الجمعة 13 آذار (مارس) 2015

وجهات الأسبوع

الجمعة 13 آذار (مارس) 2015

- خطاب نتنياهو في الكونغرس إهانة لأمريكا

* د . محمد الصياد

الثلاثاء 3 مارس/آذار ،2015 كان يوماً فارقاً في تاريخ السلطة التشريعية الأمريكية . رئيس حكومة دولة أجنبية هي “إسرائيل”، يقف على منصة الخطابة في مقر الكونغرس الأمريكي، وفي حضرة أعضائه، بغرفتيه البالغ إجمالي عدد أعضائهما 535 (النواب 435 عضواً) (والشيوخ 100 عضو)، في سابقة لم تُتح لزعماء الدول باستثناء رئيس وزراء بريطانيا الراحل ونستون تشرتشل إبان الحرب العالمية الثانية . ففي التقليد السياسي الأمريكي أن رئيس البلاد هو فقط من يقوم في العشرين من يناير/كانون الثاني من كل عام بإلقاء خطاب الى الأمة يتحدث فيه عن حالة الاتحاد وعن توجهات إدارته داخلياً وخارجياً .
كان من الممكن، بما تحظى به “إسرائيل” من مكانة خاصة لدى واشنطن تصل لحد اعتبارها الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، أن يمر هذا الخطاب بصورة اعتيادية هادئة لولا الملابسات الغريبة التي اكتنفت “تدبيره” . من حيث إنه دبر خلسة من وراء ظهر الرئيس أوباما وأركان إدارته من قبل سفير “إسرائيل” في واشنطن “رون ديرمير” الذي طرح فكرة الدعوة يوم 8 يناير على زعماء الحزب الجمهوري (أي قبل إلقاء أوباما خطابه عن حالة الاتحاد يوم 20/1/2015) . حيث جرى الاتفاق على أن يوجه رئيس مجلس النواب “جون بينر” اليميني المتطرف الدعوة ل “نتنياهو” في اليوم التالي لخطاب أوباما من دون علم البيت الأبيض .
بهذا المعنى فرض نتنياهو نفسه ضيفاً ثقيلاً على المؤسسة الحاكمة في واشنطن وتحدى الرئيس الأمريكي والدولة الأمريكية أن يمنعوه من مخاطبة الكونغرس وتحريضه ضد الرئيس وإدارته لقطع الطريق على مسعيهما لإبرام اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي . فكان أن أُهين الرئيس وأُهينت الدولة الأمريكية أيما إهانة . وإمعاناً في الإذلال، ليس فقط إذلال “إسرائيل” للولايات المتحدة ولرئيسها ولمؤسستها الحاكمة فحسب، إنما إذلال الدولة الأمريكية لنفسها أيضاً، ذلك أن نفراً قليلاً جداً من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس بمجلسيه، من تجرأ وأخذ جانب الرئيس أوباما الغاضب على تواقح وتجاسر وغطرسة نتنياهو، في مقاطعة الجلسة المشتركة للكونغرس التي ألقى فيها نتنياهو خطابه التأليبي ضد أوباما وإدارته فيما خص المفاوضات النووية مع إيران . فمن أصل عدد الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس، 188 في مجلس النواب، و46 في مجلس الشيوخ، أي 234 عضواً ديمقراطياً، لم يقاطع الجلسة سوى 52 نائباً وسيناتوراً فقط، أي أن 8 .77% من النواب والشيوخ الأمريكيين حضروا الجلسة! حتى نائب الرئيس جو بايدن لم يجرؤ على اتخاذ موقف صريح من حضور الجلسة، فدبر له سفرة خارجية للتعلل بالتواجد خارج الديار . ولعل ما قالته مراسلة “بي بي سي” في واشنطن بربارة بليت بشأن المأزق الذي وضع فيه نتنياهو أعضاء الكونغرس، لاسيما الديمقراطيين، من أن “هذه الخطوة أغضبت الديمقراطيين بسبب الحرج الذي سببته لهم، فبعضهم أُجبر على الاختيار بين إغضاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو إغضاب”إسرائيل“” . لعل توصيف المراسلة يعبر عن المهانة وإراقة ماء الوجه اللتين سببتهما “إسرائيل” للولايات المتحدة أمام أنظار العالم أجمع، واللتين أثبتتا أن فرائص أعضاء المؤسسة الأمريكية الحاكمة ترتعد من تجاسرات “إسرائيل” . وذلك على الرغم من العلم المسبق لدى هؤلاء بالطابع الاستعراضي الممسرح الذي حاول نتنياهو تأديته لخدمة حملة إعادة انتخابه رئيساً للحكومة في انتخابات السابع عشر من مارس/آذار الجاري . فهو زار حائط المبكى قبل يوم واحد من توجهه الى واشنطن لإلقاء خطابه، لإضفاء نوع من القداسة على رحلته الى واشنطن . وقبيل صعوده الى الطائرة متوجهاً الى العاصمة الأمريكية، وصف رحلته بأنها “مصيرية بل تمثل مهمة تاريخية”، وإنه “يشعر بقلق حقيقي حول أمن شعب”إسرائيل“، وإنه سيفعل ما بوسعه لضمان أمن”إسرائيل“في المستقبل”!
