الجمعة 3 نيسان (أبريل) 2015

تكفير الآخر على الطريقة الأمريكية

الجمعة 3 نيسان (أبريل) 2015 par محمد الصياد

“فنزويلا تشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي” . هذه هي كرة النار الجديدة التي أضافتها الولايات المتحدة لقائمة استهدافات دحرجتها على أرضية ملعب العلاقات الدولية . فقد أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمراً تنفيذياً يوم الاثنين 9 مارس/ آذار 2015 أعلن فيه أن فنزويلا تشكل “تهديداً غير عادي للأمن القومي وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة”، والذي سوّغ به فرض عقوبات على سبعة من كبار المسؤولين الفنزويليين، وذلك بحسبان سوء تعامل حكومة فنزويلا مع المعارضين السياسيين . وفي بيان أصدره البيت الأبيض تلاه المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست، جاء فيه “المسؤولون الفنزويليون سابقاً وحالياً الذين ينتهكون حقوق الإنسان للمواطنين الفنزويليين ويشتركون في أعمال فساد عام، لن يكونوا محل ترحيب هنا، ونحن نمتلك الآن الأدوات لتجميد أرصدتهم ومنع استخدامهم للأنظمه المالية الأمريكيه” .
استفز هذا المنحى العدائي الجديد، النظام الحاكم في كاراكاس وزعيمه نيكولاس مادورو وأقلقهما، فطلب الأخير على الفور في خطاب ألقاه أمام الجمعية الوطنية، من النواب منحه “صلاحيات كافية للدفاع عن السِّلم في فنزويلا وسيادتها وتنميتها في وجه تهديد حكومة الولايات المتحدة” الذي وصفه ب“العبث التاريخي الذي يشكل الضربة الأكثر عدوانية وجوراً وأذى في سلسلة الضربات المتتالية التي توجهها الولايات المتحدة الى فنزويلا، وأنه يتعين الرد عليه بالوحدة الوطنية” . وتبع ذلك بتوجيه القوات المسلحة الفنزويلية لإجراء ما أسماه ب “تدريبات دفاعية عسكرية خاصة يوم السبت 14 آذار/مارس الماضي” . مهيباً بكل شعب فنزويلا “مساندة القوات المسلحة والميليشيا الوطنية في هذه التدريبات” .
في الأثناء تحركت فنزويلا لحشد الدعم الإقليمي ضد الموقف الأمريكي العدائي الجديد ضدها . حيث تقاطر على كاراكاس رؤساء دول وحكومات 11 دولة عضو في التحالف البوليفاري للأمريكيتين (البا) الذي يضم كوبا وفنزويلا وبوليفيا والاكوادور ونيكاراغوا والدومينيكان وسانت فنسنت وغرينادا، وسانتا لوتشيا، وانتيغوا وباربودا، وسانت كريستوف ونيفس، حيث أعلنوا تضامنهم مع فنزويلا وأصدروا بياناً طالبوا فيه واشنطن “بالكف فوراً عن الإزعاج وعن الاعتداء على فنزويلا” . مؤكدين أن فنزويلا “لا تشكل تهديداً لأي دولة لأنها أصلاً دولة متضامنة ومستعدة دوماً للتعاون مع شعوب وحكومات المنطقة” . روسيا أيضاً أبدت تضامنها مع فنزويلا، حيث انتقد الكسندر شتينين، رئيس قسم أمريكا اللاتينية في الخارجية الروسية القرار الذي وقعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن اعتبار فنزويلا تهديداً للأمن القومي الأمريكي، قائلاً: “نحن نرى أن فنزويلا أضحت مثل روسيا وجهة للضغط من قبل الولايات المتحدة، وأن قرار الرئيس أوباما الذي يصف الوضع السياسي الداخلي في فنزويلا كتهديد للأمن القومي الأمريكي، يشكل في جوهره تشجيعاً مباشراً على أعمال العنف والتدخل الخارجي في شؤون فنزويلا الداخلية” .
فهل فعلاً فنزويلا، هذه الدولة الواقعة في أقصى الطرف الشمالي لأمريكا اللاتينية، غير البعيدة عن المكسيك وجارتها الشمالية الولايات المتحدة . . فنزويلا يبلغ عدد سكانها حوالي 29 مليون نسمة، تشكل فعلاً تهديداً للأمن القومي الأمريكي؟
