السبت 21 آذار (مارس) 2015

من الرهان على العدو إلى الاعتماد على النفس

السبت 21 آذار (مارس) 2015 par د. عصام نعمان

كثيرون بين العرب، مسؤولين ومواطنين، راهنوا على فوز خصوم بنيامين نتنياهو في الانتخابات “الإسرائيلية” . غشتهم، كما معظم “الإسرائيليين”، استطلاعات الرأي العام التي رجّحت هزيمة نتنياهو . لو أنهم قرأوا تصريحات زعيم حزب “الليكود” وخصمه زعيم حزب العمل إسحاق هرتسوغ لما كانوا راهنوا على أيٍّ منهما . فالسياسيان الصهيونيان عنصريان من الدرجة الأولى ومتشابهان في عدائهما للفلسطينيين والعرب، وسياستهما تكاد تكون واحدة في ترسيخ الاستيطان ورفض ما يسمى “حل الدولتين” .
نتنياهو تعهد عشية الانتخابات باستمرار أعمال الاستيطان في جميع أنحاء القدس . أكد أنه لن تقام دولة فلسطينية في حال انتخابه . هرتسوغ تعهد بأن تبقى القدس موحدة ضمن أي تسوية للنزاع مع الفلسطينيين، وأن الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية ستظل تحت السيادة “الإسرائيلية” . قال إنه سيصدّ إجراءات الفلسطينيين أحادية الجانب، أي مراجعة المحكمة الجنائية الدولية والانتماء إلى سائر الوكالات الأممية والمعاهدات الدولية .
أيُّ فارق بين الرجلين يسمح للفلسطينيين والعرب بأن يراهنوا على أيٍّ منهما؟
لا فارق يذكر . ذلك أن المشروع الصهيوني يبتغي ابتلاع كل فلسطين التاريخية ولن يحتمل أي دولة للفلسطينيين بين النهر والبحر . ثم لماذا يتنازل الصهاينة للفلسطينيين وهم، كما العرب، على هذه الدرجة من النزاع والشقاق والنفاق والضعف والفوضى؟
يعزّي بعض الفلسطينيين والعرب أنفسهم بأن “إسرائيل” مقبلة على أزمة سياسية خطرة بسبب التعادل النسبي بين قوى اليمين واليسار في الكنيست ما يجعل الاتفاق على تأليف حكومة مستقرة أمراً بالغ الصعوبة . هذا “الأمل” الخائب مصدره استمرار بعضهم في الرهان على العدو بشكل أو بآخر . غير أن الخيبات المتكررة التي انتهت إليها الرهانات السابقة دفعت بعضهم الآخر ممن لم يراهن يوماً على العدو إلى الجهر مجدداً بالدرس الذي يجب استخلاصه من تجارب الماضي و . . رهاناته .
لعل أبرز هؤلاء القائد الوطني الدكتور مصطفى البرغوثي الذي جزم بأن الأمثولة المستفادة من نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” هي سقوط الرهان على أوسلو، أي على المفاوضات مع الكيان الصهيوني، وأن الخيار الوحيد المطلوب هو تغيير ميزان القوى مع العدو بالكفاح والمقاومة والمقاطعة والوحدة .
كبير المفاوضين الفلسطينيين والناطق باسم السلطة الفلسطينية صائب عريقات سارع إلى تقديم النهج البديل لفريقه الذي خيّبت الانتخابات “الإسرائيلية” أمله بفوز خصوم نتنياهو . قال إن السلطة سوف تفعّل خيار اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بعدما اختارت “إسرائيل” الاستيطان وضرب “حل الدولتين” . حسناً، ولكن هل يكفي سلوك هذا الطريق لمواجهة كيان عنصري مغتصب جدّد جمهوره لزعمائه تفويضاً مطلقاً بتوسيع الاستيطان ورفض الإقرار للفلسطينيين بدولة مستقلة ولو على فتات وطن مسروق؟
منذ العام 1948 واجه العرب، نظرياً، تحدي الكيان الصهيوني . منذ صيف 2013 يواجه العرب، نظرياً أيضاً، تحدياً آخر هو تنظيم “داعش” . لم يستجب العرب للتحدي الصهيوني بمواجهة متكاملة، فتجذّر كيانه بمزيد من الاستيطان والتوسع . هل يمضي العرب في عدم الاستجابة لتحدي “داعش” فيتجذّر ويتوسع لتصبح الأمة محاصرة بين فكي كماشة من الغرب والشرق؟
لا يعادل خطورة عدم الاستجابة للتحديين إلاّ خطورة التحالف مع جماعة أحد التحديين ضد آخر ثالث يخيّل لبعض العرب السادرين في غيبوبتهم أنه أقوى من التحديين الأول والثاني! بهذا الموقف تصبح بلاد العرب نهباً لكل التحديات والاخطار .
إلى ذلك كله، تقوم في معظم بلاد العرب تحديات داخلية تستقطب اهتمام مسؤوليها ومواطنيها فيسرح أعداء الأمة ويمرحون على امتداد وطنها الكبير ولا من وازع ولا رادع .
أمَا لليلِ العرْب آخر؟
هذا السؤال ليس برسم العامة بل برسم الخاصة، الخاصة بمعنى أهل النخبة المفكّرة لدى القوى الوطنية الحية الصاحية، الملتزمة بقضايا أمتها، والناهضة إلى معالجتها ومواجهتها بإرادة مصممة وعقل وعلم وتخطيط ومثابرة، ونشدان للحرية والكرامة والعدل، وبنهج الشورى والديمقراطية وقبول الآخر واحترامه .
تنهض القوى الحية إلى الاضطلاع بمهامها التاريخية أو تبقى وأمتها مهددة بالموت البطيء غير الرحيم تحت سنابك الصهاينة و“الدواعش” .
أين المفر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165586

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165586 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010