الأحد 8 آذار (مارس) 2015

السلطة الفلسطينية وأهداف الضغط عليها

الأحد 8 آذار (مارس) 2015 par علي جرادات

رغم تمسكه بخيار المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية، ورغم تعديله لدرجة إفراغه من مضمونه، حالت الولايات المتحدة دون حصول مشروع القرار الفلسطيني العربي لاعتراف مجلس الأمن بالدولة الفلسطينية على الأصوات التسعة اللازمة لعرضه على التصويت، ما أجبر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على الانضمام إلى عدد من مواثيق ومعاهدات وبروتوكولات هيئة الأمم المتحدة، أهمها بروتوكول محكمة الجنايات الدولية . اتسمت ردود فعل حكومة الاحتلال الصهيوني بالهستيريا، حيث قررت، فضلاً عن تصعيد سياسة الاستيطان والتهويد والعدوان، تجميد تحويل عائدات السلطة الفلسطينية المالية المستحقة وفق “الملحق الاقتصادي” ل“اتفاق أوسلو”، ما أدخل قيادة السلطة في حالة عجز حتى عن صرف رواتب موظفيها، بمن فيهم أفراد أجهزتها الأمنية المنوط بها، وفقاً لالتزامات “اتفاق أوسلو”، التنسيق مع الأجهزة الأمنية للاحتلال . هنا لجأت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، مضطرة، إلى التلويح بوقف التنسيق الأمني، وبإعادة النظر في وظيفة السلطة . ولإضفاء الجدية على ما تلوح به دعت المجلس المركزي الذي أقر، نيابة عن المجلس الوطني، “اتفاق أوسلو”، إلى اجتماع للبحث في مجمل علاقات السلطة ب“إسرائيل” كدولة احتلال، علاوة على ملفات داخلية، أهمها المصالحة الوطنية المعطلة وإعادة إعمار قطاع غزة المدمر .
أما الولايات المتحدة فاكتفت بالتحذير غير المسنود بإجراءات عملية من انهيار السلطة الفلسطينية . بالمقابل، حسب المعلومات وليس التحليل أو ما يُنشر في وسائل الإعلام، حذرت الإدارة الأمريكية من إقدام المجلس المركزي على اتخاذ قرار بوقف التنسيق الأمني بالقول: “وقف التنسيق الأمني يلغي السلطة و”اتفاق أوسلو" . ولمنع صدور مثل هذا القرار طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لقاء الرئيس الفلسطيني أبو مازن، في لندن، ثم عاد واتفق معه على الاجتماع به في شرم الشيخ في 16 من الشهر الجاري بحضور وزير خارجية روسيا، لافروف، والرئيس المصري، السيسي، والملك الأردني، عبد الله .
هنا يتضح أن ضغوط وتهديدات وابتزازات حكومة الاحتلال الصهيوني والإدارة الأمريكية لا تستهدف الغاء السلطة الفلسطينية، إنما إيصالها إلى حافة الانهيار لإجبار قيادتها على قبول مكانة سلطة وظيفية تنفذ من طرف واحد التزامات اتفاق أوسلو السياسية والأمنية والاقتصادية، وفق معادلة جديدة، جوهرها استمرار (التفاوض لأجل التفاوض)، و(التنسيق الأمني بلا مقابل سياسي)، و(“تنقيط” الأموال مقابل الأمن)، بل ومنع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من الإقدام على أي خطوة سياسية أو دبلوماسية أو قانونية، فما بالك بالكفاحية، من شأنها أن تعزز فرص إنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة السياسية الوطنية، بما يقوي قدرة الشعب الفلسطيني على مجابهة تصاعد السياسة الصهيونية الهجومية الشاملة والمخططة لتقويض البرنامج الوطني الفلسطيني في العودة والدولة وتقرير المصير، كسياسة ترعاها الولايات المتحدة وتدعم شروطها التفاوضية التعجيزية، وناظمها شرط الاعتراف ب“إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي”، كشرط تتبناه بصيغ مختلفة جميع الأحزاب الصهيونية باستثناء حركة “ميرتس” هامشية الوزن، ما يعني بلا لبس أو شك محاولة لتصفية القضية والحقوق والرواية الفلسطينية من جميع جوانبها .
إذاً، حكومة الكيان الصهيوني، برعاية أمريكية، تستهدف إبقاء الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية إلى ما لا نهاية داخل المأزق البنيوي متعدد الأوجه والأبعاد الذي أنجبه، أساساً، “اتفاق أوسلو” ومفاوضاته العقيمة والضارة، ولا مجال لفتح طريق الخروج منه سوى بالتنصل من هذا الاتفاق والتحلل من التزاماته، والأمنية منها بالذات، وببناء استراتيجية وطنية جديدة لإدارة التناقض الأساس مع الاحتلال، والتناقضات الداخلية الثانوية في مرحلة تحرر وطني لم تُنجز مهامها بعد، فيما الرهان على تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية عبر الأخذ بالنصائح الأمريكية الداعية إلى انتظار نتائج الانتخابات “الإسرائيلية” القادمة، هو رهان خاسر، ولن يحصد سوى الخيبة وتعميق المأزق الوطني وتفاقمه واستفحاله . أما لماذا؟
يدور التنافس في هذه الانتخابات بين معسكرين صهيونييْن أساسييْن لديهما تجاه القضية الفلسطينية برنامجاً واحداً بلغتيْن مختلفتيْن، أولاهما “خشنة” واضحة يتبناها المعسكر الذي يقوده ويمثله نتنياهو، وثانيتهما “ناعمة” مراوغة يتبناها معسكر “التحالف الصهيوني” بقيادة هيرتسوغ وليفني الذي يدعو إلى استئناف مفاوضات “أوسلو” إياها التي لم تجلب سلاماً ولا استعادت أرضاً رغم انطلاقها قبل نحو 25 عاماً على أساس مقاربة “الأرض مقابل السلام”، ما يعني أن الهدف الفعلي للمعسكرين من وراء الدعوة إلى استئناف التفاوض هو منع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من تطوير توجهاتها الحذرة والمترددة لتدويل القضية الفلسطينية إلى حدود القطع مع خيار “اتفاق أوسلو” والتحلل من التزاماته .
أما معسكر “التحالف الصهيوني” تحديداً، فيستهدف أيضاً إخراج “إسرائيل” من عزلتها ووقف حملات مقاطعتها العالمية المتنامية، سياسياً وأكاديمياً واقتصادياً، والتخفيف من تزايد التعاطف الشعبي العالمي، و“الغربي” منه خصوصاً، مع الشعب الفلسطيني وحقوقه . وهو التعاطف الذي يعززه تراجع السيطرة الأمريكية المنفردة على العالم، وتآكل قوة الردع “الإسرائيلية” في المنطقة، حسب تصريحات أكثر قادة الاحتلال تطرفاً وعدوانية وعنصرية، منهم ليبرمان على سبيل المثال لا الحصر



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40