كانت فنزويلا من أوائل الدول التي اكتشف فيها النفط بكميات تجارية، وذلك في مناطق شمال شرقي البلاد في عام ،1914 وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتحديداً منذ عام ،1952 تقاسم حزبان رئيسيان حكم البلاد فيما بينهما، فأدارا دفة الحكم على مدار أكثر من أربعين عاماً في مناخ من القمع والفساد عنوانه تقاسم عوائد البترول وإيداعها في البنوك الأمريكية والسويسرية، وإبقاء معظم الشعب الفنزويلي في حالة من الفقر المدقع، تفتقر الى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، من صحة وتعليم وطرق ومياه عذبة وكهرباء، رغم أن فنزويلا تعتبر ثالث دولة منتجة ورابع دولة مصدرة للنفط . وكانت الشركات الأمريكية مثل أكسون موبيل وكونوكو فيليبس تتمتعان بحظوة خاصة في امتيازات التنقيب عن النفط في فنزويلا . ولذلك لم تشكل فنزويلا آنذاك تهديداً للأمن القومي الأمريكي . ولكن حين فاز هوغو شافيز في انتخابات الرئاسة الفنزويلية في عام ،1998 وقام بضم حصص شركات النفط الأجنبية الى شركة النفط الوطنية الفنزويلية “بتروليوس دي فنزويلا” Petrôleos de Venezuela وتعويض الشركات الأجنبية عن حصصها مالياً .
بدأت “حفلة” شيطنة فنزويلا، تماماً كما حدث مع كوبا حين قام الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في عام 1960 بتأميم المصالح الأجنبية في كوبا، الأمر الذي دشن الحصار الاقتصادي الخانق لكوبا المستمر حتى اليوم .
ومنذ ذلك الحين وفنزويلا لا تكاد تفلت من الملاحقات الإعلامية الأمريكية والأوروبية الحليفة على مدار أيام العمل الأسبوعية، خصوصاً الإعلام البريطاني المتماهي تماماً مع الإعلام الأمريكي حتى ليبدو للمتابع ولكأن رابطة تنسيق غير مرئية قائمة بين القائمين على الميديا في البلدين تتكامل مع روابط تنسيقهما القائمة بين المستويين السياسي والاستخباري . الإيكونومست البريطانية نشرت قبل أيام مقالاً عن فنزويلا، تزامناً مع وجبة الضغط الأمريكية الجديدة عليها، حمل عنوان “فنزويلا وجيرانها” . العنوان بحد ذاته موحياً كما ترون، هو يبتغي التأشير الى أن فنزويلا دولة “مشكلتشية” (أي صاحبة مشاكل بالتعبير الشعبي الخليجي)، وأن علاقاتها متوترة مع جاراتها، في حين أنها متوترة أصلاً مع واشنطن التي تحرض الآخرين ضدها . هي نفس “الملاحقة” الإعلامية العدائية التي “تحظى” بها البرازيل في ظل حكم حزب العمال بزعامة ديلما روسيف، وكذلك الأرجنتين بزعامة الرئيسة كريستينا فرنانديز، وبوليفيا تحت قيادة الرئيس إيفو موراليس وغيرها من البلدان التي تريد إدارة ثرواتها وأصول ممتلكاتها والسيطرة على عملية تراكمها الرأسمالي واستثمارها بما يحفظ حقوقها الاقتصادية الاستقلالية السيادية، وليس الأخذ بنظام اقتصاد السوق الحرة على الطريقة الأمريكية وشعاره ذائع الصيت “من ليس معنا فهو ضدنا” .
الولايات المتحدة بهذا المعنى، هي الأخرى تكفر الآخر الذي يختلف عنها ومعها . تماماً كما يفعل التكفيريون الذين أسسوا بعملهم المنهجي المنظم على هذا الصعيد، للموجة المعاصرة من الحروب الدينية في منطقة الشرق الأوسط .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2177488

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد الصيّاد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2177488 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40