الثلاثاء 24 آذار (مارس) 2015

أوباما إذ يعيد تقييم سياسته

الثلاثاء 24 آذار (مارس) 2015 par هاني المصري

أعلنت إدارة أوباما أنها ستعيد تقييم سياستها إزاء إسرائيل في ضوء التصريحات التي أدلى بها نتنياهو أثناء الحملة الانتخابية، إذ تخلّى فيها عن التزامه بالدولة الفلسطينية الذي عبر عنه أثناء خطابه في جامعة «بار إيلان» العام 2009. ولتبرير هذا الموقف، قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن واشنطن تؤمن بضرورة قيام دولة فلسطينية، لأن في قيامها مصلحة أميركية وإسرائيلية، فضلًا عن المصلحة الفلسطينية طبعًا.
وحتى تعطي الإدارة الأميركية جدية لحديثها عن إعادة التقييم، فقد صرّح الناطق باسم الخارجية الأميركية بأن إدارته قد تمتنع عن التصويت إذا عرض مشروع قرار على مجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية. بل قد تعترف أميركا بالدولة الفلسطينية من دون انتظار نتيجة المفاوضات.
هل تمضي الإدارة الأميركية في تهديدها؟ وما مغزى ذلك إن حصل؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة؟
السيناريو الأول، أن تتراجع واشنطن عن إعادة التقييم والاكتفاء بفركة الأذن التي قام بها أوباما، مقابل تأكيد التزام نتنياهو بالدولة الفلسطينية، مع معرفتها ومعرفة الجميع بأن هذا الالتزام لا معنى له منذ البداية، لأن نتنياهو وضع شروطًا تعجيزيةً حتى يوافق على الدولة، تبدأ بضمان أمن إسرائيل، ولا تنتهي بالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. وقد أضاف نتنياهو شروطًا جديدة مثل ضرورة تخلي أبو مازن عن شراكته مع «حماس»، لأن عليه الاختيار بين إسرائيل وبين «الحركة». كما وضع شرطًا جديدًا يتعلق بضرورة أن تضمن إسرائيل نفسها أمنيًّا بشكل أكبر من السابق، نتيجة التغييرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، وذلك قبل الموافقة على قيام الدولة.
وعندما وافق نتنياهو على الدولة كان ذلك من قبيل العلاقات العامة وإرضاء الإدارة الأميركية التي اكتفت بذلك الإعلان الشكلي، برغم ما كانت تقوم به حكومة نتنياهو من رفض للمبادرات وإفشال للمفاوضات، والمضي في العدوان والتمييز العنصري وخلق الحقائق الاحتلالية والقانونية وغيرها، التي تستكمل إقامة أمر واقع يجعل الحل الإسرائيلي - الذي لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية - هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًا.
هذا السيناريو يعززه أن أوباما يعطي الأولوية للاتفاق مع إيران الذي تعارضه إسرائيل والحزب الجمهوري ومناصرو إسرائيل بشدة، ولا يريد أن يفتح جبهة أخرى، خصوصًا في ظل اقتراب انتهاء فترته الرئاسية. فلو أنه فكر بذلك، سيتعرّض إلى ضغوط من حزبه ومن مرشحيه للرئاسة، تحديدًا هيلاري كلينتون التي تتخذ مواقف مؤيدة لإسرائيل، ولا تريد أن تخسر تأييد مناصريها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي هذا السيناريو تأخذ الإدارة بنصيحة دنيس روس، الذي كتب وأعاد مجددًا آراءه الذميمة بأن الوقت ليس وقت مفاوضات ولا وقت حلول، وإنما يجب التركيز على استعادة الثقة وتوفير الشروط المناسبة لاستئناف المفاوضات، فهو صاحب مقولة «إن «عملية السلام» عملية من دون سلام، وأن الممكن إدارة النزاع وليس حله».
السيناريو الثاني، أن يمضي أوباما وينفذ تهديده، ويوافق على صدور قرار من مجلس الأمن يعترف بالدولة، وقد يتضمّن جدولًا زمنيًا لقيامها، لأنه يدرك أن عدم القيام بذلك سيجعل الرئيس أبو مازن غير قادر على الاستمرار بالوضع الحالي، وأنه سيمضي مضطرًا نحو تفعيل العضوية الفلسطينية في محكمة الجنايات، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي بخصوص وقف التنسيق الأمني، وتحميل الاحتلال المسؤولية عن احتلاله، وإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل، والمضي بالمصالحة والمقاومة الشعبية والمقاطعة، ما يعني أن الأمور في هذا السيناريو مرشحة إلى تدهور شامل، وإلى مجابهة فلسطينية - إسرائيلية شاملة، ستكون لها تداعيات على كل المنطقة التي تشهد حروبًا وانقسامات وتصاعدًا لظواهر التطرّف.
