الاثنين 2 آذار (مارس) 2015

تركيا بين الدور والارتباطات

الاثنين 2 آذار (مارس) 2015 par صالح عوض

تعاني الدولة التركية في عهد أردوغان من ازدواجية تجعلها دوما على حد السيف بين عنوانين متناقضين، فهي دولة أوروبية أو تسعى لذلك، وهي دولة عضو في الحلف الأطلسي بما عليها من التزامات أمنية استراتيجية وسياسية محددة، ومن جهة اخرى فهي شعب وتاريخ ينتمي إلى الشرق بحضارته ورسالته ومصالحه الحقيقية، فهي بهذا تتحسس مجالها الحيوي ودورها الإقليمي في ظل فراغ مذهل في المنطقة العربية.

وهكذا يبدو ان الوضع الذي تحاول الحكومة التركية المقاربة فيه بين الدور والارتباطات وضع شاق لا يحسد عليه اردوغان الذي يبحث في كل عنوان عن عناصر قوة تفيده في العنوان الآخر فهو ملتزم بارتباطاته واستحقاقاته، فهو صديق للأمريكان وملتزم بما على تركيا في اطار عضويتها في الحلف الأطلسي، فهو ملتزم بعلاقات استراتيجية مع اسرائيل على اكثر من مستوى، كما انه معني تماما بتنسيقات عالية المستوى مع الأمريكيين بخصوص السياسات الاستراتيجية في الإقليم.. وهو في هذا كله يعتبر ان مكانته الأطلسية تمنحه قدرة تحرك في الإقليم لفسح المجال في الإقليم لمبادرات تركية تترجم فيما بعد في اجراءات على صعيد التجارة والسياحة وما يرتبط من تغيير اوضاع تفيد ذلك التوجه.. وفي الاتجاه الآخر، يتزود اردوغان بعلاقاته المتميزة مع دول او حركات سياسية في الإقليم يكون قدم لها مساعدات لوجستية ومناخا مريحا لتحركات ونشاطات ضرورية لها.. يتزود اردوغان بهذه العلاقات فيما هو يتفاهم مع الغرب لاسيما امريكا التي تركت له هامشا من التحرك الإقليمي.. وهذا ما تابعه الجميع في نشاط تركي في اكثر من بلد عربي لاسيما ما يحصل الآن في سوريا والعراق.. بل الأمر يمتد إلى مصر وفلسطين.

انها محاولات دقيقة وغير مأمون نتائجها.. الا انها حتى الآن لا تصطدم اصطدامات جوهرية مع التوجهات الغربية في المنطقة، حيث يبذل اردوغان وحزب العدالة جهدا كبيرا في مجالات التنمية، وبالفعل قفزت عجلة التنمية في تركيا درجات معتبرة وانعكس ذلك على الاستقرار والأمن الاجتماعي في تركيا.. وانتعشت التجارة والسياحة كما انتعشت الحركة الدبلوماسية لتركيا واصبحت اسطمبول عاصمة اقليمية متميزة لها حضور في كل قضايا الإقليم ورأيها يستمع إليه فيها، فهي حاضرة في الملف الليبي كما الملف العراقي والسوري وسواها.. كما ان قدرة اردوغان على تحديد دور العسكر والسيطرة على الجوانب الأمنية في البلد اضاف إلى انجازاته ما يكفي لجعله نموذجا ناجحا في نظر الكثيرين من ابناء الحركات الاسلامية.

الا انه لابد من النظر إلى اشكالية حقيقية في التعامل مع تركيا على هذا الاعتبار.. فتركيا لا يمكنها الاصطدام مع الاستراتيجيات الغربية والسياسات الأمريكية في المنطقة.. فالتوجه نحو التحالف مع تركيا الآن من قبل قوى في المنطقة لاسيما الاسلامية يعني خطورة ان تدخل هذه القوى في الخطوط السياسية العامة للسياسات الأمريكية في المنطقة او على الأقل عدم الاصطدام معها؛ ولكن لأن كل المشكلات القائمة في المنطقة تشرف على تعميقها وتطويرها الأجهزة الأمريكية الأمنية والسياسية فيصبح من الصعب تحقيق اي هدف حقيقي من خلال العلاقات مع تركيا التي لن تستطيع القيام بأي فعل خارج سياسات الأطلسي.. وهذا ما شاهدناه علنا في موضوع حصار غزة والحرب الاسرائيلية على غزة، بل واقتحام سفينة مرمرة التركية من قبل البحرية الاسرائيلية.

يحاول اردوغان تقديم خيار اسلامي سياسي “معدل” يستقبله الغرب بلا استنفار وتوجس؛ ولكن هذا الخيار لا يستطيع الصمود كثيرا، لأن الاستفزاز الغربي مستمر للمنطقة لاسيما وقضية فلسطين ماثلة بكل عنفوان.. والخطورة هنا ان تحاول الإدارات الغربية والأمريكية بالذات استخدام تركيا ودورها الإقليمي في ابتزاز الدول الإقليمية والتلويح بتهديدها إن هي حاولت التوقف عن تأدية المزيد من الخدمات للسياسة الأمريكية في المنطقة.

تركيا تتأرجح بين دور اقليمي تتمناه وبين ارتباطات متحكمة في سياساتها الاستراتيجية.. وان الذين لا يريدوا ان يروا من تركيا الا ما تتمناه وتتحدث عنه من دور يستند إلى تاريخ مشترك ولا ينظرون بعين الوعي والانتباه للارتباطات الأمنية والاستراتيجية التي تكبل تركيا عن اي فعل مستقل.. ان هؤلاء سيجدون انفسهم اما ان ينساقوا في الاتجاه نفسه اعترافا باسرائيل وانسجاما مع اقتصاد السوق وترتيب المنطقة كما تشاء الإدارة الأمريكية او ان تصاب بخيبات أمل وانتكاسة تفرض عليها ترتيبات اخرى تجعلها في محط العدوان والاتهام بالارهاب..

تريكا تتأرجح واصدقاؤها في المنطقة مرشحون للتارجح.. فهل تستطيع تركيا الخروج من الثنائية المعقدة وإلى اية وجهة.. وهل تدرك القوى الاسلامية حليفتها حدود المقبول والمرفوض في التحالفات..؟ تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165856

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165856 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010