السبت 14 آذار (مارس) 2015

لماذا “القوة العربية المشتركة”؟

السبت 14 آذار (مارس) 2015 par د. عصام نعمان

أعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي أن اقتراح تشكيل قوة عربية مشتركة “للإسهام في صون الأمن القومي العربي وحمايته سيكون في صدارة جدول أعمال القمة العربية المقرر انعقادها في 28 و 29 الشهر الجاري في القاهرة” . وأضاف أن “هذا الاقتراح ينطلق من مرجعيات عربية عدّة كمعاهدة الدفاع العربي المشترك، وميثاق جامعة الدول العربية، واتفاقية الرياض للتعاون القضائي، بالإضافة الى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب” .
إعلان ابن حلي يمثل في الواقع استجابة سريعة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تشكيل قوة عربية موحدة عقب الضربة التي كالها سلاح الجو المصري للتنظيمات الإرهابية التي قطعت رؤوس 21 مصرياً قبطياً عاملاً في ليبيا . تردّد أيضاً أن دعوة السيسي جاءت نتيجة زيارته الأخيرة للرياض ومباحثاته مع المسؤولين السعوديين المتخوفين من تداعيات ما يجري في اليمن .
تنطوي الدعوة الى تشكيل قوة عربية مشتركة على دلالة لافتة هي أن الإرهاب لا يقتصر بمفاعيله على سوريا والعراق بل أضحى تهديداً مباشراً ومعاناة يومية في معظم بلاد العرب . فوق ذلك، لصدور الدعوة الى تشكيل قوة عربية مشتركة عن الرئيس المصري دلالة إضافية بالغة تتصل بالصراع المحتدم في المنطقة ومن ضمنه مساعي الولايات المتحدة لبناء نظام إقليمي جديد على أنقاض النظام العربي المنهار قوامه تركيا ودول عربية و . . . “إسرائيل” .
الغاية من النظام الجديد مزدوجة : مواجهة الإرهاب، ومواجهة إيران . ذلك أن التوصّل الى اتفاق مع إيران بصدد برنامجها النووي لا ينهي مخاطرها المتوقعة على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بل يستوجب، في حسبانهم، إقامة تحالف فيما بينهم لاحتوائها كقوة مركزية إقليمية صاعدة والحؤول تالياً دون تمدد نفوذها . فالإرهاب، في مفهوم الولايات المتحدة، اثنان : واحد سنّي يمثله “داعش” وأخواته، وآخر تمثله إيران .
تحاول تركيا أردوغان تزعّم مجموعة الدول العربية والإسلامية المناهضة لما تسميه “الإرهاب الشيعي” . مصر السيسي ترفض مطامح تركيا ومطامعها لسببين:
* الأول، لأنها تشعر بوطأة ما يسمى الإرهاب الذي يواجهها بفاعلية في سيناء من الشرق وفي ليبيا من الغرب، فضلاً عن وكيله “المحلي” المتمثّل بالإخوان المسلمين داخل مصر . الثاني، لأنها تعتبر نفسها، بحق، كبرى الدول العربية وبالتالي أكثرها أهلية للاضطلاع بدور استراتيجي قيادي في المنطقة قبل تركيا وبعدها .
إذ تنتدب مصر نفسها لدور عربي وإقليمي استراتيجي، تُلاحظ قيادتها أن تركيا و“إسرائيل” تنخرطان، بمقادير متفاوتة، في دعم الإرهاب المتمثل ب“داعش” وأخواته في سوريا والعراق، وتتحالفان سياسياً واستخبارياً مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران المتّهَمة بدعم الإرهاب الشيعي . لمعالجة هذه المعضلة اجترحت مصر السيسي استراتيجية متكاملة قوامها التمسك بوحدة سوريا والعراق في وجه “داعش” وأخواته، والدعوة الى حل سياسي للصراع الدائر فيهما وعليهما في آن من جهة، والاضطلاع بحماية أمن دول الخليج من جهة أخرى .
لا غلوّ في القول إن حُسن تنفيذ هذه الاستراتيجية مشروط بتحقيق إنجازات ثلاثة:
* أولاً، اعتبار “داعش” وأخواته الخطر الأول الذي يهدد الأمة في المرحلة الراهنة ما يستوجب توحيد جهود كل الدول العربية، لمواجهته ودحره في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن .
* ثانياً، مواكبة المواجهة الأمنية ل “داعش” وأخواته بمواجهة سياسية قوامها تنظيم حوار وطني موسع في كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن لتوليف حلول سياسية للصراعات المحتدمة فيها تقود الى إعادة بناء دولها على اسس مدنية ديمقراطية تكفل الأمن وحكم القانون والعدالة والتنمية .
* ثالثاً، بناء علاقات سياسية واقتصادية وثقافية مع إيران قوامها التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار في إطار الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والهيئات القارية ذات الصلة، والتنسيق معها في حملة عالمية لنصرة شعب فلسطين ضد العدو الصهيوني الاستيطاني الاقتلاعي ومن أجل إقامة دولته الوطنية السيدّة على كامل أرضه .
في هذا السياق، يمكن التوافق على تشكيل قوة عربية مشتركة قوامها الأساس قوات مصرية، تتولى مواجهة أعداء الأمة على امتداد القارة العربية، ولاسيما الخطر الأول المتمثل مرحلياً بالإرهاب المتعدد التنظيمات والأغراض والمسالك والمدعوم من قوى خارجية طامعة .
لقد بات واضحاً أن “التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب” أخفق في مواجهة “داعش” وأخواته في حربه عليه وعليها من السماء . هذا يشكّل بذاته مسوّغاً ودافعاً لتشكيل قوة عربية مشتركة تواجهها جميعاً على الأرض .
آن أوان الخروج من الأمن الأجنبي المستعار الى الأمن العربي القومي الحارس للوجود والحدود والقدرات والطموحات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165355

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165355 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010