ليس فقط أعضاء الكونغرس البلهاء وحدهم الذين حرصوا على الوقوف عدة مرات لمقاطعة خطاب نتنياهو بزخات من التصفيق الحار البائس، بل إن الإعلام الأمريكي هو الآخر أبى إلا أن يشارك في “زفة” الاحتفاء بضيف واشنطن الثقيل . لقد انبرت، على سبيل المثال لا الحصر، صحيفتا “وول ستريت جورنال” و“لوس أنجلوس تايمز” الأمريكيتان للدفاع عن خطاب نتنياهو . فبينما حذرت لوس أنجلوس تايمز في مقال أفردت لكاتبه رئيس الكنيست “الإسرائيلي” يولي إدلشتاين، مساحة، من أن صفقة البرنامج النووي الإيراني لن توقف مساعي إيران لإنتاج سلاح نووي فحسب، بل سترفع عنها العقوبات الضرورية، فإن صحيفة “وول ستريت جورنال” هاجمت بضراوة الرئيس أوباما وأعضاء إدارته الذين وصفتهم بالسحرة، واتهمت أوباما بتعمد شخصنة خلافاته مع نتنياهو بهدف خلق أزمة علاقات بين البلدين تساهم في هزيمة نتنياهو في الانتخابات “الإسرائيلية” المقبلة مثلما ساهمت الأزمة التي خلقها جورج بوش الأب مع إسحق شامير عام 1992 في هزيمة الأخير .
ومن فرط الضغط النفسي لحملة الابتزاز والترهيب التي جرَّدها اللوبي الصهيوني في واشنطن على أوباما وعلى قيادات حزبه الديمقراطي في مختلف مستويات صناعة القرار وفي أجهزة الإعلام، فقد رأينا كيف أن الرئيس أوباما ظهر في لحظة ضعف وانكسار قبيل إلقاء نتنياهو الخطاب وهو يمضغ كلمات التهوين من شأن خلافاته مع نتنياهو، فاعتبره مجرد خلاف عابر لا يؤثر بالمطلق في علاقات البلدين .
هو مشهد يعيد الى الأذهان الحملة الشعواء التي تعرض لها الرئيس الأمريكي المغدور جون كنيدي، بعد أن ألقى خطاباً في العاشر من يونيو 1963 دعا فيه إلى إنهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، قائلاً: “إذا لم نستطع إنهاء خلافاتنا، فعلى الأقل يمكننا أن نساعد في جعل العالم مكاناً آمناً للتنوع” . فبل أن يعلن في السادس والعشرين من يوليو/ تموز 1963 توصل البلدين يوم الخامس والعشرين من الشهر نفسه لاتفاقية حظر التجارب النووية في الغلاف الجوي والفضاء وتحت الماء كمقدمة لاتفاق شامل لخفض الترسانة النووية لدى البلدين . وعلى مدار شهرين عمل الرئيس كنيدي على إقناع الكونغرس المنقسم على نفسه للمصادقة على هذا الاتفاق، وهو ما تم على مضض في 23 سبتمبر/أيلول 1963 .
ولأن مراكز قوى الدولة العميقة رفضت تقبل هذه الانعطافة السلمية في السياسة الخارجية للرئيس كنيدي، فقد كان لابد “لهذه الصفحة” من التاريخ الأمريكي أن تُطوى بأسرع وقت ممكن . فضُرب الموعد في يوم الجمعة الموافق 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963 في الساعة الثانية عشرة والنصف مساءً، في ولاية دلاس، حيث لقي الرئيس كنيدي مصرعه اغتيالاً في ظروف لم تنجح كل المحاولات التي بُذلت لكشف مدبري عملية اغتياله الحقيقيين، في رفع الستار عن ملابساتها حتى اليوم . والمفارقة أنه وبعد مرور 33 عاماً على ذلكم الاتفاق الذي دفع الرئيس كنيدي حياته ثمناً له، تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووقعته في حينها 77 دولة بما في ذلك الدول الحائزة للأسلحة النووية . ولكن وبرغم توقيع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على الاتفاق الذي شمل حظر التجارب النووية في الغلاف الجوي والفضاء وتحت الماء وكذلك تحت الأرض، إلا أن مجلس الشيوخ الأمريكي رفض المصادقة عليه بأغلبية 51 صوتاً مقابل 48 صوتاً . إنها الدولة العميقة مرة أخرى . فما أشبه الليلة بالبارحة!

