الثلاثاء 31 آذار (مارس) 2015

هل هي الطائفية؟

الثلاثاء 31 آذار (مارس) 2015

رغم أن ستة جيوش عربية، بغض النظر عن مستوى الأداء والإمكانات وحقيقة النوايا، قد جاءت لتحارب المليشيات الصهيونية العام 1948 في فلسطين، فإنّ عيون الكثيرين تتسع استغرابا للحشد العربي في اليمن من دون نظرة كافية لفلسطين طوال عشرات السنين. في الوقت ذاته، يصعب جداً أن نفهم موقف أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، الهادئ عندما غزا الأميركيون والبريطانيون وآخرون العراق لإسقاط نظام صدام حسين، بينما نرى مواقفه في سورية واليمن والبحرين تحديداً أكثر حدة وغضباً من مواقفه بشأن دول أخرى، بما في ذلك الحراك الذي أسقط الإخوان المسلمين. لكن هل حقيقةً أن للحراك في كل الاتجاهات بعدا طائفيا؟ هل الحراك في اليمن طائفي؟ هل مواقف حزب الله طائفية؟ الإجابة: نعم ولا.
التأمل في التحالفات يشير إلى صعوبة الحديث عن فرز طائفي حقيقي. فمثلا، في اليمن تتحالف قوى رئيس النظام السابق علي عبدالله صالح، الذي وإن شارك الحوثيين بأنّه من المذهب الزيدي، إلا أنّهما كانا أعداء الأمس. وفي لبنان، فإنّ حزب الله يتحالف مع القائد المسيحي ميشال عون، الذي كان العدو الأول يوماً لسورية وحزب الله، وكان حليف واشنطن ضدهما، وعلاقاته متغيرة إلا مع الراعي الحقيقي ماديّاً وسياسياً، أي إيران. ورغم الجذور التاريخية لعلاقات “القاعدة” مع أكثر من نظام خليجي عربي، إلا أنّهم أعداء الآن، وكذلك الأمر للإخوان المسلمين، الحليف السابق للأنظمة الخليجية في زمن الناصرية والبعثية، فهم أعداء هذه الأنظمة حالياً رغم الانتماء الطائفي. والنظام العراقي زمن صدام حسين لم يكن بعيداً عن الحشد السُنّي، وخصوصاً من أهالي تكريت ليكونوا سند النظام، تماماً كما كان العلويون جزءا أكثر تميزاً من النظام البعثي في سورية.
في الواقع أنّ الطائفية والمذهبية هما جوهر التبريرات وعمليات التعبئة التي تقوم بها النخب على مر العصور؛ بدءا من صراعات البروتستانت والكاثوليك في أوروبا، إلى الهندوس والمسلمين في الهند، إلى الشيعة والسُنّة في بلاد المسلمين، إلى المسيحية والإسلام في بلدان عديدة، رغم أنّ النخب التي تتبنى قيادة الطوائف هي في كثير من الأحيان علمانية، وغير متدينة.
النخب؛ بدءا من الحكّام، وصولا للطامحين إلى الحكم، مروراً بمن يبحث عن دور اجتماعي وسياسي، هم المعنيون بإحياء الفتن الطائفية المخفية لتحريض البسطاء، ممن لا يدركون طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية، لتبني الخطاب الطائفي. فتجد غير المتعلمين أو حتى المتعلمين من دون ثقافة سياسية، في مقدمة من يتبنى ما توحي به النخب لتتلاعب بالجماهير.
ما يحدث في اليمن في جزء منه له بعد جيوسياسي، قائم على قرب اليمن من السعودية، والخشية من تبلور نظام قريب من إيران؛ فتصبح المملكة بين العراق واليمن، حيث لإيران نفوذ كبير. وربما في اليمن تحديداً، ساعد الإيرانيون باحتفالهم وزعمهم أنّ ما يحدث هناك انتصار لهم، في رفع حالة التأهب في المنطقة. وما يحدث ربما نوع من الطمأنة الأميركية للحلفاء العرب أنّ أي اتفاق نووي مع طهران لا يعني إعطاءها ضوءا أخضر لتمدد نفوذها.
شهدت اليمن ثورة شعبية سلمية قل نظيرها، واعتصم اليمنيون للاحتجاج السلمي المدني طويلاً رغم البنية القبلية والتسليح العاليين في البلاد، واستمروا حتى رحيل علي عبدالله صالح. والآن، ينقلب المشهد ويراد استفزاز كل الهويات الطائفية والقبلية جزءا من النزاع.
لم تتضمن خطة الحل في اليمن، بعد علي عبدالله صالح، خطة ديمقراطية أو إصلاحا سياسيا حقيقيين. وغالبية الدول العربية التي لم تشهد “ربيعاً عربياً” تخشى الإصلاح السياسي المدني الديمقراطي الحقيقي، بقدر ما تخشى الفوضى التي جاءت مع الانتفاضات الشعبية.
ما يحدث هو تمترس القوى المختلفة خلف الطائفية لحشد أتباعها ومد نفوذها كما في حالة إيران، أو بالطائفية في مواجهة إيران للهروب من بناء مجتمع مدني حقيقي، وإصلاح سياسي ينحّي الهويات الفرعية والانقسامات لصالح مجتمع يحترم الفرد والمواطنة.
هي ليست الطائفة بقدر ما هي السياسة والسلطة. وهي الطائفية باعتبارها أداة ووسيلة لحشد الأتباع أو حرف انتباههم عن حقيقة الهموم، والمطالب الحقيقية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178406

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178406 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40