الأربعاء 18 آذار (مارس) 2015

انتخابات ممهورة ب”التشبيح” والتخويف

الأربعاء 18 آذار (مارس) 2015 par فيصل جلول

تجتمع مؤشرات معتبرة على القول إن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يريد كسب الانتخابات التشريعية ب“التشبيح” . فهو لا يكف عن القول إن العالم بأسره يتآمر عليه ويريد إسقاطه من الحكم، وإن باراك أوباما لا يحبه لأنه يريد حماية “إسرائيل” من النووي الإيراني وإن أحزاباً صهيونية تتحالف ضده لأنها ترغب في تقديم تنازلات للغرب وبخاصة يسار الوسط بزعامة إسحاق هيرتزوغ وتسيبي ليفني . ويشيع الخوف مجريات المشرق العربي معتبراً أنه الوحيد القادر على الرد على هذه التحديات والمخاوف كما “فعل في حرب غزة الأخيرة” .
وإذ ينتهي من تخويف الناخبين بواسطة هذا النوع من “التشبيح” يلجأ نتنياهو إلى “الكذب” فتراه يعد هذا بوزارة الخارجية، وذاك بوزارة المال ويرسل الوفود والمبعوثين لفحص نوايا الأحزاب الصغيرة التي يمكن أن ترجّح عودته إلى الحكم حتى لو لم يكن يتمتع بأغلبية نيابية مطلقة .
معلوم هنا أن نتنياهو اعتاد على اتباع مثل هذه الأساليب في الدورات الانتخابية الماضية حيث كان يقدم نفسه بوصفه الأقوى والأقدر على حماية مواطنيه الخائفين، فهو رافع الشعار الشهير عام 1996: “زعيم قوي لأمة قوية”، وهو القائل في عام 2003: “رئيس وزراء قوي ل”إسرائيل“قوية” ويحمل اليوم شعاراً معبراً: “إما نحن وإما هم” .
استثمار “الخوف” كورقة انتخابية مطلقة معطوفاً على وعود كاذبة ربما تكون في القلب من استراتيجية نتنياهو الانتخابية، فالمجتمع الصهيوني على الرغم من ارتباطه بالثقافة الغربية، وتبعيته للغرب تنتظم أموره بواسطة الخوف في حين تنتظم أمور المجتمعات الغربية بواسطة الخجل على ما يلاحظ أحد الفلاسفة الجدد والراجح أن هذه الاستراتيجية مبنية على العناصر التالية:
* أولاً: في الصراع مع الفلسطينيين ينقسم الصهاينة حول سياسة نتنياهو، ذلك أن قسماً وافراً منهم يريد العمل مع محمود عباس على مشروع الدولتين مقابل نعي “بيبي”، كما يسميه أنصاره هذا المشروع من جهة، وتكذيب هذا النعي بواسطة مكتبه من جهة أخرى .
* ثانياً: في العلاقة مع الولايات المتحدة نراه يشيطن أوباما ويتظاهر بأنه كلي القدرة في مجلس الشيوخ ويضرب البروتوكول عرض الحائط ليخطب في الكونغرس مهدداً العلاقة الاستراتيجية بين البلدين بالتراجع والمزيد من الضعف . والراجح أنه يستبق التغييرات الواردة إلى المنطقة عبر حمل مراكز القوى المؤيدة للكيان في واشنطن على الالتزام دائماً بأمن ووجود “إسرائيل” كائناً ما كان موقع الأمريكي داخل المنطقة وخارجها . والواضح أن كل مناورة يستخدمها نتنياهو لرص صفوف مؤيديه وجمهوره تعادلها مبادرة مضادة من خصومه الذين يتهمونه بتخريب علاقات بلادهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الطرف الوحيد الذي يمكنه حمايتها من المخاطر .