- نتنياهو... وعصا النووي الإيراني

*مالك ونوس

يَعرِف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكثر من غيره من حكام دول العالم، أن اتفاقاً أميركياً-إيرانياً حول برنامج إيران النووي سيجلب خسائر على أكثر من صعيد للجانب الإسرائيلي، ويفقد الكيان الصهيوني ملفاً كان يستخدمه لابتزاز الولايات المتحدة الأميركية ورؤسائها، ومرشحيها للرئاسة، طوال فترة استمرت عقدين، شهدت تجاذبات بين الولايات المتحدة والأسرة الدولية، ومعهم إسرائيل من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، لوقف هذا البرنامج. علاوة على ما رافق ذلك من تهديدات دائمة باحتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، أو لمفاعلاتها النووية لوقف البرنامج. ضربة جعلت العالم أجمع يحبس أنفاسه مترقباً إياها مرات كثيرة، كانت تشهد غياب التهديدات لدى حصول مفاوضات، ثم معاودة ظهورها لدى فشلها. جاعلة الجميع يتفقون على حتمية وقوعها، ويختلفون على توقيتها وعلى الطرف الذي سينفذها: أتنفذها أميركا أم إسرائيل نيابة عن الأولى، وأصالة عن نفسها؟
يذكِّر تهافت إسرائيل هذه الأيام، واستمرار حمل نتنياهو عصا التهديد النووي الإيراني، للتحريض ضد إيران الذي جاء آخر مرة على لسانه، في خطابه أمام مؤتمر إيباك (لجنة العلاقات الخارجية الأميركية-الإسرائيلية) في الثاني من الشهر الجاري، التهافت الذي مرده جولات المباحثات 5+1، واحتمال قرب تحقيق اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، يذكر بالتخوف الإسرائيلي الذي ساد سنة 2008 حين زادت فرص حل تلك المعضلة يومها، وحرمان إسرائيل من فرصة القضاء على البرنامج النووي الإيراني برمته، بضربة عسكرية توجهها هي أو الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية وقدراتها الصاروخية، خصوصاً البعيدة المدى. إذ تقدمت إيران في مايو/أيار سنة 2008 بوثيقة، كانت بمثابة مقترحات سلمتها في البداية إلى روسيا والصين، ومن بعدهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وبعض الدول الغربية، ضمنتها تصوراتها لحل الأزمات الدولية والإقليمية السياسية والأمنية والاقتصادية والنووية.
“حاولت إسرائيل، مرات عديدة، استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران”
وتبين المقترحات في فقرة تبحث في المسألة النووية استعداد إيران لفكرة (كونسرتيوم) لتخصيب الوقود النووي وإنتاجه في نقاط مختلفة من العالم، منها إيران. ما يعني تخلّياً جزئياً عن التخصيب الكامل في إيران نفسها. يومها، تخوف الإسرائيليون من أن تزداد دائرة الاهتمام بتلك الوثيقة أكثر فأكثر، وأن تحصل على الجدية المرجوة، ما قد يؤدي إلى الأخذ ببنودها، والشروع بحل معضلة تخصيب اليورانيوم في إيران، وبالتالي، انتفاء الذريعة التي تحتاجها إسرائيل لضربها.
يتكرر الأمر في هذه الأيام، بل ويسود الفتور الظاهر العلاقات الإسرائيلية الأميركية، بسبب جولات المباحثات 5+1 التي تقودها الدبلوماسية الأميركية، للتوصل إلى اتفاق. فتور سببه الخلاف الذي استجد بين الطرفين حول كيفية منع إيران من امتلاك السلاح النووي. وما رافق تلك المفاوضات من علائم حسن نية، ظهرت عبر التقليل من العقوبات الغربية المفروضة على إيران منذ عشرات السنين. لكن الخوف الإسرائيلي، هذه المرة، يبدو مضاعفاً. فإيران التي لم تتوقف يوماً عن العمل على ذلك البرنامج، على الرغم من تهديدات أميركية وإسرائيلية ظلت تُوَجَّه إليها منذ سنة 1995، ونقلتها على صفحاتها صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، لضرب منشآتها النووية، استمرت في تطويره، وربما وصلت إلى مراحل متقدمة، تؤهلها حيازة السلاح النووي. وهو ما حاولت إسرائيل، مرات عديدة، استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران لمنعه. وإضافة إلى هذا المسبب للمخاوف الإسرائيلية، هنالك مسبب آخر يتبدى في حقيقة تمدد إيران في المنطقة، وفرضها السيطرة على دول عربية أربع. الحقيقة التي يعرفها الإسرائيليون، ولم يكونوا بحاجة إلى علي رضا زاكاني، مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، والمقرب من المرشد علي خامنئي، ليبوح بها، عندما صرح في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد بيروت ودمشق وبغداد، مبيناً أن “ثورة الحوثيين” في اليمن امتداد للثورة الخمينية. الأمر الذي يزيد من قوة إيران ويعطيها أوراق ضغط، تنعكس لصالحها في شروط الاتفاق النووي المأمول.
“لولا كبح حكومة محمود عباس وأجهزته الأمنية لغليان الشعب الفلسطيني، لتكلل بانتفاضة ثالثة، قادمة لا محالة”
يبقى أن سراً يقف وراء ما يعتبره مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون سابقون تهوراً تجاه إيران، هو فشل نتنياهو في تحقيق أي تقدم في الموضوع الفلسطيني. ففي كل مقاربة له لهذا الملف، كان يهرب إلى الأمام، مرة عبر الاعتداءات، مثل عدوانه، أخيراً، الذي أطلق عليه عملية “الجرف الصامد” التي شنها على قطاع غزة في 8 يوليو/تموز الماضي. والتي اعتبرت عبثية، لم تحقق له ولحكومته شيئاً سوى حصاد مزيد من السخط على الصعيد العالمي، وزيادة التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني. ومرة أخرى، عبر زيادة الاستيطان في الضفة الغربية وتوسيعه، ليطال مناطق جديدة، وبالتالي، زيادة التوتر والغليان لدى أبناء الشعب الفلسطيني، الذي لولا كبح حكومة محمود عباس وأجهزته الأمنية له، لتكلل بانتفاضة ثالثة، قادمة لا محالة، بسبب تلك السياسة وغيرها من الممارسات، وبسبب الجمود الذي لحق ملفات القضية. ويأتي تراجعه، أخيراً، عن فكرة حل الدولتين ليكرس هذا الفشل.
بدا الأميركيون، في الآونة الأخيرة، غير ميالين لمجاراة المخاوف الإسرائيلية المزمنة جراء البرنامج النووي الإيراني والقدرات الصاروخية المتنامية لإيران، وذلك عندما تَوَقّف التناغم بينهما، فيما يخص توجيه ضربة عسكرية تطيح البرنامجين. وربما باتوا يسعون إلى حل لمشكلة البرنامج النووي يكون بمثابة سلة من الحلول تطال المسألة السورية، من باب وقف التدخل الإيراني الكبير في سورية، وبالتالي، التوصل إلى وقف الحرب، مقدمة لإيجاد مخرج مناسب للقضية. كما يمكن أن يطال الحل اليمن والعراق، من ناحية وقف تدخل إيران في شؤونهما الداخلية. وبالتالي، وضع حد لحالة الفوضى والحرب السائدة فيهما. وهي، بالتأكيد، حلول لا ترضي نتنياهو الذي يرغب في الاستمرار في مشاهدة المنطقة تسير بلداً بعد آخر نحو الدمار.

