الجمعة 27 شباط (فبراير) 2015

في تعريب الحرب على الإرهاب الدولي

الجمعة 27 شباط (فبراير) 2015 par رغيد الصلح

قد تنطوي المقارنة بين الحرب التي يخوضها العالم اليوم ضد الإرهاب الدولي، وبين الحربين العالميتين الأولى والثانية على شيء من المبالغة إذا كنا نراقبها عن بعد، أما بالنسبة إلى العرب الذين يعيشون الحرب يومياً، وأخذاً في الاعتبار درجة الدمار البشري والمادي والمعنوي للعرب وغير العرب الذي تسببه فهي حرب عالمية ثالثة مؤكدة . والعرب اليوم هم في قلب هذه الحرب، وأكثر التوقعات تدل على أنها لن تبارحهم بسهولة وفي المستقبل القريب . ويطيب للكثيرين أن يتغاضوا عن هذه التوقعات، ولكن هذا التغاضي لن يقصر عمر الحروب إنما قد يطيلها . وعندما تتسم الحروب بما هي عليه اليوم من القسوة والاستمرار، فإنه لا بد أن يحشد المعنيون بالأمر كل ما تقع عليه أيديهم من الإمكانات والطاقات من أجل دحر الإرهاب والإرهابيين والقضاء عليهم .
لقد وضع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي يده على مفتاح مهم لتحقيق هذه الغاية عندما دعا إلى تكوين قوة عربية مشتركة تضطلع بهذه المهمة . واتجه الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي إلى شرعنة هذه الدعوة وتفعيلها عبر مطالبة الدول العربية بإبداء الرأي في وسائل إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي .
من المؤكد أن الرئاسة المصرية والأمانة العامة للجامعة تنسقان مع بعضهما بعضاً وأن المقترحين يعبران عن رغبة مشتركة ومشروعة في تعريب الحرب على الإرهاب، طالما أن الإرهاب يمارس نشاطاته وأعماله على مسرح المنطقة العربية كلها . ومن المتوقع، كما قال الدكتور العربي لإحدى الصحف العربية أن يحصل على موقف دول الجامعة إزاء هذه المبادرة تمهيداً لعرضه خلال الأيام المقبلة على اجتماع وزراء الخارجية العرب ومن بعده على القمة العربية التي تنعقد عادة خلال شهر مارس/ آذار . فهل تستجيب دول الجامعة إلى مقترحي الرئاسة المصرية والأمانة العامة للجامعة؟
أغلب الظن هو أن العديد من الحكومات العربية لن يتحمس لمثل هذه المقترحات . فهذه الحكومات ترغب في الحفاظ على الوضع الراهن . وعندما نتحدث عن الوضع الراهن، فإننا لا نتحدث عنه اليوم، إنما نقصد بذلك الوضع الراهن قبل أن يتحول الإرهاب الديني المتطرف إلى عنصر رئيسي في تكوينه وتلوينه . وفي وضع راهن من هذا النوع تفضل أكثر الحكومات العربية التفتيش عن حلول لمشاكلها وعن سبل ووسائل تعزيز مصالحها عبر مشاريع لا-عربية . فإذا اقتضى أمن الحكومات واستقرارها وازدهارها دخول التحالفات فإنها تفضل ألا ترتدي هذه التحالفات والشراكات الرداء العربي ولا أن تتم في إطار مؤسسات العمل الجماعي العربي بل من خارجها . لماذا؟ لأسباب كثيرة من أهمها ترسخ أيديولوجيا الحذر تجاه الفكرة العربية وتجاه ما يتأسس عليها من مشاريع وسياسات ومواقف . ومن بين هذه الوسائل أيضاً هو أن هذه الحكومات والنخب الحاكمة تتصور، خطأ، أنه من المستطاع العودة إلى الوضع الراهن السابق .