* ثالثاً: يعرف خصوم نتنياهو في صوف اليمين أو يسار الوسط أن نقطة ضعفه الأكبر تكمن في طول مدة بقائه في الحكم وبالتالي اتساع الفوارق بين الأغنياء والفقراء وانتشار البطالة وأزمة السكن لذا ركزوا استراتيجيتهم الانتخابية على الوضع الداخلي مقابل الوضع الخارجي وتسببوا له بحرج كبير ذلك أن استطلاعات الرأي تعطيهم الأكثرية بفارق مقعدين إلى 6 مقاعد وبالتالي فرصة تشكيل الحكومة المقبلة . والواضح أن رده على هذه الاستراتيجية محدود التأثير فهو يواصل ديماغوجيته بالقول إن الاقتصاد القوي ينجم عن سياسة أمنية قوية وبالتالي يتيح توزيعاً أفضل للثروة وأنه الوحيد بين المرشحين القادر على انتهاج مثل هذه السياسة .
رابعاً: يدرك نتنياهو أنه الوجه الكاريزمي الأهم بين المرشحين لمنصب رئيس الوزراء وان الانتخابات وحدها لا تكفي لكي يكون الفائز وزيراً أول، ذلك أن الانتخابات الماضية خسرها نتنياهو رقمياً وربحها بواسطة “التشبيح” الذي أدى إلى تكليفه بترؤس الحكم ولا شيء يحول دون تكرار السيناريو في الانتخابات الحالية، خصوصاً أن مجموعة من الأحزاب الصغيرة يمكن أن تحصل على نسبة مشتتة من المقاعد وبالتالي أن تلعب دور “بيضة القبان” بين اليمين واليسار، وبما أن قسماً مهماً من هذه الأحزاب يؤيد الليكود والتطرف اليميني فهو لن يتورع عن إعادة ضبطها تحت السقف الليكودي بوصفه الزعيم “الإسرائيلي” الأبرز والأكثر قدرة على تمثيل بلاده من المرشحين الآخرين .
عندما أعلن نتنياهو تقديم موعد الانتخابات التشريعية من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 إلى مارس/آذار الحالي كان يدرك أن الاستحقاقات الخارجية والداخلية الداهمة ستفيض بتراكماتها على الجميع وأنه سيكون مضطراً للتنازل بما يعاكس إرادة ناخبيه وبالتالي المخاطرة بفشل ذريع في الاقتراع لذا فضل الاستباق وأخذ الجميع على حين غرة، فهل يخلف نفسه وبأية شروط؟
من الصعب الإجابة عن سؤال كبير وفي حدث بهذا الحجم، فالواضح أن الحملة الانتخابية الصهيونية الراهنة منظمة بطريقة متواطئة ومفبركة في أولوياتها، فبدلاً من أن تحتل التغييرات الأساسية في الشرق الأوسط وربما العالم رأس اهتمامات الرأي العام نرى أن البطالة وغلاء المعيشة تحتل أولويات الناخبين، فالراجح أن المجتمع الصهيوني مصاب بإحباط جراء فشل حروب غزة ولبنان وانحسار قدرته على الردع وتخويف العرب، فضلاً عن ضعف تأثيره في التغييرات المقبلة في المنطقة لا سيما في الملفين السوري والإيراني، فكان أن تمحور حول نفسه لينشغل بأزمة السكن والبطالة وغلاء المعيشة، لكن الكيان الصهيوني ليس دولة طبيعية يمكن فيها الفصل بين شؤون الداخل والخارج، ولنا في الأزمة السكنية مثال ساطع، فالصهيوني مستوطن وليس ساكناً عادياً وبالتالي فإن كل حل لأزمة السكن يمر بالاستيطان أي بتجريد الفلسطينيين من أرضهم .
هكذا تبدو الانتخابات الصهيونية الراهنة وكأنها ممهورة ب“التشبيح” والتخويف من طرف جميع المشاركين فيها والذين يهملون حقيقة مسكوت عنها وهي أن الزلزال الذي يضرب الشرق الأوسط لن يقف عند جدار الفصل العنصري فلربما يطال وجود الكيان الأمر الذي لا يرغب أحد حتى الآن في النظر إليه وجهاً لوجه .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2177396

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع فيصل جلول   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177396 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40