضغط على «حماس» من أجل قبولها بشروطه، التي لا تحقق شراكة ولا مشاركة على أسس وطنيّة وديموقراطيّة؟
هل سنبقى في مربع الصراع على السلطة، أم أننا سندخل في حوار وطني عميق وشامل لوضع رؤية قادرة على إخراج القضيّة الفلسطينيّة من المأزق الذي وصلت إليه؟
هل أكتب عن «عاصفة الحزم» وما يمكن أن تؤدي إليه من دمار وموت وحرب استنزاف عرفنا كيف بدأت ولا يعرف أحد متى وكيف ستنتهي؟
المفارقة العجيبة أن طرفي الاستقطاب في الساحة الفلسطينيّة التقيا جوهريًا على دعم الشرعيّة في اليمن من دون أن يلتفتا إلى أن الموضوع أكبر بكثير وأخطر من الشرعيّة التي يتمسكان بأذيالها، وأن «حرب اليمن» إذا لم يُسارع إلى وقفها ستمتدّ نيرانها إلى دول الخليج العربي حتى يكتمل المشهد المأساوي!
هل أكتب عن محكمة الجنايات، وعن التأخر في تقديم القضايا، وعن تأجيل تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني، أم عن الرواتب والموظفين والمقاطعة المتنامية لإسرائيل سياسيًّا واقتصاديًّا وأكاديميًا وثقافيًا، أم عن الخلاف الأميركي - الإسرائيلي؟
هل أكتب عن «المبادرة الفرنسيّة» المنتظرة، التي ستؤدي - بغض النظر عن بعض النيات الحميدة التي تقف وراءها - إلى تزويد عمليّة التسوية المحتضرة بأكسير الحياة، خصوصًا في ظل حديث الرئيس عباس عن استعداده للتفاوض مع نتنياهو لأنه اختيار الناخب الإسرائيلي، علماً أن نتنياهو أثبت حتى لحليفه الأميركي أنه ليس شريكًا في السلام؟
ما قيمة الكتابة إذا لم تدعم فعلًا أو تمهّد له، أو تساعد على فعل من شأنه تغيير الواقع الذي نعيش.. إلى واقع نأمل أن نصله؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165930

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165930 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010