الاثنين 9 آذار (مارس) 2015

لكي تكون قوة ... ولكي تكون عربية

الاثنين 9 آذار (مارس) 2015 par معن بشور

اعلن الأمين العام المساعد “لجامعة الدول العربية” السيد احمد بن حلي ان القمة العربية “الناقصة” بتغييب سوريا ، والتي ستنعقد في مصر أواخر هذا الشهر ستناقش مسالة تشكيل قوة عربية مشتركة لصون الأمن القومي العربي وستكون في أولويات اجتماع القمة .
طبعا لن نفتح سجل تعاطي القمم العربية ، وجامعة الدول العربية ، مع قضايا الأمن القومي العربي منذ نكبة فلسطين حتى اليوم ، فهو سجل حافل بانتهاكات الجامعة للمواثيق والمعاهدات التي قامت عليها ، خصوصا معاهدة الدفاع العربي المشترك ، بل هو سجل يقوم على معادلة بسيطة “الصمت ، واحيانا التواطؤ” إذا تعرض بلد عربي لعدوان خارجي او احتلال اجنبي “كما هي حال فلسطين ولبنان والعراق ، من جهة ، ومن جهة ثانية على” التورط " بالمال والسلاح والتحريض واستدعاء التدخل العسكري الأجنبي في حال نشوب ازمة داخلية كما كان الحال في ليبيا اولا ثم في سوريا بشكل خاص.
ومع ذلك ، سنناقش هذه الفكرة “الجيدة” في عنوانها ، والخطيرة في توجهها من باب توفير الشروط والضمانات الضرورية التي تجعلها فكرة في خدمة الامة بدلا من ان تتحول الى مشروع في خدمة أعدائها .
اول هذه الشروط - الضمانات هو ان مقياس سلامة اي تشكيل عربي ، عسكريا كان ام سياسيا ام دبلوماسيا ام اقتصاديا ، يكمن في تحديد الأولويات الحاكمة لأهدافه وتوجهاته ، وتحديدا في صوغ عقيدة واضحة لهذه القوة تحدد العدو والصديق كما تفعل الجيوش عادة
فلا أولوية في الوقت الراهن امام الامة العربية تعلو على أولوية الصراع مع المشروع الصهيوني - الاستعماري الذي لم تكن فلسطين ساحة احتلاله وإرهابه وجرائمه المستمرة وحسب ، بل باتت المنطقة كلها هدفا لهيمنته ومخططاته للتفتيت ولتفجير كل العصبيات الطائفية والمذهبية والعرقية من المحيط الى الخليج.
ان إعادة الاعتبار لأولوية الصراع مع هذا المشروع ، ولمركزية القضية الفلسطينية ليس من شانها الدفاع عن فلسطين وشعبها وحريتها ومقدساتها فحسب ، بل من شانها ايضا إعادة لم الشمل العربي بعد عقود من واقع بدأ بالتجزئة والانقسام ليصل الى واقع ينزلق بسرعة الى مهاوي التفتيت والتقسيم.
ولعل في ذكرى يوم الارض ( ٣٠ اذار/ مارس ) ، والتي يتزامن حلولها مع انعقاد القمم العربية منذ سنوات ، ما يذكر المجتمعين في القمة القادمة ، بفلسطين الارض والحقوق والنضال من أجل تحريرها.
وثاني هذه الشروط - الضمانات يقوم على ان الأمن القومي العربي لا يصان أصلا في غياب ركن أساسي من أركانه متمثلا بسورية التي كانت دولة مؤسسة في جامعة الدول العربية والذي تحمل جيشها وشعبها منذ حرب ١٩٤٨ عبئا رئيسيا ، وما يزال في مواجهة المشروع الصهيوني. كما يتحمل اليوم عبئا محوريا في مواجهة حالات الغلو والتطرف والتوحش التي تنتشر في العديد من دول المنطقة
لقد اختل الأمن القومي العربي في أواخر السبعينات بسبب غياب مصر او تغييبها بفعل اتفاقيات كامب ديفيد التي استهدفت إخراج مصر من الصراع العربي - الصهيوني وإدخال الامة كلها في حروب وصراعات جانبية شهدنا فصولا منها في اكثر من قطر عربي من مشرق الوطن الكبير الى مغربه.