- مؤتمر شرم الشيخ: لا عصا سحرية لحل المشاكل

*محمد بسيوني
«مصر أم الدنيا، وهاتبقى أد الدنيا» هكذا أنعش الرئيس عبد الفتاح السيسي طموحات المصريين بالتقدم حتى قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية.
التعبير الذي استخدمه السيسي بشأن مستقبل مصر، أصبح أكثر الشعارات رواجاً في ما بعد، حتى أن مؤيديه ومعارضيه استخدموه على السواء، سواء معه أو ضده.
لم يضيّع السيسي وقتاً بعد فوزه برئاسة الجمهورية، فانطلق في مشروع تطوير قناة السويس، محاولاً الانتقال بالقناة من مجرد ممر مائي، عائده الوحيد هو الرسوم المحصلة من مرور السفن، إلى مركز اقتصادي عالمي.
الخطوة التالية هي توفير الاستثمارات الكافية للمشاريع الكبرى التي بدأ بعضها بالفعل. ومن المتوقع أن يكون ذروة الترويج لتلك المشاريع ضمن المؤتمر الاقتصادي الذي ينعقد اليوم في شرم الشيخ.
بين الدعاية المغرقة في التفاؤل، وبين الهجوم الغارق في التشاؤم، يفتتح مؤتمر شرم الشيخ، الذي ينبغي النظر إليه في المقام الأول كمؤتمر اقتصادي يهدف الى ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد المصري، وهو ما يستدعي النظر بدرجة معقولة من الموضوعية الى عوامل نجاحه أو فشله.
لا شك أن هناك مجموعة من العوامل توفر فرص النجاح للمؤتمر الاقتصادي. أول هذه العوامل، هو الميزة الجغرافية المتوفرة لمصر، فرؤية النهضة الاقتصادية التي يطرحها النظام المصري اليوم ترتكز على الاستفادة من الوضع المميز لقناة السويس، التي تقع عند ملتقى قارات العالم القديم، وتمثل جسراً اقتصادياً مهماً، يمكن أن يوفر جزءًا كبيراً من تكلفة النقل، إذا ما اعتمد عليه كمركز لالتقاء الخامات والتكنولوجيا والطاقة والأيدي العاملة لتنطلق السلع منه في الاتجاهات الأربعة.
وضع كهذا يوفر ميزة كبيرة لأي استثمارات، ويسهل الوصول إلى مختلف الأسواق.
بالإضافة الى الميزة الجغرافية، هناك ميزة سياسية، فالنظام الحاكم في مصر توفرت له أكبر شعبية منذ العهد الناصري، حتى أنه تمكّن من تطبيق سياسات تقشفية قاسية من دون مقاومة تذكر. هذا التأييد يطمئن بالطبع المستثمرين. كما أن السيسي يحظى بدعم إقليمي من الدول الأغنى والأكثر نفوذاً في المنطقة العربية، وهو ما يعني أن تلك الدول ستقدم ما يضمن استقرار النظام ونجاحه.
اقتصادياً، هناك أيضا ما يدعم نجاح مؤتمر شرم الشيخ، فمصر تعتبر سوقاً ضخمة، والاستثمارات التي تتدفق إليها تضمن وجود طلب ضخم في الداخل، مع انخفاض ملحوظ في تكلفة العمل نتيجة الانخفاض الشديد في الأجور.
ونجحت الدولة المصرية في تحسين معدل النمو الذي ظل متراجعا في السنوات الأربع الأخيرة، فوصل إلى 5.6 في المئة في نصف العام المالي الحالي، بعدما ظل أقل من 3 في المئة خلال السنوات الأربع السابقة.
كما تحسن التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري لدى مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتماني، بينما حسنت وكالتا «موديز» و»ستاندارد بورز» نظرتهما المستقبلية للاقتصاد المصري.
الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية تساهم بدورها في جذب الاستثمارات وإنجاح المؤتمر، فقانون الاستثمار يسهل منح الأراضي للمستثمرين، ويختصر إجراءات الاستثمار. ويضاف الى ذلك قرارات الضرائب الجديدة التي خفضت الحد الأقصى للضرائب على الأفراد والشركات من 25 في المئة إلى 22.5 في المئة، مع إلغاء ضريبة الخمسة في المئة التي كانت فرضت على الدخول فوق المليون جنيه سنويا، فضلاً عن العديد من القرارات والقوانين التي من المقرر إصدارها خلال الفترة المقبلة.
العوامل الذاتية والموضوعية التي تتضافر لإنجاح المؤتمر الاقتصادي تقابلها مجموعة أخرى من العوامل المعاكسة.
بداية، لا بد من الاشارة الى ان الاقتصاد العالمي يعاني موجات تباطؤ متتالية بما يعني تأثيراً مباشراً على الصادرات وعائدات قناة السويس، نتيجة تأثر التجارة العالمية، والسياحة التي تعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي، وأكثر القطاعات الخدمية أهمية واتساعا. كما يؤثر ذلك بالتأكيد على تدفق الاستثمارات الأجنبية.
