السبت 14 آذار (مارس) 2015

دولة المسلمين

السبت 14 آذار (مارس) 2015 par حبيب راشدين

منذ عودة العالم الإسلامي إلى واجهة التاريخ في شكل دول قطرية، صنعتها سكاكين الإمبراطورية البريطانية، تخضع لمسار معقد من الخدع البصرية، وتحيا تحت المتشابه من الحكم الإسلامي، المتحرّر يوما بعد يوم من الالتزامات الشرعية التي تمليها عليه إدارة شعوب مسلمة باحترام معتقداتها وقيمها.

طوال ثلاثة عشر قرنا لم يلتفت المسلمون كثيرا إلى ضياع حقهم في المشاركة في إدارة الشأن العام. وقد ظل النزاع على السلطة محصورا بين نخب العصبيات القبلية الأموية والعباسية والسلجوقية والطورانية والصفوية على مستوى المركز، قلما تصل أصداؤه إلى العامة، ولم تظهر الدعوات إلى استعادة هذا الحق إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية، واحتكاك بعض النخب المستنيرة بالحضارة الغربية، وافتتانهم بما تعرضه من صيغ لإشراك مواطنيها في إدارة الشأن العام.

أول خدعة جاءت مع “الربيع العربي الأول” الذي قاده عميل المخابرات البريطانية لورانس العرب وقد سبق بيرنارد هنري ليفي في إثارة عرب الجزيرة العربية ضد مركز الخلافة العثمانية، قبل أن يسلم مهمة تقسيم المقسم إلى الثنائي البريطاني الفرنسي سايكس وبيكو، وما سنراه لاحقا من عبثٍ بالشعوب عبر خدعة “الاشتراكية هي الحل” ثم “الديموقراطية هي الحل” هو تحصيل حاصل للعبث الأول بأمة أضاعت البوصلة، وانتقلت نخبها من مهمة حماية عقيدة المسلمين، إلى إشغالهم بتكالبٍ أخرق على سلطة، كانت وما تزال دون سلطة الوكلاء المفوّضين ليس إلا.

الخدعة الأخيرة كان ضحيتها نخب الإسلام السياسي الذي خدع بمسارات “الديموقراطية” الغربية وقد نجحت في حمل المسلمين على نسيان “حكم الشورى” الذي يفضل بأشواط نظام الديموقراطية الغربية، وقبلت بقواعد اللعبة الديموقراطية الغربية التي تضمر التداول على حكم المسلمين بينها وبين العلمانيين، وفق أهواء صناديق الاقتراع التي لا تسلم من التزوير حتى في أعرق الديموقراطيات.

الآن وقد تبيّن لنا أن مبدأ “الإسلام دين الدولة” هو شعارٌ لم يلزم أيّ سلطة في العالم الإسلامي باحترام شريعة ومعتقد المسلمين، بل منح السلطة الحامية للدستور تفويضا دينيا مطلقا، تماما كما حصل مع ملوك بني إسرائيل، فمكّنهم من تحريف الديانة اليهودية، ولم يبدأ تحريف العقيدة المسحية إلا بعد اعتناق قسطنطين للمسحية، واشتغاله مع كنيسة مدجّنة في توظيف الديانة الجديدة لصالح الإمبراطورية؛ فالمصطلح كما نرى مصطلحٌ مسيحي غربي، لم يرد ذكره في أيّ وثيقة إسلامية فقهية أو سياسية قبل القرن العشرين، وهو يحرمنا من التوجه نحو المطالبة بقيام “دولة للمسمين” تحمي حقهم في الاستخلاف القويم في العبادات والمعاملات، وفق الشريعة التي ارتضاها الله لهم.

هاهنا برنامجٌ متقدم للنخب الإسلامية، تنتقل معه من التهارش العقيم على السلطة، التي هي عنوانٌ لمتاع الدنيا، إلى النضال من أجل قيام “دولة للمسلمين” لا يحقّ فيها للسلطة مهما كانت أن تعتدي على معتقدات المسلمين، ولها بعد ذلك أن تشرّع ما تشاء، وتسوس كيف تشاء، ما لم تُكرِه المسلم على عصيان الخالق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2178314

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2178314 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40