الخميس 19 آذار (مارس) 2015

في فراغنا تمددوا

الخميس 19 آذار (مارس) 2015 par فهمي هويدي

ما الذي يتعين على العرب أن يفعلوه حين يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه طالما بقي في السلطة فلن تكون هناك دولة فلسطينية؟ وماذا يكون رد فعلهم إذا فوجئوا بمسؤول في طهران يتحدث عن عودة الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد؟.
السؤالان ليسا افتراضيين وإنما يتحدثان عما حدث بالفعل، فالمقولة الأولى أطلقها بنيامين نتنياهو أثناء حملته الانتخابية التي أتت به رئيسا للحكومة الإسرائيلية للمرة الرابعة، إذ نقل عنه موقع إن. آر. جي الإخباري في ١٦/٣ قوله: إنه إذا ما انتخب فلن تكون هناك في عهده دولة فلسطينية. مضيفا أن كل من يخطط لإقامة دولة فلسطينية ويطالب بإجلاء الفلسطينيين عن الأراضي التي «يقطنونها» يعطي للإسلام المتطرف أراضي ليشنَّ منها هجماته على الدولة الإسرائيلية. لا أشك في أن أحدا في العالم العربي لم يكن يحسن الظن به ولا يتوقع منه خيرا من أي باب. كما أن الرجل التزم بذلك الموقف الذي أعلنه طول حكمه. صحيح أيضا أن الموضوع الفلسطيني والاستيطان لم يكن من القضايا المثارة أثناء المعركة الانتخابية، لأن تركيز الأحزاب على القضايا الاجتماعية والاقتصادية من أزمة الغلاء إلى الإسكان إلى تردي خدمات التعليم والصحة، مع ذلك فإن نتنياهو حرص على أن يجهر برأيه بهذه الصراحة والفجاجة، أغلب الظن لأنه كان يخاطب المستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين لكي يكسب أصواتهم، غير عابئ ولا متوقع أي رد فعل من جانب السلطة الفلسطينية في رام الله أو من جانب الأنظمة العربية.
من الناحية السياسية فإن الرجل بما قاله أغلق أبواب الحلول السلمية. وأسكت أصوات الحكومات العربية التي ما برحت تراهن على مبادرة السلام ولا تزال تتعلق بوهم إقامة الدولة الفلسطينية من خلال المفاوضات. ومع ذلك فإننا لم نلحظ أي رد فعل من جانب السلطة أو من جانب أي دولة عربية. ومرر الجميع كلام نتنياهو باعتباره أمرا عاديا. وفي حين سكت الجميع عن ذلك الكلام الخطير، فإننا وجدنا أن الجامعة العربية اهتمت بالانتخابات الإسرائيلية، وصدر تصريح باسمها أيَّدَ القائمة الموحدة التي شكلتها بعض الأحزاب العربية والشخصيات الفلسطينية وشاركت بها في انتخابات الكنيست. وحث البيان عرب ٤٨ على التصويت في الانتخابات ودعم تلك القائمة بكل قوة. كما وجدنا أن زعيما لبنانيا، هو السيد وليد جنبلاط، انضم إلى المحبذين وخاطب الدروز في إسرائيل داعيا إياهم إلى التصويت لصالح القائمة العربية ذاتها.
المفارقة بدت محزنة ومخيبة للآمال، إذ لم نلمح غضبا أو شجبا لكلام نتنياهو، في حين وجدنا اهتماما سياسيا وإعلاميا ملحوظا بالانتخابات وبالقائمة العربية الموحدة المشاركة فيها.
الفرقعة الثانية جاءتنا من طهران، إذ عقد في ٨ مارس منتدى كانت الهوية الإيرانية موضوعا له، وكان أحد المتحدثين فيه مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الأقليات علي يونسي. ونقلت وكالة أنباء «إيسنا» للطلبة الإيرانيين عنه قوله إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك. فإما أن نتحد معا أو نتقاتل معا. مضيفا أن إيران أصبحت الآن إمبراطورية كما كانت في السابق وعاصمتها بغداد، التي هي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا عبر التاريخ. والعراق ليس جزءا من نفوذنا الثقافي فحسب، بل هي جزء من هويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ.
هذا الكلام الخطير أحدث دويا في العراق وأثار ردود أفعال مختلفة داخل إيران، لكن أحدا لم يأبه به في بقية أنحاء العالم العربي. فقد سارع وزير خارجية العراق إلى التأكيد على تمسك بلاده باستقلالها وهويتها الوطنية. وقبله قال متحدث باسم المرجع الديني آية الله علي السيستاني في خطبة الجمعة بكربلاء: «إننا نعتز بوطننا وبهويتنا واستقلالنا وسيادتنا. وإذا كنا نرحب بأي مساعدة تقدم إلينا اليوم من إخواننا وأصدقائنا لمحاربة الإرهاب.. فإن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن نغض الطرف عن هويتنا واستقلالنا كما ذهب إليه بعض المسؤولين في تصوراتهم».
في ذات الوقت فإن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية تحدثت عن احترام بلادها لسيادة العراق وحرصها على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وقدم أكثر من مائة عضو بمجلس الشورى طلبا إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني بإقالة يونسي لسوء تصرفه، كما استدعته محكمة رجال الدين لمساءلته عما بدر منه. رغم أنه حاول تخفيف وقع كلامه حين صرح لاحقا بأنه في حديثه كان يتحدث عن الإمبراطوريات الفارسية القديمة وليس عن الوضع الراهن.
ما قاله السيد يونسي ذهب فيه إلى أبعد مما ذكره الدكتور علي ولايتي مستشار المرشد في ١٦ ديسمبر من العام الماضي، حين تحدث عن تمدد نفوذ إيران الذي وصل إلى اليمن بعدما مر بالعراق وسوريا ولبنان. إلا أن التصريحين يعبران عن الشعور بالنشوة في طهران إزاء ما حققته إيران من حضور في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة.
من الملاحظات في هذا الصدد أن الحكومة العراقية استدعت السفير المصري في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج رسمية على انتقاد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لممارسات الميليشيات الشيعية المتطرفة (يقصد الجيش الشعبي) التي أدت إلى ارتكابها «جرائم بربرية نكراء» بحق سكان مناطق أهل السنة. وطالبت المذكرة الحكومة المصرية بالتعبير عن موقفها الرسمي إزاء ما صرح به الإمام الأكبر.
لم يتحرك شيء في العالم العربي تعبيرا عن الاستياء والغضب مما قاله مستشار الرئيس روحاني والوزير السابق علي يونسي. ولم تطالب طهران بتحديد موقفها الرسمي من كلامه الخطير عن عودة الإمبراطورية الإيرانية واعتبار بغداد عاصمة لها. علما بأن بيان وزارة الخارجية لم يكن كافيا ولم يكن بمستوى الفرقعة التي أحدثها السيد يونسي.
الخلاصة التي يخرج بها المرء من التدقيق فيما صدر عن نتنياهو أو السيد يونسي أن الرجلين تعاملا بازدراء شديد مع العالم العربي، وتصرفا باعتباره عالما عاجزا ومنزوع الإرادة، وفي فراغه عربد الأول وتمدد الثاني، الأمر الذي يعني أننا ينبغي أن نوسع من دائرة الاستهجان، ليشمل أيضا الذين أحدثوا الفراغ وأصبحوا عاجزين حتى عن إعلان الغضب إزاء ذلك الازدراء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2178916

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2178916 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40