الوضع الإقليمي يمثل بدوره تحدياً مهماً أمام نجاح المؤتمر الاقتصادي، فالإقليم الذي تدعو مصر العالم للاستثمار فيه، يشهد حالة من عدم الاستقرار لم يمر بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتتهدده حركات متشددة لم يظهر لها مثيل منذ القرن الرابع الهجري.
ويشهد الإقليم كذلك انهيار دول على الحدود المصرية وقربها، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار.
كذلك، فإنّ خريطة التحالفات الإقليمية تبدو غير نهائية، فالتعاون الوثيق بين مصر والسعودية، والدعم غير المسبوق الذي حصلت عليه مصر من دول الخليج لا يبدو وضعاً نهائياً، وهذا الدعم قد توقف بالفعل على وعد بأن يتحول الى استثمارات.
ويبدو ايضاً ان التحالف الإقليمي على وشك أن يتغير ليشهد دوراً تركياً لا تتحمس له مصر.
الأوضاع الأمنية تمثل بدورها عبئاً على مناخ الاستثمار في مصر. وبرغم قدرة الأمن على السيطرة في بعض المناطق وإجهاض العديد من العمليات الإرهابية، إلا أن انتشار العبوات الناسفة الصغيرة والبدائية يمثل حالة من عدم الأمان والاستقرار.
اقتصاديا يتجاوز الأمر إصدار مجموعة من القوانين والقرارات المحفزة للاستثمار، فالاقتصاد المصري يعاني اختلالات هيكلية لا يمكن استبعادها من حسابات المستثمرين، والسوق الداخلية الضخمة التي تبشر مصر بها المستثمرين تعاني من الفقر والبطالة وبالتالي تراجع الطلب.
وفي هذا الإطار، لا بد من الاشارة الى ان نسبة الفقر في مصر بلغت حوالي 26 في المئة، بينما بلغت نسبة البطالة 12.9 في المئة (بانخفاض طفيف عن العام السابق). اما عجز الموازنة، فوصل في منتصف العام المالي إلى 6.9 في المئة من الناتج المحلي بقيمة 159 مليار جنيه، مقارنة بستة في المئة في الفترة المماثلة من العام المالي السابق، وبقيمة 119.6 مليار جنيه. هذا العجز الكبير في الموازنة العامة يدفع الدولة المصرية الى الاستدانة الدائمة، ما يمثل عائقا أمام تمويل المستثمرين عبر الإقراض في ظل تنافس الدولة على الاستدانة، في بلد تقتصر الحسابات المصرفية المفتوحة حاليا فيه على 10 في المئة فقط من مجموع السكان، ما يعني الضعف الشديد في الادخار والذي يؤثر بالضرورة على فرص التمويل الاستثماري.
ووصل الدين العام في مصر إلى ما يقرب ترليوني جنيه بنسبة 86 في المئة من الناتج المحلي.
أزمة الطاقة المستحكمة في مصر تمثل بدورها هاجساً مهماً للمستثمرين، خاصة عندما تشمل النفط والغاز والكهرباء، وتنعكس في ظواهر واضحة، مثل الانقطاع المتكرر للكهرباء في جميع المناطق، والطوابير الممتدة أمام محطات الوقود، والتزاحم الشديد أمام مستودعات اسطوانات الغاز.
كذلك يمثل ضعف البنية التحتية في مصر أحد العوامل المؤثرة في جذب الاستثمارات.
تلك بعض العوامل المؤثرة في جذب الاستثمارات، سلباً وإيجاباً، وبالتالي فإن نجاح المؤتمر الاقتصادي أو فشله، يبقى سؤالاً يفترض ان تجيب عليه الخطوات التالية عليه.
وبالرغم من أن الدعاية للمؤتمر الاقتصادي صورته كعصا سحرية ستحل المشاكل المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، الا ان التجارب السابقة تبين بوضوح، أن جذب الاستثمارات لا يكون بكلمة سر تنفتح بها كل الأبواب.
ويذكر ان نظام حسني مبارك نجح في تحسين مؤشرات الاقتصاد المصري، فرفع المعدلات إلى أكثر من سبعة في المئة، وتمكن من رفع احتياطي النقد الأجنبي لحدود غير مسبوقة، حيث وصل إلى 36 مليار دولار قبل الثورة، بينما هو اليوم أقل من 16 مليار دولار، وقلص عجز الموازنة، وخفض الدين العام.
كل تلك المؤشرات لم تكن تعني سوى تضخم الثروة لدى أقلية مقربة من السلطة ومستفيدة من الامتيازات، بينما لم يطرأ أي تحسن على مستويات معيشة القطاعات الواسعة من السكان، حتى أن بعثة البنك الدولي لمصر التي غادرت في 25 كانون الثاني العام 2011، اي في يوم اطلاق الثورة، كانت قد اشادت بأداء الاقتصاد المصري وتوقعت المزيد من التقدم له، بينما كان نظام مبارك يلفظ أنفاسه الأخيرة عندما نشرت الصحف ذلك التصريح، ما يعني أن أي نجاح في الخطط الاقتصادية لا يصاحبه تحسن حقيقي في حياة المواطنين، سيعني جولة جديدة من الأزمات لن تقتصر على الاقتصاد.