رغم ما سبق، فإنه من المرجح ألا ترد الحكومات المشار إليها على رسائل الأمانة العامة برفض مشروع إحياء المعاهدة . إنها لا تحتاج إلى الإعراب عن مثل هذا الموقف . بل على العكس، قد تؤيد المبادرة، ولكن مع إبداء بعض الملاحظات . وهذا الموقف قد يعني عملياً تأجيل البت في هذه القضية الى اجتماع وزراء الخارجية، أو إلى القمة العربية نفسها . كذلك يعني هذا الموقف إعطاء فرصة لمعارضي هذه المبادرة للإجهاز عليها قبل أن تنطلق - إذا كانت هناك رغبة جدية في إطلاقها . هذه الفرصة سوف تستمر حتى النصف الأخير من الشهر المقبل، أي موعد انعقاد القمة المرتقبة . فبمرور الوقت، يزداد عدد الملاحظات، وتتحول من ملاحظات تتناول مقترحات ثانوية في المشروع، الى ملاحظات تركز على قضايا جوهرية فيه . فإذا حان وقت إبداء الرأي الصريح والسلبي في المشروع أو المبادرة المقترحة، يمكن عندئذ المجاهرة به .
هناك سبيل آخر وذو فعالية عالية في إحباط المشاريع الإصلاحية في الجامعة وهو قليل الكلفة السياسية إذا كانت لمعارضة مثل هذه المشاريع كلفة سلبية . تتمثل هذه الوسيلة في الموافقة على المشروع، ولكن الامتناع عن تنفيذه . ولكن ميثاق الجامعة يقول إن من يوافق على الاقتراح يلتزم به ويعمل على تنفيذه . صح . ولكن ماذا يحل بالدولة التي توافق على المقترح من دون أن تنفذه؟ أن الميثاق لا يتحدث عن هذا الأمر، كذلك لا يتحدث الميثاق عن آليات ووسائل مراقبة المقررات . إن مسألة تنفيذ المقررات متروكة كلياً للدولة العضو في الجامعة . وهذه ثغرة يمكن لمن يشاء الإفادة منها للاجهاز على أية مبادرة أو مقترح .
هل يعني ذلك أن السعي إلى تعريب الحرب على الإرهاب لن يحقق النجاح المأمول؟ كلا . أنه يعني أن تعريب الحرب يحتاج إلى أن تضع الدولة المصرية ثقلها وراءه، وأن تتابع الأمانة العامة موضوع إحياء معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بدرجة أكبر من الاهتمام . وأن يتجلى الاهتمام المشترك للرئاسة المصرية والأمانة العامة للجامعة في خطوات ملموسة منها:
* أولاً، تنظيم تحرك واسع النطاق للتعريف بالمعاهدة وتوضيح مبادئها وشرح منافعها في الظروف الراهنة . ومثل هذا التحرك لا يحتاج إلى انتظار إجابات الحكومات العربية عن رسائل الأمانة العامة للجامعة . فليس هناك من يمنع الأمانة العامة من أن تخاطب الرأي العام العربي وأن تذكر المواطنين العرب ببعض الإنجازات التاريخية التي حققتها جامعة الدول العربية . ومشروع الدفاع العربي المشترك كان إنجازاً تاريخياً ليس فقط لأنه كان تعبيراً عن الرغبة في توطيد التعاون الأمني والاقتصادي بين الدول العربية بل أيضاً لأنه كان تعبيراً عن التمسك باستقلال المنطقة في وجه مشروع الدفاع المشترك الغربي . إن التذكير بهذا الموقف هو قطعاً من حق الأمانة العامة لأنه جزء من تاريخها الحي . فحتى الآن لم تتخذ الجامعة قراراً بشطب المعاهدة، ولا بمنع العودة إليها .
* ثانياً، أن تسعى الأمانة العامة للجامعة العربية إلى بلورة برنامج عملي لإقناع الحكومات العربية بأهمية إحياء المعاهدة . في هذا السياق فإنه إذا اصطدم مشروع إحياء المعاهدة برمته بصعوبات لا يمكن تجاوزها، راهنياً على الأقل فإنه يمكن التقدم باقتراح محدد يتعلق بإعادة تحريك مجلس الدفاع العربي المشترك والدعوة إلى عقد اجتماع له في أقرب وقت ممكن لكي يضع استراتيجية عربية مشتركة لمحاربة الإرهاب والإرهابيين الذين ينشرون الرعب والخراب في المنطقة العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2177589

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2177589 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40