إن صدور قرار من مجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية، أو اعتراف أميركا بالدولة، ينطويان على ثمن فلسطيني كبير، يتمثل بأخذ هذا القرار المعايير الأميركية والدولية، مثل تضمين أي مشروع قرار مبدأ «تبادل الأراضي»، واعتبار الأمن الإسرائيلي أولوية ومرجعية، والتخلي الفعلي عن القرارات الدولية بخصوص قضية اللاجئين. وقد تطلب الإدارة الأميركية تضمين القرار بندًا عن «يهودية» إسرائيل، مثلما ورد في مشروع القرار الفرنسي، إضافة إلى أنه سيترافق على الأرجح مع طلب بأن يتوقف التحرك الفلسطيني في محكمة الجنايات، وعن أي مسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل ومقاطعتها والسعي لعزلها وفرض العقوبات عليها، ومحاكمتها على الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني وحق الإنسانية جمعاء. أي أنّ ثمن مثل هذا القرار أكثر من مكاسبه، برغم أنه سيُصوّر كما لو كان انتصاراً تاريخياً كبيراً.
السيناريو الثالث، أن تكتفي الإدارة الأميركية بغض النظر عن اعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية، وفرض بعض العقوبات التي هددت أوروبا بتنفيذها ضد إسرائيل وانتظار مفعولها على الدولة العبرية.
إن أي سيناريو يمكن أن يحدُث، سواء إذا كان جيدًا أو سيئًا أو بين بين، لا تمكن الاستفادة منه أو درء أضراره ما دام الانقسام الفلسطيني مستمرًا. في هذا الصدد، لا بدّ من الحذر من مبادرة عقد هدنة لمدة خمس سنوات بين إسرائيل و «حماس»، والتي تسوق لها أطراف عربية وإقليمية ودولية، مقابل فتح المطار وإعادة تشغيل الميناء، مع ما يعنيه ذلك من تعميق الانقسام وتحويله عمليًّا إلى انفصال، وتمكين إسرائيل من التخلي عن مسؤولياتها بوصفها قوة احتلال على قطاع غزة.
وفي ظل الانقسام ستتمكن حكومة نتنياهو وغيرها من استيعاب أضرار أي قرار يصدر عن مجلس الأمن، أو أي خطوة تتخذها الإدارة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، لأنها صاحبة القوة على الأرض. استنادًا إلى ذلك، يجب أن تكون الأولوية لاستعادة الوحدة، خصوصًا في ظل تصاعد التحديات والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.
نعم، إسرائيل بتطرفها وعنصريتها تستعدي المزيد من الدول، وتزعج حتى حليفها الأكبر في واشنطن، وعلينا أن نشجع التباعد بين إسرائيل وحلفائها، كما التناقضات داخل إسرائيل، ولكن من دون حسابات خاطئة وأوهام وقعت القيادة الفلسطينية تحت تأثيرها ردحًا طويلًا، ودفع الشعب الفلسطيني ثمنها غاليًا، مثل وهم التمييز بين الأحزاب الإسرائيلية على أساس أن هناك معسكر «سلام» في إسرائيل، وهذا ثبت بالتجربة التي كان آخرها نتائج الانتخابات الإسرائيلية أنه غير صحيح.
ولا بدّ من التخلي عن وهم إقامة الدولة عن طريق المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية بإثبات حسن النية والجدارة وبناء المؤسسات، والتنازل عن وحدة القضية والشعب والأرض عبر الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، وفي ظل التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية، ونبذ المقاومة والتخلي عنها قبل أن تحقق أهدافها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177190

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع هاني المصري   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2177190 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40