- لا بديل عن التفاوض مع إيران

* غالب قنديل

الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم لا تزال هي المبدأ الاستراتيجي الذي تلتقي عليه النخب الحاكمة في الولايات المتحدة بجميع تياراتها واتجاهاتها. ويبدو من النقاشات الجارية أن خيار المواجهة مع القوى العالمية المنافسة بجميع الأدوات والوسائل الممكنة هو ما يجمع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين يخوضان مواجهة ضروساً يجسّدها التوتر المتصاعد بين الكونغرس والبيت الأبيض، الذي حركته الجدالات والمبادرات الجمهورية بمناسبة دعوة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن والتقدّم في مسار التفاوض حول الملف النووي الإيراني.

تبيّنت الصلة العضوية بين الحدثين في مضمون خطاب زعيم «الليكود» الذي ركز على الاتفاق النووي المحتمل التوصل إليه، وحيث شكلت رسائل الشيوخ والنواب المحافظين إلى القيادة الإيرانية محاولة سافرة لتقويض فرص الاتفاق عبر الطعن بمصداقية الرئيس الأميركي والتشكيك في التزام حكومة الولايات المتحدة بمواصلة تنفيذ ما قد يتعهّد به أوباما بعد انتهاء ولايته، خصوصاً في مسار رفع العقوبات عن إيران الذي يشكل عنواناً محورياً في الاتفاق من وجهة النظر الإيرانية.

لم يكن التفاوض مع إيران خيار حزب بمفرده، فقد توصلت المؤسسة الأميركية الحاكمة إلى تقدير الموقف في الموضوع الإيراني في عهد جورج دبليو بوش والسطوة الأوسع للمحافظين الجدد. ومنذ وثيقة بايكر هاملتون رجحت المؤسسة الحاكمة الأميركية إتباع طريق التفاوض حول الملف النووي. والطريق إلى تبلور هذا التقدير استغرق ما يزيد على ثلاثين عاماً جربت خلالها سائر أنواع القوة الناعمة والخشنة، وشتى صنوف العقوبات وتدابير الحصار التي تصدت لها إيران بعقيدة تحويل التهديد إلى فرص أتاحت لها تنمية قدراتها الذاتية ومضاعفة قوتها الاقتصادية بتنمية مستقلة لمواردها الوطنية، وبعقد شراكات دولية من خلال علاقات وثيقة مع القوى العالمية الشرقية الصاعدة والمناهضة للهيمنة الأميركية والغربية في العالم.

تسنى للمجتمع الإيراني بثقافة الصمود ومقاومة الضغوط أن يتقدم في طريق الثورة التقنية والصناعية الخلاقة وأن يتحمل تضحيات جزيلة من أجل مستقبل البلاد وتقدمها كقوة عظمى فاعلة في محيطها وفي العالم تحمي حقوقها وسيادتها واستقلالها بقوة دفاعية استراتيجية يحسب لها الحساب وفي الحساب الأميركي لكلفة الخيار العسكري منذ حرب تموز 2006 وبعد التهديد بضرب سورية خريف 2013. إن المغامرة العسكرية بالاشتباك مع إيران ستقود إلى التورط في حرب كبرى وتشعل حرائق واسعة النطاق تهدد المصالح الأميركية في المنطقة وستهدد إسرائيل بعواقب وخيمة.