وحين اتخذت جامعة الدول العربية بإيعاز أمريكي وتمويل نفطي قرارها بإخراج الدولة السورية من الجامعة ومؤسساتها ، كان ذلك القرار إخلالا خطيرا ليس بالأمن الوطني لبلد كان دائماً في طليعة المدافعين عن امن كل اشقائه وسياداتهم الوطنية فحسب ، بل كان إخلالا خطيرا بالأمن القومي العربي برمته ، وبالأمن والاستقرار في العالم كله ، إذ تناثرت شظايا الغلو الطائفي والتطرف الدموي والتوحش التدميري لتعم دولا قريبة وبعيدة وعواصم عالمية في الغرب والشرق معا.
فاي حديث عن قوة عربية مشتركة لا تكون فلسطين غايتها ، وسوريا في القلب منها ، يثير اكثر من علامة استفهام ويطرح إمكانية تحويل القوة الى أداة لاستدراج الامة كلها الى حرب أهلية عربية وإسلامية شاملة خصوصا مع تصاعد الدعوات التي تريد استبدال الصراع مع مغتصبي الارض والمقدسات الى صراع مع دول الجوار التي لعبت وما تزال دورا في دعم مقاومة الاحتلال والعدوان. رغم ما يمكن ان نسجل من ملاحظات واعتراضات على بعض أدائها وممارساتها
أما الشرط الثالث فيكمن في حسم العلاقة بين هذه القوة العربية المشتركة وبين قوى المقاومة في فلسطين ولبنان ، أيا تكن التباينات والحساسيات التي طغت وتطغى على سطح العلاقة بين هذه القوى وبين مكونات القوة المشتركة المزمع إنشاؤها .
لقد مكنت معادلة بسيطة صاغتها التجربة اللبنانية ، وأعطت نتائج باهرة رغم كل ما أحاط بها من تشنجات ، وهي معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”، في توفير توازن رادع مع العدو الصهيوني ، وفي توفير الامن والاستقرار في بلد لم تتوقف تل أبيب عن شن الحروب عليه لسنوات طويلة قبل إرساء قواعد هذه المعادلة.
فما الذي يمنع ان تقوم معادلة عربية ايضا على قاعدة “الشعب والجيش والمقاومة” على امتداد الامة كلها ، لا سيما في دول الطوق ، التي بات واضحا ان المقاومة فيها مستهدفة ، وكذلك الجيوش ، وصولا الى الشعب نفسه.
صحيح ان قيام مثل هذه المعادلة يتطلب مراجعة جريئة ، وشجاعة من كل المعنيين بها ، أنظمة ومنظمات ، ويتطلب حوارا صريحا وشفافا بينها ، يتجاوز الأخطاء والخطايا التي لم ينج منها احد ، وان كلفة هذه المراجعة ، مهما كانت عالية تبقى اقل بكثير من كلفة تصعيد الصراع بين أطراف هذه المعادلة.
قد يكون في هذه الشروط الكثير من الخيال ، وربما الأوهام ، لا سيما إذا أدركنا حجم نفوذ القوى والجهات المحلية والاقليمية والدولية المعادلة لمثل هذه المعادلات ، ولكن مواجهة المخاطر الكبرى التي تحيق بالأمة كلها ، وبكل قطر من أقطارها ، تستوجب تلبية هذه الشروط التي نرى فيها ضمانات لأمننا القومي العربي لا مجرد شروط.
حينها فقط يمكن الحديث عن “قوة عربية” توحد ولا تفرق ، تصون ولا تبدد ، تشد أزر الصديق ، وترد كيد العدو ، كما قال يوما جمال عبد الناصر في إعلان الجمهورية العربية المتحدة في مثل هذه الايام من عام ١٩٥٨.
من هنا يتطلع أبناء الامة الى مصر ، وهي صاحبة فكرة إنشاء هذه القوة ، بكثير من الأمل بان تلبي الشروط ، وتوفر الضمانات ، التي تجعل منها قوة فعلا وعربية فعلا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165825

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165825 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010