الاثنين 30 آذار (مارس) 2015

عبء “إسرائيلي” على الغرب

الاثنين 30 آذار (مارس) 2015 par د. عبد الاله بلقزيز

كلما جنحت “إسرائيل” لليمين الديني المتطرف، تحولت إلى عبء كبير على الغرب الأوروبي والأمريكي . أرادها رعاتها وحماتها الغربيون دولة ديمقراطية وعلمانية، في قلب الوطن العربي، ليبرروا بها “رسالتهم الإنسانية” في تمكين اليهود من مصير آمن، فانقلبت (= وما كان لها إلا أن تنقلب) إلى دولة فاشية عنصرية، وإلى دولة دينية طائفية لا تقوى حكومات الغرب على تبرير العلاقة بها ودعمها أمام شعوبها .
الغربيون، الذين اصطنعوها من عدم محض، والذين أرضعوها من أثدائهم المالية والتكنولوجية، والذين غطوا جرائمها بمظلاتهم السياسية، يستطيعون أن يتفهموا مطالبها الأمنية، فيقابلون تلك المطالب بمقولات سخيفة مثل “الحق في الدفاع عن النفس”، أو حتى بغضّ الطرف عن جرائمها في حق الشعب المحتلة أرضه، ومناشدة الطرفين (الجاني والضحية) “ضبط النفس”، و“عدم الانجرار إلى التصعيد” . . إلخ، لكنهم - قطعاً - لا يملكون مجاراة “إسرائيل” في المزيد من مصادرة الأرض وإقامة المستوطنات عليها، وتهويد المعالم المسيحية والإسلامية، ورفض حلّ الدولتين الذي عليه توافقت القوى العظمى في العالم (الولايات المتحدة، روسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي)، ففي المجاراة تلك فضيحة سياسية وأخلاقية للغرب لا يمكنه أن يتحملها من دون أن تدفع دوله ثمنها غالياً من صورتها، ومصداقيتها، وسمعة مبادئها المؤسسة .
تبدو “إسرائيل” للغرب، في هذا الإمعان منها في ركوب رأسها، دولة ناكرة لجميله، فمن دولة قامت ووجدت بإرادته، واستمرت تعيش في محيطها النابذ بإرادته، وقويت وانتصرت في حروبها بإرادته، إلى دولة تبغي فرض إرادتها، هي وحدها، وإبطال إرادته . في سلوك الكيان الصهيوني جرعة عالية من التحدي لا يستطيع الغرب الصمت عنها، خاصة مع تزايد حال الانشقاق السياسي داخله على الموقف من أفعال “إسرائيل”، ومن حقوق الشعب الفلسطيني . تتحسّس دول الغرب، اليوم، مخاطر تمادي “إسرائيل” في تطرّفها الديني والسياسي، والتبعات الفلسطينية والعربية لمثل ذلك التمادي، عليها كدول راعية وداعمة للكيان العنصري . بعض الغرب يراجع نفسه وضميره وسياساته بوازع نزعة إنسانية، وتلك حال بلدان أوروبا الشمالية، وبعضٌ ثانٍ يفعل ذلك بعقل براغماتي تتجلى له المصلحة في عدم تحويل “إسرائيل” إلى شجرة تخفي غابة مصالحه في المنطقة العربية، وتلك حال الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحليفاتها . لكن الفريقين الغربيين معاً: الإنسانوي والبراغماتي، بلغا، حقاً، لحظة المراجعة .
ما نشهده، اليوم، من مواقف وسياسات غربية جديدة في الشأن الفلسطيني، ليس إلا علامات على تلك المراجعة: العضوية غير الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وانضمامها إلى ما يزيد على أربعين اتفاقية دولية، وتقاطر التصويت البرلماني الدولي لصالح الاعتراف بها كدولة، والقرار السويدي الشجاع بالاعتراف، والقرارات الأوروبية المتعاقبة بمقاطعة الاقتصاد “الإسرائيلي” ومؤسساته في مستوطنات الدولة العبرية في الضفة الغربية، وحملة الاستنكار الأمريكية لتصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني حول رفض حلّ الدولتين، ومنع دول الاتحاد الأوروبي مواطنيها من السياحة في المستوطنات، وأخيراً مطالبة البيت الأبيض “إسرائيل” بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، كي يمارس الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته . . . جميعها علامات على تلك المراجعات التي تشهد، اليوم، انعطافتها بدخول الإدارة الأمريكية - ولأول مرة - طرفاً فيها .
ومع كلّ معاناته مع اليمين الديني المتطرف، ووحشيته وعنصريته وجرائمه، لن يجد الشعب الفلسطيني أفضل من الإرهابي بنيامين نتنياهو وحلفائه ليكونوا على رأس السلطة في الكيان الصهيوني . إن محض وجودهم، بهذه القاعدة النيابية الكبيرة، يرفع الضغط عنه، ويكشف للغربيين أن مساعيهم للتسوية و“السلام” لا تصطدم بلاءات فلسطينية - لم تعد تُرفع منذ زمن - وإنما بصعود قوى يهودية ترفض السلام وتجاهر بذلك . وهي ترفضه مع أن الإدارة الأمريكية وحليفاتها الأوروبيات صممته على مقاس مصالح “إسرائيل”، وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني .
على دول الغرب أن تدرك أن تصويت الناخب “الإسرائيلي” لصالح قوى التطرف والإرهاب واليمين الديني العنصري، إنما يوجّه صفعة شديدة لكل الاستثمار السياسي الغربي المديد في الدولة الصهيونية . أنفقت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الكثير من أجل تغذية ذلك الرضيع قبل خمسة وستين عاماً، وظلّت تنفق عليه ليشبّ ويكبر فيكون مجسمها الصغير في قلب الوطن العربي . اكتشفت، بعد ثلثي قرن من غباوتها، أنها ربت وحشاً ضارياً، أفعى تلدغ حاويها . أمام هذا الغرب، اليوم، أن يكفّر عن بعض خطيئته، إن كان لا يستطيع التكفير عن كل تلك الخطيئة: أن يذهب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن فينفذ القرارات المتعلقة بحقوق شعب فلسطين، والقرارات الصادرة في حق “إسرائيل”، ليعيد إلى القانون الدولي بعض هيبته التي مرّغتها الدولة الصهيونية بمساعدة مَنْ يُلدغون، اليوم، من جُحرها في الغرب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165981

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبدالإله بلقزيز   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165981 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010