في هذا المناخ شكلت هزائم المغامرات الحربية الأميركية في أفغانستان والعراق والحروب «الإسرائيلية» في لبنان وغزة، رصيداً متعاظماً من الفشل الذي توجه الإخفاق الأميركي المتواصل في محاولة النيل من الدولة الوطنية السورية الحليف الأبرز لإيران منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً والقوة المركزية المناهضة للهيمنة الاستعمارية والمعادية لـ«إسرائيل» التي احتضنت قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية بالشراكة مع إيران.

لا يملك الجمهوريون والمحافظون الجدد وصفة مختلفة عن الاتفاق التفاوضي، ولا قدرة لدى الإمبراطورية الأميركية المنهكة من حروبها الخاسرة واقتصادها العاثر على إحياء المغامرات الحربية أياً كان الحزب الحاكم، والجمهوريون والمحافظون ومتطرفو اللوبي الصهيوني يجادلون علانية في بنود الاتفاق المحتمل مع إيران وجداوله الزمنية المتصلة بالتخصيب وبرفع العقوبات، ومثلهم يفعل نتنياهو حيث يتبنى التشدد في معدلات التخصيب وعدد أجهزة الطرد المركزي، ويدعو إلى إبطاء عملية رفع العقوبات عن إيران لتأخير انعتاق قوتها الاقتصادية والسياسية بمجرد رفع الحصار السياسي والحظر التجاري والمصرفي عنها حيث تخشى أوساط اليمين الأميركي وقيادة الليكود انهيارات متسارعة لمعاقل النفوذ الغربي في المنطقة كما حصل في الهند الصينية بعد الاعتراف بالصين الشعبية.

الشركات الأميركية الكبرى بالمقابل ومنذ اتفاق جنيف التفاوضي قبل عامين بين إيران ومجموعة الـ5+1 أرسلت كشافيها البريطانيين إلى إيران عبر وفود تجارية تضم خبراء مكلفين بالتعرف إلى مجالات العمل المتاحة في الأسواق الإيرانية والشراكات التجارية المحتملة والجاذبة للاستثمارات في زمن العطش الناتج من الركود الاقتصادي الأميركي والغربي عموماً وتتطلع تلك الشركات إلى عقود دسمة تتوقع أن تحصدها من عودة العلاقات مع إيران في المرحلة المقبلة.

ما بعد الاتفاق النووي والاعتراف بإيران كقوة عظمى سنشهد تغيراً في شكل الصراع، فخطوط الاشتباك والاختلاف بين واشنطن وطهران ستبقى قائمة ومستمرة، خصوصاً ما يتصل منها بـ«إسرائيل» وبقضية فلسطين التي رفضت القيادة الإيرانية اعتبارها جزءاً من أي تفاوض أو مقايضة. وحتى القضايا الإقليمية الخلافية التي يظن البعض أنها ستكون موضع تفاوض وتفاهم رفضت إيران وضعها على جدول أعمال التفاوض النووي. والأرجح أن مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية هو ما يمكن اعتباره حرباً باردة إقليمية في جميع ساحات التواجد المشترك لحلفاء الجانبين من أفغانستان إلى البحرين، وحيث سيتحكم بمضمون التسويات المحتملة توازن القوى المحلي في كل بلد على حدة خارج مفهوم الصفقات الدارج في العقل السياسي التقليدي المسطح.

لكن مما لا شك فيه أنه ما بعد الاتفاق النووي ستكون قنوات النقاش والبحث في تلك الملفات مفتوحة بين الجانبين، كما هي راهناً حال العلاقة الصينية الأميركية والعلاقة الروسية الأميركية، وعلى رغم شدة الصراعات الدائرة على غير صعيد ومن استفزازية التدابير العدائية الأميركية ضد بكين وموسكو، ومن الطبيعي أن تنصبّ المناورات الأميركية المقبلة على اختبار فرص إضعاف علاقة إيران بحلفائها وشركائها الكبار في العالم والمنطقة، ويمكن من الآن التنبّؤ بفشلها المحتوم لأنّ التوجه الإيراني الاستباقي كان قطع الطرق على مثل هذه الحسابات وتعميق الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع الحلفاء.

- بغداد لن تكون عاصمة الامبراطورية الايرانية

* عبدالباري عطوان

لا نعتقد ان شخصا في مكانة السيد علي يونس نائب الرئيس الايراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية لا يدرك خطورة تصريحاته التي ادلى بها ونقلتها وكالة انباء اخبار الطلاب الايرانية، وكشفت عن نوايا ايرانية استعمارية تمتد من العراق حتى الصين.
السيد يونس قال في هذه التصريحات غير المسبوقة “ان ايران اصبحت الآن امبراطورية، كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي (اي بغداد) مركز حضارتنا وثقافتنا كما كانت في الماضي.
هذه التصريحات الاستفزازية التي تنطوي على الكثير من العجرفة، والاستعلاء والشوفينية، تصب في مصلحة المعسكر العربي الذي يؤكد ان ايران لا تقل خطورة عن اسرائيل، وانها تملك نوايا توسعية في المنطقة العربية بأسرها، وباتت تسيطر على اربع دول عربية هي العراق وسورية ولبنان واليمن، وتوجه ضربة قاتلة للمعسكر الذي يرى فيها جارا مسلما حليفا في وجه المخططات الغربية.
لو جاءت مثل هذه المواقف في مقالة في صحيفة ايرانية مغمورة، لما توقفنا عندها، ولكن ان تأتي على لسان نائب رئيس ايراني من المفترض انه يمثل جناح الحمائم والاصلاحيين المعتدليين في ايران فهنا تكمن المأساة، وهنا يكمن مصدر الخطر والريبة والشكوك لدى البعض في حقيقة النوايا الايرانية في آن.

