السبت 4 نيسان (أبريل) 2015

من مقاومة “إسرائيل” إلى محاكمتها

السبت 4 نيسان (أبريل) 2015 par د. عصام نعمان

يمكن اختصار تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية بمراحل خمس: الأولى، مقاومة “إسرائيل” من خارج فلسطين المحتلة لغاية إخراج فصائلها من لبنان نتيجة حرب “إسرائيل” العدوانية الأولى عليه سنة 1982 . الثانية، مقاومة “إسرائيل” مدنياً داخل فلسطين المحتلة لغاية توقيع اتفقات أوسلو سنة 1993 . الثالثة، مهادنة “إسرائيل” سياسياً في الضفة الغربية ومواجهتها ميدانياً في قطاع غزة في كل مرة كانت تشن عليه حرباً عدوانية كان آخرها في خريف العام الماضي . الرابعة، الانشغال بملهاة المصالحة الوطنية وألاعيبها بعد انتخابات المجلس التشريعي وتأليف حكومة إسماعيل هنية سنة 2007 وانهيارها عقب سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزة . الخامسة، الاعتراف بفلسطين من قبل الامم المتحدة دولةً غير مكتملة العضوية ما مكّنها من الانضمام إلى معاهدات ومواثيق دولية أبرزها “نظام روما” المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية الذي يوليها حق ملاحقة “إسرائيل” لارتكابها جرائم منافية للقانون الدولي الإنساني . ففي الأول من إبريل/ نيسان 2015 أصبحت دولة فلسطين رسمياً العضو 123 في المحكمة الدولية المذكورة وأصبح في وسعها ملاحقة مسؤولين “إسرائيليين” بارتكاب جرائم حرب أو تهم أخرى مرتبطة بالاحتلال، أبرزها الاستيطان .
تقصير منظمة التحرير في المراحل الأربع الأولى مردّه إلى أسباب ثلاثة تتجاوز تركيبتها وأداءها وتتصل بحال الأمة اجتماعياً وسياسياً على النحو الآتي:
- أولاً، انطواء تركيبة الأمة على تعددية راسخة ومرهقة قوامها قبائل وطوائف ومذاهب واثنيات متمايزة وأحياناً متصارعة ما أسهم في إخفاق العرب، حاكمين ومحكومين، باستثناء مصر، في بناء دول وطنية قادرة على دمج مكوّنات التعددية السائدة وتأمين العيش المشترك المستدام فيما بينها .
- ثانياً، استغلال القوى الخارجية، ولاسيما الولايات المتحدة في التاريخ المعاصر، للتعددية الراسخة المرهقة في غياب الدول الوطنية القادرة والعادلة، وقيامها باحتلال اقطار عربية والسيطرة على مواردها والتحكم بسياساتها .
- ثالثاً، نجاح التدخلات الخارجية مقرونةً بتخلّف النُظُم السياسية القائمة وفسادها في استدخال التحدي الصهيوني وتعزيزه، ومن ثم في تظهير تحدي الإرهاب التكفيري للعرب، حكومات ومجتمعات، ما أدى إلى أن تكون استجابةُ الأمة ومواجهتها لهذين التحديين قاصرتين . وفي سياق هذا القصور يمكن تفسير اعتماد قوى المقاومة الفلسطينية سياسة المصالحة الوطنية مراراً وتكراراً رغم فشلها المدوّي الأمر الذي حوّلها إلى ملهاة تقليدية مملة في الحياة الفلسطينية المعاصرة .
في ضوء التحديات والممارسات والتحوّلات السالفة الذكر، تستشعر قوى حيّة فلسطينية، حاجة وجودية لمراجعة التجارب السابقة وإعادة جدولة الأولويات بتقديم الأهم على المهم بدءاً بالانتقال من ممارسة ملهاة المصالحة الوطنية بين فصائل متناقضة إلى اعتماد ثقافة المقاومة، نهجاً وممارسة .
لعل أهم مفاصل المقاربة الجديدة المرتجاة خمسة:
- أولها، اعتبار التحالف الأمريكي الصهيوني النقيض والعدو الرئيسي، القومي والسياسي والأمني والاجتماعي والثقافي، للأمة عموماً ولقوى المقاومة الفلسطينية والعربية خصوصاً، والانطلاق في رسم الخطط والبرامج والسياسات من هذه المسلّمة الاستراتيجية .
- ثانيها، بناء ثقافة المقاومة على أساس التوافق والتضامن والتحالف بين تنظيمات وفصائل للمقاومة متقاربة إن لم تكن متماثلة في تبنيها للمشروع الوطني الفلسطيني وفي تقويمها للمرحلة البازغة المتمثلة بتزامن التحديين الصهيوني والإرهابي وتكاملهما في وجه المشروع النهضوي العربي، ومن ضمنه المشروع الوطني الفلسطيني .
- ثالثها، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كذراع للمشروع الوطني الفلسطيني بما هو حركة تحرير الأرض والإنسان، وتكريسها قيادةً ومرجعية للقرار السياسي في إطار المجلس الوطني، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات .
- رابعها، تجاوز اتفاقات أوسلو ومتفرعاتها السياسية والأمنية كونها حوّلت السلطة الفلسطينية إلى هيئة وظيفية في خدمة المشروع الصهيوني القائم على التمييز العنصري والاستيطان والاقتلاع والتوسع، وبالتالي اعتبار الهدف المرحلي لمنظمة التحرير هو “تغيير ميزان القوى مع العدو الصهيوني باعتماد نهج الكفاح والمقاومة والمقاطعة والوحدة” (بحسب مصطفى البرغوتي) . وفي هذا السياق يقتضي تفعيل المقاومة المدنية والميدانية .
- خامسها، توسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتفعيل دورها بالانضمام إلى المعاهدات والمؤسسات الدولية ولا سيما تلك التي تمكّنها من ملاحقة المسؤولين “الإسرائيليين” لارتكابهم جرائم موصوفة في الأراضي المحتلة كالاستيطان، وتعذيب الأسرى، والإساءة إلى الجرحى، والإبادة، والعنصرية .
لعل عضوية فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية هي أمضى أسلحة المقاومة المدنية وقد أضحت، على ما يبدو، المهمة الرئيسية لمنظمة التحرير في مرحلتها الخامسة البازغة . وليس أدل على أهمية هذا السلاح من ردة فعل “إسرائيل” على تكريس انضمام دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية . فقد وصفته الخارجية “الإسرائيلية” بأنه “سياسي ووقح وخبيث”!
في المقابل، رحبت كل من حركة “حماس” والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بانضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية ودعتا السلطة إلى مقاومة الضغوط الهادفة إلى تفويض نتائج هذا الانضمام .
رئيس اللجنة الفلسطينية المختصة بتوثيق الجرائم “الإسرائيلية” صائب عريقات استجاب لدعوة “حماس” والجبهة الشعبية بقوله إن القضية التي سترفع أمام المحكمة الدولية ستركز على ملفي حرب غزة والاستيطان، موضحاً: “نعدّ كل الوثائق المتعلقة بهما لتقديمها إلى المحكمة” .
منظمة التحرير على عتبة مفترق وأمام تحد جديد . هل تعوّض في المرحلة الخامسة بعض تقصيرها الفادح في المراحل الأربع الأولى؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 72 / 2178281

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178281 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40