الملايين في الوطن العربي، بل وفي العالم الاسلامي تعاطفوا مع ايران لانها تقود المعسكر المقاوم والممانع وتتصدى لمخططات اسرائيلية عدوانية توسعية، ومشاريع امريكية تريد تفتيت المنطقة، لكننا لا نعتقد ان هذا التعاطف يمكن ان يستمر اذا ما اكتشف اصحابه ان هناك نوايا توسعية امبراطورية ايرانية تريد ان تلتهم العراق، وتجعل من بغداد عاصمة للامبراطورية الايرانية الجديدة.
فلنكن اكثر تحديدا ونقول ما هو الفرق بين السيد ابو بكر البغدادي زعيم “الدولة الاسلامية” الذي يريد اقامة خلافة اسلامية تمتد من الصين وحتى شواطيء المحيط الاطلنطي الاوروبية وتحاربها ايران بشراسة، وبين السيد يونس نائب الرئيس الايراني الذي يطالب بالشيء نفسه على ارضية توسعية عنصرية طائفية؟
وزارة الخارجية العراقية كانت الوحيدة للاسف التي قدرت خطورة هذه التصريحات وسارعت باستنكارها، واصدرت بيانا اكدت فيه ان العراق دولة ذات سيادة يحكمها ابناؤها، ولكن هذا الاستنكار لا يكفي في رأينا، وخطورة هذه التصريحات تتطلب موقفا اكثر قوة وادانة من قبل رئيسي الوزراء والجمهورية العراقيين كحد ادنى.
توقيت اعلان هذا الموقف الاستفزازي التي يعكس “غرور القوة” في وقت تقاتل فيه قوات الحرس الثوري الايراني في العراق الى جانب الجيش وميليشيات الحشد الشعبي الطائفية يوحي بأن هناك في ايران من يفكر بعقلية المنتصر مبكرا، ويتصرف على اساسها، وكأن ايران باتت هي القوة الاقليمية العظمى المهيمنة، الامر الذي سيوفر الذخيرة الفكرية وربما العسكرية لاعدائها في المنطقة العربية وما اكثرهم.
صحيح ان السيد يونس حاول “ترقيع″ تصريحاته الاستعلائية هذه، وصرح لوكالة الانباء الايرانية نفسها بالقول انه عندما قال ان “العراق عاصمتنا” لم يقصد به الوقت الحالي، وانما خلال العصور الساسانية والاشقافية والاخمينية، واكد “ان الجمهورية الاسلامية الايراينة لا تدعم اي تدخل لدولة ما في سياسات وشؤون دول اخرى”، ولكن هذا “الترقيع″ جاء متأخرا وبعد ان حصل الضرر فعليا واعطى ثماره، او بعضها، بما يخدم قارعي طبول الحرب ضد ايران في الدول العربية والمحذرين من نواياها التوسعية.

القيادة الايرانية اذا كانت تريد ان تنأى بنفسها عن مثل هذه المواقف فان عليها ان تبعد هذا الرجل من منصبه فورا لاثبات حسن نواياها تجاه جيرانها، والعراقيين منهم خصوصا، شيعة كانوا ام سنة، واستمراره في منصبه يعني انها تتبنى مثل هذه المواقف.
ما يجب ان يعرفه السيد يونس وكل الذين يتبنون افكاره اننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، وان زمن الامبراطوريات قد ولى الى غير رجعة، وان اللغة السائدة هذه الايام هي لغة التعاون واحترام مصالح الآخرين خاصة في دول الجوار.
نريد ان نلفت نظر السيد يونس ان الشعب العراقي حارب ايران ثماني سنوات، مثلما حارب الاحتلال الامريكي عشر سنوات اخرى، وانسحبت القوات الامريكية مهزومة، وبعد تكبدها خسائر بشرية ومالية ضخمة، ولا نعتقد ان هذا الشعب سيقبل بتحويل بلاده الى عاصمة لامبراطورية ايرانية او امريكية او اي دولة اخرى طامعة في السيطرة عليه وبلاده.
اذا ارادت ايران ان تكسب عقول وقلوب العرب والمسلمين فان عليها ان تكون دولة تقف في خندق الشعوب المستضعفة التي تقاتل من اجل مواجهة الاستكبار والغطرسة الاستعمارية الغربية، وان تجتث قيادتها كل اصحاب النزعات الطائفية والعنصرية الاستعلائية، اما ان توفر منبرا لهؤلاء، وتضعهم في مواقع قيادية متقدمة، فهذا امر يتناقض كليا مع قيم ثورتها الاسلامية التي جاءت من اجل الانتصار للضعفاء والمظلومين ومواجهة الاستعمار الغربي وحليفته اسرائيل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2180695

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع في هذا العدد  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2180695 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40